الرئيسة \  تقارير  \  الاحتواء بعد الحرب الباردة: كيف خسرت واشنطن السلام ما بعد السوفياتي (3-3)؟

الاحتواء بعد الحرب الباردة: كيف خسرت واشنطن السلام ما بعد السوفياتي (3-3)؟

28.03.2022
ماري إليز ساروت


ترجمة: علاء الدين أبو زينة
ماري إليز ساروت – (فورين أفيرز) تشرين الثاني (نوفمبر)/ كانون الأول (ديسمبر) 2021
الغد الاردنية
الاحد 27/3/2022
في نيسان (أبريل) 1999، في القمة التي عُقدت بمناسبة الذكرى الخمسين لتأسيس حلف الناتو في واشنطن العاصمة، رحب الحلف علنا باهتمام إستونيا ولاتفيا وليتوانيا (إلى جانب ست دول أخرى) بالحصول على العضوية الكاملة للحلف.
وكان بوسع الولايات المتحدة أن تصر، محقة، على أنها لم تعترف قط باحتلال الاتحاد السوفياتي لدول البلطيق في العام 1940. لكن ذلك لم يغير أبدا من أهمية الخطوة: لن يتوقف توسيع العضوية الكاملة للحلف عند حدود الاتحاد السوفياتي السابق.
وقد تجاهلت واشنطن التعبيرات الهادئة عن القلق من القادة الإسكندنافيين، الذين أشاروا إلى رغبة في التمسك بحلول مشروطة وأكثر ظرفية لمنطقتهم.
وإلى جانب التدخل العسكري لحلف الناتو في آذار (مارس) 1999 في كوسوفو -الذي عارضته روسيا بشدة- حول هذا الموقف العام 1999 إلى نقطة تحول في العلاقات الأميركية الروسية.
* * *
تكلفة لكل بوصة
سوف تتضح أهمية التحول الذي أحدثه كلينتون في سياسة توسيع الناتو مع مرور الوقت. في أول رحلة أوروبية له كرئيس، في كانون الثاني (يناير) 1994، سأل كلينتون قادة الناتو: “لماذا يجب علينا الآن أن نرسم خطا جديدا عبر أوروبا أبعد قليلا فقط إلى الشرق”؟ من شأن ذلك أن يترك “أوكرانيا الديمقراطية” جالسة في الجانب الخطأ.
كانت الشراكة أفضل إجابة، لأنها فتحت الباب، ولكنها أعطت أيضا الولايات المتحدة وحلفاءها في الناتو “الوقت للتواصل مع روسيا وتلك الدول الأخرى من الاتحاد السوفياتي السابق، والتي تم تجاهلها تقريبا خلال هذا النقاش بأكمله”.
بمجرد التخلي عن منظمة “الشراكة من أجل السلام”، أصبح الخط الفاصل الجديد بين شطري أوروبا أمرا لا مفر منه.
بعد أن تخلت عن طريقة “الشراكة من أجل السلام” التي تبنت السماح لمجموعة واسعة من البلدان بالانضمام كحلفاء فضفاضين، أصبحت إدارة كلينتون في حاجة الآن إلى تحديد عدد الدول التي يجب إضافتها كأعضاء كاملي العضوية في الناتو.
وبدت الحسابات بسيطة: كلما زاد عدد الدول التي تنضم إلى الحلف، زاد الضرر الذي يلحق بالعلاقات مع روسيا. لكن هذا الحساب الذي يبدو بسيطاً بطريقة خادعة أخفى تعقيدًا أكثر عمقا بكثير.
بالنظر إلى حساسيات موسكو، فإن التوسع في الجمهوريات السوفياتية السابقة، مثل دول البلطيق وأوكرانيا، أو إلى البلدان ذات السمات الخاصة، مثل القواعد التي استضافت القوات الأجنبية والأسلحة النووية، سيؤدي إلى تكلفة أعلى بكثير لكل بوصة يتم ضمها.
