الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الاتفاق الروسي الأميركي والإفلات من العقاب

الاتفاق الروسي الأميركي والإفلات من العقاب

30.09.2013
عمر كوش


المستقبل
الاحد 29/9/2013
يدشن الاتفاق الروسي الأميركي حول الأسلحة الكيمياوية للنظام الأسدي، نهجاً جديداً من المقايضة، ينهض على تسليم النظام لأسلحته الكيمياوية، مقابل الإفلات من العقاب على الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها وجرائم الحرب أيضاً، كونه على الأقل يرجئ الضربة العسكرية الأميركية لقوات النظام، التي تحدث عنها الرئيس الأميركي باراك أوباما، فضلاً عن أنه لا يتحدث عن معاقبة ومحاسبة المجرمين، من مسؤولين ومنفذين لمجزرة غوطتي دمشق في الحادي والعشرين من شهر آب/ أغسطس المنصرم، ولا عن ملاحقتهم قضائياً أمام المحاكم الدولية، لذلك يشعر سوريون كثر بالخذلان واليأس من تعامل الساسة الأميركيين والغربيين مع الكارثة السورية، التي سببها تعامل النظام الأسدي مع الثورة السورية، ولديهم مخاوف واقعية من أن الساسة الأميركيين اتفقوا مع الساسة الروس على إنقاذ النظام الأسدي دولياً، بالنظر إلى تقلب مواقف الإدارة الأميركية، وتردد وتشوش مواقف أصحاب القرار فيها، وبخاصة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، الذي أظهر للعالم كله وكأنه جاد في توجيه ضربة عسكرية للنظام الأسدي، ثم تراجع عن ذلك، ليرهن أمر الضربة بموافقة الكونغرس، ثم ذهب إلى اجتماع قمة العشرين، ليجتمع مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وربما عقد معه صفقة الكيمياوي، التي قد تطاول بقاء الأسد إلى ربيع ، بحماية ودعم أضرابه من الساسة الروس.
ولعل ما يحاول الساسة الروس تسويقه، من اختصار الأزمة السورية في مسألة تخلي النظام عن سلاحه الكيمياوي، لاقى صدى واسعاً لدى الساسة الأميركيين، حتى يبدو الامر وكأن الهدف الأساس من التهديد بالضربة العسكرية الأميركية هو تدمير الترسانة الكيمياوية للنظام، بما يفضي إلى غض طرف الساسة الأميركيين، ومعهم ما يسمى المجتمع الدولي، عن جريمة الحرب الشنيعة التي ارتكبت بحق المدنيين، فضلاً عن الجرائم والمجازر اليومية التي يقوم بها النظام ضد غالبية السوريين منذ أكثر من عامين ونصف.
غير أن تركيز الإدارة الأميركية على التخلص من ترسانة النظام الكيمياوية، يطرح العديد من المضمرات والأسئلة، إذ أن هذه الترسانة جمعها النظام من عرق السوريين وتعبهم، وعلى حساب لقمة عيشهم، منذ عهد الأسد الأب، وذلك على خلفية تحقيق "التوازن الإستراتيجي مع العدو الصهيوني"، بمعنى أن امتلاكها كان يمثل رداً على امتلاك إسرائيل ترسانة نووية. وكان لسان حال أهل النظام السوري يعتبر أن سوريا تمتلك هذا السلاح لردع إسرائيل عن التفكير باستخدام السلاح النووي ضدها، لكن في حقيقة الأمر أن التوازن الوحيد الذي سعى النظام الأسدي، بنسختيه، الأب والأبن، إلى تحقيقه كان موجهاً ضد غالبية السوريين، والردع الوحيد الذي كان يسعى إلى تحقيقه، هو ردعهم عن التحرك أو مجرد التفكير بتغيير النظام.
