الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الاحتمالات المفتوحة في سوريا رهينة التوافق الأميركي ـ الروسي

الاحتمالات المفتوحة في سوريا رهينة التوافق الأميركي ـ الروسي

05.09.2013
ماجد الشيخ



المستقبل
الاربعاء 4-9-2013
في أجواء يلوثها الكيماوي والغازات السامة، تواجه الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون ضغوطا متزايدة تدعو الى التحرك لوقف العنف في سوريا، وقد اشتدت هذه الضغوط اثر اتهام المعارضة نظام بشار الاسد بشن هجوم كيميائي اوقع بحسب المعلومات 1300 قتيلا. غير ان المخاوف تبقى قائمة لدى السلطات والرأي العام من الانجرار الى حرب جديدة في الشرق الاوسط، والاضطرار الى ارسال قوات على الارض، وهو ما تجمع واشنطن وباريس على استبعاده بشكل قاطع.
وازاء هذا الوضع تواجه الاسرة الدولية سباقا ماراثونيا بين محاولات إيجاد حل سياسي يبدو مستبعدا، وسيناريوات مختلفة لتدخل عسكري تبدو هي الأخرى مستبعدة كذلك، وهي تتراوح بين القضاء على ترسانة النظام من الاسلحة الكيميائية، واقامة منطقة حظر جوي، غير انها تنطوي جميعها على عواقب ومخاطر تثنيها منذ اكثر من سنتين عن التدخل. إزاء المواقف المتسارعة تجاه ملف استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا ما هي السيناريوات والإحتمالات الممكنة؟
يبدو أن أبرز السيناريوات المحتملة أو المتوقعة، تتلخص في الأمور التالية: إقامة مناطق عازلة؛ حيث يقترح بعض الخبراء اقامتها على طول حدود سوريا مع تركيا وربما الاردن ايضا، وتكون بمثابة مناطق آمنة للاجئين وقاعدة خلفية لمقاتلي المعارضة. ومع هذا الخيار تبقى المنطقة التي سيترتب على القوات الدولية السيطرة عليها محدودة غير ان رئيس هيئة الاركان المشتركة للجيوش الاميركية الجنرال مارتن ديمبسي حذر في رسالة الى احد النواب في الكونغرس الاميركي من ان هذه المهمة لن تكون سهلة.
أما في ما يتعلق بإقامة منطقة حظر جوي، الذي اقترحه العديد من انصار تدخل عسكري، فإنه يهدف الى منع النظام من استخدام طائراته ومروحياته لقصف المعارضة والسكان المدنيين وامداد قواته. وقال السناتور النافذ جون ماكين الطيار السابق في الجيش الاميركي ان هذا الخيار يمكن تطبيقه بسهولة نسبيا، غير ان خبراء آخرين حذروا من انه لا يخلو من المخاطر.
أما بالنسبة لهدف القضاء على الأسلحة الكيميائية السورية، فإنه بالرغم من ان معظم ضحايا النزاع في سوريا الذين تخطى عددهم مئة الف قتلوا بالاسلحة التقليدية، الا ان اتهام المعارضة النظام بشن هجوم كيميائي يوم الاربعاء المشهود (21آب/أغسطس الماضي) في ريف دمشق اثار موجة استنكار شديد في العالم. حيث يعتقد الخبراء ان النظام السوري يخزن مئات الاطنان من غازات السارين، في اكس والخردل، في وقت بدأت ترتفع اصوات تدعو واشنطن الى قيادة عملية للقضاء على هذا المخزون، او ضبطه ومنع استخدامه ضد المدنيين او وقوعه بأيدي ارهابيين.
في مطلق الأحوال يتحدث بعضهم عن حرب نفسية وآخرون عن ضربات جوية محدودة، وسريعة، لكن ساعات الترقب في المنطقة التي تبدو طويلة وطويلة جدا، تنتظر القرار النهائي لمسار الأمور المتصل بالأزمة السورية، ربما تحسمها النتائج المنتظرة من لجنة الخبراء الدوليين بشأن الأسلحة الكيميائية بعد الكشف على الغوطة. وفي هذا الإطار تزدحم التصاريح الدولية حول ضربة عسكرية محتملة لسوريا. ضربة رأت موسكو أنها إذا نفذت فإنها ستعد انتهاكاً للقانون الدولي، لكن وزير خارجيتِها سيرغي لافروف لفت إلى أن بلاده لن تحارب أحداً بسببها. ولعل قبول دمشق بدخول المفتشين إلى الريف الدمشقي سحب البساط قليلاً من تحت أقدام الراغبين بتغيير مجرى التوازن العسكري في سوريا. وهذا القبول يساعد موسكو في "الدرع الدبلوماسي" الذي تسعى لتشكيله مع إيران وبكين وغيرهما، لمنع أي هجوم عسكري واسع على سوريا، لكن الإحتمالات تبقى مفتوحة.