أثار هذا الواقع سؤالين: لتقليل التكلفة المترتبة على لكل بوصة، هل ينبغي للتوسيع على أساس العضوية الكاملة تجنب تجاوز ما اعتبرته موسكو خطا حساسا، وهو الحدود السابقة للاتحاد السوفياتي؟ وهل يجب أن يكون للأعضاء الجدد أي قيود ملزمة بشأن ما يمكن أن يحدث على أراضيهم، على نحو يردد صدى التسويات الاسكندنافية والحظر النووي لألمانيا الشرقية؟
على كلا السؤالين، كانت إجابة فريق كلينتون “لا” قاطعة. في وقت مبكر من حزيران (يونيو) 1995، كان تالبوت قد بدأ بالفعل في إخبار قادة دول البلطيق بوضوح بأن الدول الأولى التي تنضم إلى الناتو كأعضاء جدد لن تكون بالتأكيد هي الأخيرة.
وبحلول حزيران (يونيو) 1997، استطاع أن يكون أكثر صراحة. إن إدارة كلينتون “لن تنظر إلى عملية توسيع الناتو على أنها منتهية أو ناجحة ما لم -أو إلى أن- تتحقق تطلعات دول البلطيق”.
وكان متسقا جدا مع هذا الرأي وثابتا عليه لدرجة أن طاقمه أطلق عليه اسم “مبدأ تالبوت”. وتم تحديد طريقة التوسيع: يجب أن يستمر من دون اعتبار للتكلفة المترتبة على كل بوصة -على عكس الاستراتيجية الاسكندنافية.
في نيسان (أبريل) 1999، في القمة التي عُقدت بمناسبة الذكرى الخمسين لتأسيس حلف الناتو في واشنطن العاصمة، رحب الحلف علنًا باهتمام إستونيا ولاتفيا وليتوانيا (إلى جانب ست دول أخرى) بالحصول على العضوية الكاملة للحلف.
وكان بوسع الولايات المتحدة أن تصر، محقة، على أنها لم تعترف قط باحتلال الاتحاد السوفياتي لدول البلطيق في العام 1940.
لكن ذلك لم يغير أبدا من أهمية الخطوة: لن يتوقف توسيع العضوية الكاملة للحلف عند حدود الاتحاد السوفياتي السابق. وقد تجاهلت واشنطن التعبيرات الهادئة عن القلق من القادة الإسكندنافيين، الذين أشاروا إلى رغبة في التمسك بحلول مشروطة وأكثر ظرفية لمنطقتهم.
إلى جانب التدخل العسكري لحلف الناتو في آذار (مارس) 1999 في كوسوفو -الذي عارضته روسيا بشدة- حوّل هذا الموقف العام 1999 إلى نقطة تحول في العلاقات الأميركية الروسية.
وأدى قرار موسكو بتصعيد القتال الوحشي في الشيشان مرة أخرى في وقت لاحق من ذلك العام إلى الشعور بأن لحظة التعاون التي أعقبت الحرب الباردة كانت تنهار.
ورد يلتسين المريض بمرارة على الانتقادات الأميركية لتجدد العنف في الشيشان، وشكا للصحفيين من أن “كلينتون سمح لنفسه بممارسة الضغط على روسيا” لأنه نسي “لدقيقة، لثانية، لنصف دقيقة، أن روسيا تمتلك ترسانة كاملة من الأسلحة النووية”. وفي اسطنبول، في 19 تشرين الثاني (نوفمبر) 1999، وعلى هامش قمة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، كانت الهجمات الكلامية التي شنها يلتسين على كلينتون شديدة لدرجة أن تالبوت، كما كتب في مذكراته، قدر أن يلتسين أصبح “معتوهاً”.
ووفقًا للنسخة الأميركية من محادثة خاصة وجيزة بين كلينتون ويلتسين، قدم الزعيم الروسي مطالب كاسحة. قال يلتسين “فقط أعطوا أوروبا لروسيا”، لأن “الولايات المتحدة ليست في أوروبا.
يجب أن تكون أوروبا شأن الأوروبيين”.
حاول كلينتون تغيير الموضوع للتخلص من هذا التقريع، لكن يلتسين ظل يضغط، مضيفًا، “أعط أوروبا لنفسها. لم تشعر أوروبا أبدا بأنها قريبة من روسيا كما هي الآن”.
ورد كلينتون: “لا أعتقد أن الأوروبيين سيحبون هذا كثيرًا”. وفجأة، وقف يلتسين وأعلن: “بيل، الاجتماع انتهى… لقد استمر هذا أكثر من اللازم”. ومع ذلك، لم يترك كلينتون نظيره الروسي يذهب من دون أن يسأله عمن سيفوز في الانتخابات الروسية المقبلة في العام 2000. ورد يلتسين المغادر باقتضاب: “بوتين، بالطبع”.