وقد قدم تقرير خبراء الأمم المتحدة، في فريق التحقيق الأممي، مؤشرات كافية لتوجيه أصابع الاتهام إلى النظام الأسدي، بوصفه الجهة الوحيدة في سوريا التي تمتلك سلاحاً كيميائياً، واعترف رسمياً بامتلاكه بعد إنكار مديد، وهو الجهة الوحيدة أيضاً التي تمتلك القدرة على القيام بهجوم بالسلاح الكيمياوي، ومع ذلك يدشن الساسة الروس والأميركيون سابقة خطيرة من سياسة الإفلات من العقاب على الجرائم ضد الإنسانية. كما أن الأدلة التي قدمها خبراء الأمم المتحدة، الذين حققوا في مجزرة الغوطتين الكيمياوية، أكدت على استخدام غاز السارين في 21 آب/ أغسطس 2013، الذي يمتلك النظام كميات كبيرة منه، الأمر الذي وصفه الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، بأنه "جريمة حرب"، لكنه اكتفى، في كلمته أمام مجلس الأمن الدولي، بالمطالبة بمحاسبة المسؤولين عن استخدام السلاح الكيمياوي، من دون أن يقدم آلية محددة لكيفية الحساب. وكان المأمول من الأمين العام أن يوجه دعوة للمحكمة الجنائية الدولية للتحقيق بجريمة الحرب التي تحدث عنها، أو أن يطلب تشكيل محكمة لجرائم الحرب خاصة بسوريا، بعد ثبوت استخدام السلاح الكيماوي، الأمر الذي يشير إلى أن النظام الأسدي قد يفلت من العقاب في سابقة دولية خطيرة.
ويدرك كل الساسة الروس والأميركيين وسواهم، أن الأزمة السورية تكمن في بقاء هذا النظام في السلطة، واستمراره في قتل المزيد من السوريين وتدمير أماكن عيشهم وسكناهم، لأنهم قرروا عدم الاستمرار في العيش في ظل حكمه المستبد، وبدأوا ثورة شعبية، بقيت لأشهر عديدة سلمية، لكن الإمعان في القتل جعلهم يلجأون إلى حماية أنفسهم وأهلهم من الحرب الشاملة التي يشنها النظام عليهم، ومع ذلك لا ينظر الساسة الروس، ومعهم ساسة دول كثيرة، إلى الثورة السورية، بوصفها قضية عادلة، لأنها ثورة شعب، عدوها الأول هو نظام الطاغية.
وبالرغم من كل ذلك، فإن الثورة السورية ماضية في مساراتها حتى تحقق تطلعات الشعب السوري، بالرغم من أنها لم تلق أي دعم حقيقي سوى من أبنائها، ودعماً محدوداً من بعض الدول العربية والصديقة للشعب السوري، في حين أن النظام تلقى دعماً وإسناداً غير محدودين، على مختلف الصعد، من طرف قوى دولية وإقليمية، وبخاصة من طرف روسيا وإيران وميليشيات حزب الله اللبناني وميليشيات مذهبية عراقية وسواها، لذلك لا يتحدث رموز النظام الروسي شيئاً عن دعمهم، المتعدد المستويات، للنظام الأسدي، الذي يشن حرباً شاملة على الثورة وناسها، مارس فيها أبشع الممارسات والانتهاكات، وأطلق العنان لكل ممكنات التطرف ولمختلف النعرات. ولعل رهانهم على النظام الأسدي، يعكس شيئاً عن طبيعة وتركيبة نظامهم السياسي. كما أن دفاع النظام الإيراني عن النظام نفسه، ورهانه عليه، يعكس أيضاً طبيعة تركيبة النظام الإيراني، ويضيف خصوصية إلى خصوصيات الثورة السورية، التي لا تتلخص في مواجهة نظام دموي له امتداداته الإقليمية والدولية، بل يجسدها ارتباط النظام بشبكة تحالف دولية وإقليمية صلبة، لا يجمعها رباط الحافظ على تركيبة الأنظمة، بل تمتد إلى تأبيد رموزها، ومصادرة حقوق عامة الناس، واحتلال الفضاء العام، وبسط هيمنات وأجندات، وسوى ذلك.