الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الارتدادات السورية للضربات الجوية

الارتدادات السورية للضربات الجوية

27.09.2014
عيسى الشعيبي



الغد الاردنية
الجمعة 26-9-2014
بعد تهرب طويل، وتردد أطول، اجتاز الرئيس الأميركي باراك اوباما الخط الذي كان قد رسمه لنفسه، بعدم العودة إلى رمال الشرق الأوسط المتحركة، وتوريط أميركا في شبهة حرب ضد العالم الإسلامي، والذي كان قد تلقى رسالة مصالحة مفعمة بالوعود الطيبة، في مستهل ولاية أول رئيس قادم من خارج إطار النخبة البيضاء؛ الأمر الذي بدا معه سيد البيت الأبيض وكأنه بطل إغريقي يسير بعينين مفتوحتين على خطى سلفه جورج بوش الابن، الذي عارضه السيناتور المفوه من شيكاغو من دون هوادة، ونال بحسب ذلك المجدين: الرئاسة وجائزة نوبل للسلام.
المفاجأة الكبرى في مجرى هذا التحول في نهج الرئيس الأميركي الأكثر تردداً وحذراً، هي توجيه الضربات النارية الأولى المكثفة للحديقة الخلفية لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وليس إلى عقر دار هذا التنظيم، الذي تباطأ تقدمه السريع في العراق من دون أن يتوقف، مما يفتح الباب أمام أسئلة بلا أجوبة، حول ماهية الاستراتيجية الأميركية المعتمدة لمواجهة "داعش" الذي بدا طوال المئة يوم الماضية، أي منذ واقعة الموصل الفارقة، وكأنه يتحرق شوقاً لاستدراج أميركا إلى المصيدة.
صحيح أن الرئيس أوباما ما يزال على حذره، ممسكا عن إرسال "المارينز" إلى نقيع الدم العراقي المشؤوم، ناهيك عن الدخول بقدميه إلى المتاهة السورية. إلا أنه يدرك أكثر مما يدرك الجميع، أنه من غير إنزال القوات الأميركية من الجو إلى أديم الأرض، فإن هذه الضربات، حتى وإن اتسعت نطاقاً واشتدت ضراوة، لن تغير شيئاً مهماً على الحلبة التي تمسك بها قوات تستعجل المنازلة، وتواصل تحت القصف تحقيق مكاسب جديدة في العراق وشمال سورية، الأمر الذي يدعو حقاً إلى التساؤل عن الوقت الذي سيجبر فيه، ربما خليفة أوباما، على قتال "داعش" وجهاً لوجه.
وأحسب أنه في غضون فترة السنوات الثلاث المقدرة لإنهاء هذه الحرب، التي قد تطول لأكثر من عقد، سوف تجري مياه كثيرة في نهر الفرات العابر لجانبي بادية الشام، قد يتفكك فيها التحالف وتتبدل خلالها المعطيات القائمة، ولعل في مقدمتها التحاق معظم مقاتلي الجيش الحر والكتائب الإسلامية بصفوف "داعش"، الذي سيبدو لدى كثيرين من هؤلاء الولد النجيب المدافع عن أهل السُنّة، لاسيما عندما يتزايد سقوط المدنيين. كما سيؤدي ذلك إلى تقويض خطاب المعارضة القائل إن هذا التنظيم صناعة مخابراتية إيرانية.
وبما أن لكل أزمة منطقها الذاتي الذي يطور داخلها ديناميات خاصة بها، فإن من المرحج أن يؤدي الاستهداف الجوي الأميركي إلى الغاء الفوارق وتهميش الخلافات والمنافسات بين سائر أطراف الجماعات السورية المسلحة، التي تخشى كل واحدة منها أن تتحول إلى "صحوات" بنسخة سورية، أو قل أن يبدو سلاحها كبندقية للإيجار، فيما يزداد "داعش" جاذبية، ويصبح أكثر تأهيلاً للتعبير عن مظلومية السُنّة، خصوصا أن كل هذه الجماعات ترى أن الأولوية الأولى هي لمحاربة نظام الأسد وميليشياته الطائفية.
ومع طول أمد الأزمة، فإن من المرجح أن تؤدي الضربات الصاروخية إلى تحقيق عكس ما هو مرجو لها، ونعني بذلك حصول "داعش" على الجائزة الكبرى، ألا وهي استدراج الأميركيين إلى حرب غير مرغوب فيها، وإظهار غزوتهم المحتملة كحرب صليبية مغطاة بقشرة عربية رقيقة، الأمر الذي سيجلب إلى صفوف "داعش" المزيد من المتطوعين المدججين بكراهية عمياء للولايات المتحدة. وهو ما يمكن اعتباره بمثابة قبلة الحياة، يمنحها التحالف الأميركي لأعدى أعدائه، خصوصاً عندما تتناقص قوة زخم الغارات تدريجياً، وينفد بنك أهدافها.
وهكذا، عندما تزداد أعداد الضحايا وينتشر الدمار، فإن أحداً من السوريين لن يجد لديه المبرر السياسي والأخلاقي للوقوف إلى جانب التحالف الاميركي، بما في ذلك ائتلاف المعارضة الذي رحب بالغارات الجوية بحرارة، لاسيما أن هؤلاء الذين كانوا يعدون الساعات لرؤية مثل هذه الضربة غداة استخدام الأسد لأسلحته الكيمياوية في الغوطتين، لن يكون في وسعهم تأييد حملة جوية تستهدف ليس "داعش" فقط، وإنما كتائب مسلحة أخرى مصابة بالخذلان الشديد، حيث بدأ العديد منها يعلن عن معارضته لهذه الغارات، بعد أن بات بعضهم مستهدفا، فيما غريمهم الأساسي ينجو من العقاب مرة ثانية.