وكان الرئيسان قد أصلحا العلاقات بينهما بعد مشاحنات من قبل، لكن كلينتون ليس الآن في وقت عادي. سوف يكون هذا الاجتماع في اسطنبول هو الأخير مع يلتسين كرئيس. وعندما عاد إلى الوطن في موسكو، قرر يلتسين الخروج من المشهد السياسي.
كانت أمراض القلب الخطيرة، وإدمان الكحول، والخوف من الملاحقة القضائية قد أنهكت الرئيس الروسي.
كان يلتسين قد قرر مسبقاً أن بوتين هو خليفته المفضل، لأنه كان يعتقد أن الرجل الأصغر سنًا، على حد تعبير الخبير الروسي ستيفن كوتكين، سوف يحمي مصالحه، “وربما مصالح روسيا أيضًا”. وفي 14 كانون الأول (ديسمبر) 1999، وفقًا لمذكراته، أسرَّ يلتسين لبوتين بأنه في اليوم الأخير من العام، سوف يجعل الرجل الأصغر يتولى منصب الرئيس بالنيابة.
وكما وعد، في ليلة رأس السنة الجديدة، صدم يلتسين أمته بإذاعة خطاب استقالة قصير مُسجل مسبقًا. وكثفت طريقة الرئيس المتشنجة والضعيفة في إيصال كلماته المكتوبة جو الكآبة والحزن.
وبينما يجلس أمام شجرة عيد ميلاد مزينة بغير عناية، طلب من الروس “المغفرة”. واعتذر قائلاً أن “العديد من أحلامنا المشتركة لم تتحقق”، وأن “ما اعتقدنا أنه سيكون سهلا تبين أنه صعب جدا”.
وفي وقت لاحق، سوف يفي بوتين بحصته من الصفقة في أحد أعماله الرسمية الأولى، بمنح يلتسين الحصانة.
غادر يلتسين الكرملين في حوالي الساعة الواحدة ظهرًا بتوقيت موسكو وهو يشعر بارتياح كبير لعدم وجود التزامات على كاهله لأول مرة منذ عقود، وطلب من سائقه أن يأخذه إلى عائلته. وفي الطريق، رن هاتف سيارته الليموزين.
كان على الخط رئيس الولايات المتحدة. وطلب يلتسين من كلينتون معاودة الاتصال في الخامسة مساءً، على الرغم من أن الرئيس الأميركي كان يستعد لاستضافة مئات الضيوف في البيت الأبيض في ذلك اليوم لإقامة حفل فخم للاحتفال بنهاية الألفية.
في الأثناء، جعل الزعيم الروسي الجديد كلينتون تنتظر 26 ساعة أخرى قبل إجراء اتصال. في 1 كانون الثاني (يناير) 2000، وجد بوتين أخيرًا تسع دقائق لإجراء المكالمة.
وحاول كلينتون التصرف كما لو أن شيئاً لم يحدث بشأن الانتقال المفاجئ للسلطة، وقال: “أعتقد أنك بدأت بداية جيدة جدًا”.
آمال محطمة
سرعان ما أصبح واضحا أن صعود بوتين، عندما يتعلق الأمر بعلاقات موسكو بواشنطن، كان نهاية أكثر منه بداية. كانت ذروة التعاون الأميركي الروسي الآن شيئاً من الماضي، على الأقل كما يمكن قياسها من حالة الحد من التسلح.
بعد أن تركتا اتجاهاً استمر بطول عقد ينتهي، فشلت واشنطن وموسكو في إبرام أي اتفاقيات رئيسية جديدة بهذا الشأن في عهد كلينتون.
بدلاً من ذلك، استؤنف الاستهداف النووي للمدن الأميركية والأوروبية في ظل زعيم روسي كان قد بدأ، في كانون الأول (ديسمبر) 1999، عهدًا سيقاس بالعقود.
وبالنسبة لعلاقات الولايات المتحدة مع روسيا، كانت هذه الأحداث بمثابة إشارة، إن لم تكن لعودة إلى ظروف الحرب الباردة التي تحول دون كل تعاون، فبالتأكيد إلى بداية موجة صقيع قاتل.