في هذه الأجواء، عبرت أغلبية ساحقة بين الإسرائيليين عن معارضتها الدخول بالحرب في سوريا، في وقت سيطرت فيه على المشهد الإسرائيلي صورة آلاف الأشخاص بالقدس وتل أبيب وحيفا يقفون في طوابير للحصول على أقنعة واقية من أسلحة غير تقليدية، فيما تعرض رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، لانتقادات بسبب تهديداته المتكررة للرئيس السوري، بشار الأسد. وأظهر استطلاع للرأي العام في إسرائيل، نشرته صحيفة (معاريف) الجمعة الماضية، أن 77% من الإسرائيليين يعارضون تدخل إسرائيل في القتال الدائر في سوريا، في حال عدم تدخل الولايات المتحدة، وقال 11% أن على إسرائيل التدخل، بينما أجاب 12% أنه ليست لديهم إجابة على سؤال كهذا.
وقالت "معاريف" إنه في الوقت الذي يسود فيه الشعور بأن نتنياهو يؤيد عملية عسكرية ضد سوريا "يبدو أن قسما من المسؤولين رفيعي المستوى في محيطه أقل حماسة"، وأنه "فيما نتنياهو لا يترك شيئا للخيال عندما يهدد بالرد على أي صواريخ تُطلق من سوريا، يبدو أن قسما من زملائه حول طاولة المشاورات (الأمنية) يعتقدون أن على إسرائيل أن تصمت وتضبط النفس.
هذا في وقت يعتقد مسؤولون في المؤسسة السياسية الأمنية أن "نتنياهو يرتكب خطأ استراتيجيا عندما يهدد بتدمير سوريا ردا على إطلاق صواريخ" وأنه يتصرف مثل الرئيس الأميركي، باراك أوباما، "الذي وضع خطا أحمر أمام السوريين وأوقع نفسه بفخٍ، وسيضطر في ساعة الامتحان إلى كسر كلمته والتصرف من خلال ضبط النفس".
وهكذا أو لهذا تفضل الولايات المتحدة أن تحافظ إسرائيل على ضبط النفس في حال نفست سوريا عن غضبها عقب ضربة أميركية، بإطلاق صواريخ باتجاه إسرائيل، وأنه "ليس صدفة أن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، بيني غانتس، التقى مع جنرال أميركي قبل أيام". وبحسب "معاريف" يريد الأميركيون إنهاء الضربة العسكرية بسرعة، من دون أن تتدهور المنطقة إلى مواجهة نتيجة لأخطاء في تقدير ردود الفعل وردود الفعل المضادة، لأن التخوف هو من رحيل الأسد وسقوط سوريا بأيدي منظمات متطرفة من دون تسوية سياسية، وهذه السياسة لا تواجه الولايات المتحدة وروسيا وحسب، وإنما إسرائيل ايضا.
وفي وقت أعرب المبعوث العربي والدولي إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي عن اعتقاده "أن الهجوم الكيميائي يجب أن يسرّع مسألة الإعداد لعقد مؤتمر "جنيف 2 ويجب أن يثبت للعالم انه لا يوجد حل عسكري". أظهرت مشاورات هاتفية بين وزيري خارجية الولايات المتحدة وروسيا، وجود قرار واضح لدى الجانبين بعدم ترك المتشددين يستغلون الفرصة لنسف العملية السياسية التي يجري التحضير لها في جنيف منتصف تشرين الأول المقبل.
ولهذا بالتحديد كشفت مصادر موقع "ديبكا" الاستخباري الإسرائيلي في واشنطن وموسكو، أن "الرئيس الأميركي باراك أوباما يعرقل تطبيق قرار الهجوم على سوريا، من أجل كسب الوقت بهدف انجاح المفاوضات السرية التي يقوم بها وزير الخارجية جون كيري مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، وابرام اتفاق يقضي بأن تقلص الولايات المتحدة الاميركية عملها العسكري الى ضربة رمزية، وبعد ذلك يعلن الرئيس الاميركي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن موعد لعقد مؤتمر "جنيف 2" للتوصل الى حل للازمة السورية وإنهاء الحرب الاهلية".
ولكن ولحد الآن وبحسب مصادر "ديبكا" فإن "القناة السرية المفتوحة بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره الأميركي جون كيري، لم تحقق بعد النتائج المطلوبة، وبالتالي ما يزال موعد بدء العد العكسي لعمل عسكري قابل للتغيير أو التعديل أو التأجيل؛ إن لم يكن الإلغاء في حال التوصل إلى صيغة حل سياسي يبدأ من جنيف، وينتقل إلى المنطقة، في حال استجابة النظام وترتيب المعارضة صفوفها، كي تواجه النظام موحدة على طاولة تسوية سياسية قد تنجح جزئيا ومؤقتا، ولكنها لن تنجح في الخلاص من نظام أرق حياة السوريين أكثر من خمسين عاما، من إلغاء الشعب والمجتمع، ونشر مباذل الاستبداد والنظام الأمني.