بطبيعة الحال، بالنسبة لمواطني أوروبا الوسطى والشرقية الذين عانوا عقودًا من الوحشية، والحرب والقمع، كان الانضمام إلى حلف الناتو على أعتاب القرن الحادي والعشرين تحقيقًا لحلم قديم بالشراكة مع الغرب.
ومع ذلك، كان الشعور بالاحتفال مُسكتاً. وكما لاحظت وزيرة الخارجية الأميركية، مادلين أولبرايت، فإنه “قبل عقد من الزمان، عندما سقط جدار برلين، كان هناك رقص في الشوارع. والآن ذهبت تلك النشوة”.
لم يحقق العالم الذي نشأ في تسعينيات القرن العشرين الآمال التي نشأت بعد انهيار جدار برلين والاتحاد السوفياتي.
في البداية، كان هناك اعتقاد واسع النطاق بأن مبادئ النظام الدولي الليبرالي قد نجحت، وأن سكان جميع الدول الواقعة بين المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ، وليس الدول الغربية فقط، تستطيع الآن أن تتعاون ضمن هذا النظام.
لكن كلا من القادة الأميركيين والروس اتخذوا مرارا وتكرارا قرارات تتناقض مع نواياهم المعلنة لتعزيز هذه النتيجة. تحدث بوش عن أوروبا كاملة، حرة، تعيش في سلام.
وأعلن كلينتون مرارًا عن رغبته في تجنب رسم خط في أوروبا. ومع ذلك، ساعد كلاهما في النهاية في رسم خط فاصل جديد يقسم أوروبا ما بعد الحرب الباردة.
وسعى غورباتشوف إلى إنقاذ الاتحاد السوفياتي. كما سعى يلتسين إلى إرساء تحول ديمقراطي دائم في روسيا. لكن أياً منهما لم ينجح في مسعاه.
لم يكن توسع الناتو هو المصدر الوحيد لهذه المشاكل. لكن طريقة توسيع التحالف -بالتفاعل مع الخيارات الروسية المأساوية- ساهمت في تحديد مداها وتأثيرها.
وبعبارة أخرى، ليس من الممكن فصل التقييم الجاد لدور توسيع الناتو في تآكل العلاقات الأميركية الروسية عن كيفية حدوثه. لم يكن خطأ واشنطن توسيع التحالف، وإنما كان قيامها بذلك بطريقة زادت الاحتكاك مع موسكو.
وقد نتج هذا الخطأ عن سوء تقدير الولايات المتحدة لكل من استمرارية علاقات التعاون مع موسكو ومدى استعداد بوتين للإضرار بهذه العلاقات.
زادت هذه الاستراتيجية لتوسيع الحلف القائمة على مبدأ “كل شيء أو لا شيء” أيضًا التكاليف من دون أن يحدث ترسيخ للتحول الديمقراطي.
وقد نجحت دول حلف وارسو السابقة في الانضمام إلى حلف الناتو (وفي النهاية الاتحاد الأوروبي)، فقط لتجد أن العضوية لا تؤمن تلقائيًا تحولاتها الديمقراطية.
وأظهر البحث اللاحق أن احتمالية الحصول على عضوية متدرجة في المنظمات الدولية -العملية التي كانت تعتمدها منظمة “الشراكة من أجل السلام”- كان يغلب أن يعزز بشكل أكثر فعالية الإصلاحات السياسية والمؤسسية.
حتى مؤيد قوي لتوسيع الناتو مثل جو بايدن، الذي كان عضوا في مجلس الشيوخ الأميركي آنذاك، شعر في التسعينيات بأن الطريقة التي يتوسع بها الحلف قد تسبب المشاكل.
وكما قال في العام: “إن استمرار منظمة “الشراكة من أجل السلام”، التي اتضح أنها أكثر قوة ونجاحًا بكثير مما أعتقد أن أي شخص أنها ستكون في البداية، ربما يمكن القول إنها كانت طريقة أفضل للمضي قدُماً”.
ركز على الكيف
ما الذي يجب أن تتعلمه واشنطن من هذا التاريخ؟ لعل أحد أكبر التحديات المعاصرة التي تواجهها الولايات المتحدة هو الطريقة التي أصبحت بها المواجهة بين الغرب وروسيا مرة أخرى هي النظام السائد. خلال رئاسة دونالد ترامب المثيرة للانقسام، توافق الديمقراطيون والجمهوريون على القليل، لكن بعض شرائح الحزب الجمهوري على الأقل لم تكن مرتاحة أبدًا لاحتضان ترامب لبوتين.
ويعرض إحساس مشترك بالمهمة في التعامل مع موسكو للولايات المتحدة طريقًا نحو تحقيق إجماع محلي نادر -واحد يؤدي إلى العودة إلى الحلف الذي ما يزال قائمًا على الرغم من عبث ترامب مع فكرة انسحاب الولايات المتحدة منه.
ولكن، حتى مع ذهاب ترامب، يواصل النقاد التشكيك في قيمة الحلف.
والبعض، مثل المؤرخ ستيفن ويرثيم، يفعلو ذلك بمعانٍ عامة، بحجة أنه لا ينبغي لواشنطن بعد الآن “الاستمرار في تصنيم التحالفات العسكرية” كما لو أنها التزامات مقدسة. ولدى نقاد آخرين شكاوى أكثر تحديدًا، لا سيما فيما يتعلق بالانسحاب الفوضوي الأخير للقوات الغربية من أفغانستان.
وحتى أرمين لاشيت، المرشح لمنصب المستشار الألماني من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي من يمين الوسط، (وهو حزب عادة ما يدعم بقوة حلف شمال الأطلسي)، أدان الانسحاب باعتباره “أكبر كارثة يعاني منها الناتو منذ تأسيسه”. كما أعرب الحلفاء الأوروبيون عن أسفهم لما اعتبروه افتقارًا غير معقول إلى المشاورات المسبقة، الأمر الذي قوض الآمال المبكرة للتحالف بقدوم عصر ذهبي جديد يستلهم بايدن.
يجب أن يفكر النقاد مرتين قبل اقتراح شطب الناتو، أو ترك الفوضى في كابول تُخرج محاولات فترة ما بعد ترامب لإصلاح العلاقات عبر الأطلسي تخرج عن مسارها.
إن المخاوف الأوروبية محقة، ومن الواضح أن هناك حاجة إلى إجراء نقاش جسور حول الخطأ الذي حدث في أفغانستان.
لكن النقاد في حاجة إلى التفكير بما ستفضي إليه دعوة إلى تخفيض التحالف أو تفكيكه في وقت موسوم بالاضطراب.
لقد أدت سنوات ترامب، ووباء “كوفيد 19، وانسحاب بايدن من أفغانستان، إلى تدمير هيكل العلاقات عبر الأطلسي. عندما يكون منزل مشتعلاً، فإن ذلك لا يكون الوقت المناسب لبدء أعمال تجديد فيه -مهما كانت الحاجة إليها شديدة قبل اندلاع الحريق.
هناك أيضًا درس أكبر يمكن استخلاصه من هذا التاريخ لتوسع الناتو، وهو ما يتعلق -ليس فقط بعلاقات الولايات المتحدة مع روسيا، ولكن أيضا بالعلاقات مع الصين والمنافسين الآخرين.
يمكن أن يؤدي تنفيذ معيب، سواء من حيث التوقيت أو العملية، إلى تقويض حتى استراتيجية معقولة -كما أظهرت خبرة الانسحاب من أفغانستان.
والأسوأ من ذلك، يمكن أن تؤدي الأخطاء إلى إحداث أضرار تراكمية وأن تخلف ندبة عندما يتم قياس تنفيذ الإستراتيجية بالسنوات بدلاً من الشهور. وسوف يتطلب النجاح في منافسة طويلة المدى الحصول على التفاصيل الصحيحة أولاً.
*ماري إليز ساروت M E Sarotte: أستاذة ماري جوزيه وهنري آر كرافيس المتميزة في كلية جونز هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة، ومؤلفة كتاب “ولا بوصة واحدة: أميركا، روسيا، وتكون جمود ما بعد الحرب الباردة” Not One Inch: America, Russia, and the Making of Post–Cold War Stalemate (مطبعة جامعة ييل، 2021)، الذي تم اقتباس هذا المقال منه.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Containment Beyond the Cold War: How Washington Lost the Post-Soviet Peace