الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الاستدارة التركية نحو سورية

الاستدارة التركية نحو سورية

30.08.2016
حسن أبو هنية


الرأي الاردنية
الاثنين 29/8/2016
لا تشكل تركيا حالة استثناء في التعامل مع المسألة السورية من بين أصدقاء سوريا الذين تلاشت حماستهم باسقاط النظام السوري تباعا وتبدلت أولوياتهم وأهدافهم تماما ولم تعد مسألة رحيل الأسد على جدول أعمالهم وكانت تركيا من أكثر دول مجموعة أصدقاء سورية حماسة لإسقاط النظام وإصرارا على رحيل الأسد لكن ثمة تطورات عملت على إجراء تحولات عميقة على سياسات تركيا الداخلية والخارجية فقد برهنت المحاولة الإنقلابية الفاشلة التي جرت في 15 تموز/يوليو الماضي على كثرة أعداء تركيا وقلة أصدقائها الأمر الذي فرض نهجا أكثر براغماتية على نهج إدارة حكومة العدالة والتنمية الحاكم.
الاستدارة التركية نحو سورية أخذت مسارات متسارعة عقب محاولة الانقلاب الفاشلة ففي 13 تموز يوليو الماضي أعرب رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم عن ثقته باستعادة بلاده علاقتها الطبيعية مع سوريا رغم تأكيد حزب العدالة والتنمية لاحقا أن هناك عائقا كبيرا أمام التطبيع يتمثل في بقاء بشار الأسد وفي معرض تعليق يلدرم على مساعي حكومته لتوسيع دائرة الاستقرار حولها في المنطقة أكد على أن أنقرة "بحاجة" إلى بناء علاقات جيدة مع سوريا والعراق، وأن البلدين بحاجة إلى الاستقرار حتى تنجح جهود مكافحة الإرهاب وقال يلدريم: "سنوسع صداقاتنا في الداخل والخارج، وقد بدأنا في فعل ذلك خارجيا، حيث أعدنا علاقاتنا مع إسرائيل وروسيا إلى طبيعتها وأنا متأكد من أننا سنعود إلى العلاقات الطبيعية مع سوريا أيضا" ومن اللافت أن يلدريم لم يذكر في تصريحاته "جرائم النظام السوري" التي كانت حاضرة دما ولم يجدد إصراره السابق على ضرورة رحيل الرئيس بشار الأسد قبل استعادة العلاقات الطبيعية بين أنقرة ودمشق.
موقف تركيا الجديد يبتعد أكثر عن أمريكا ويقترب من روسيا فمنذ الإعلان عن تشكيل التحالف الدولي بقيادة أمريكا ضد تنظيم الدولة الإسلامية في أيلول/ سبتمبر 2014 سعت واشنطن إلى إقناع أردوغان بالسماح لقوات التحالف باستعمال قاعدة انجرليك الجوية في جنوب تركيا لشن الغارات الجوية واستخدام المجال الجوي التركي كما طالبت أنقرة بفرض قيود أكثر صرامة على تدفق الجهاديين ومسألة التمويل عبر تركيا إلى سوريا والعراق بالإضافة إلى المطالبة بحرية حركة مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية المواليين للولايات المتحدة، إلا أن تركيا كانت متمسكة بأولويات مختلفة كتطبيق إقامة منطقة عازلة آمنة وتنفيذ حظر جوي، وتقديم ضمانات من حلف شمال الاطلسي إذا تعرضت تركيا لهجوم، والإصرار على عملية سياسية تبدأ برحيل الأسد.
مرتكزات السياسة التركية السابقة أصبحت من الماضي حيث أعرب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان علناً عن أسفه لموسكو عن الحادثة التي وقعت في تشرين الثاني نوفمبر 2015 عندما أسقطت تركيا طائرة عسكرية روسية داخل مجالها الجوي ففي 29 حزيران يونيو الماضي صادقت تركيا وإسرائيل على اتفاق للمصالحة يؤدي إلى تطبيع العلاقات بينهما بعد ست سنوات من الجمود الدبلوماسي وفي 22 حزيران / يونيو 2016 أعلن رئيس الوزراء التركي يلديريم أن "تركيا ستعمل على توسيع التعاون مع إيران"، وأشار إلى أن "هناك أهمية خاصة لهذه العلاقة بالنسبة للحكومة التركية وينبغي استخدام جميع القدرات في تطوير العلاقات بين البلدين"
في سياق استدارة تركيا جاء التدخل التركي بتاريخ 24 آب/ أغسطس الماضي في مدينة جرابلس السورية التي كانت خاضعة لتنظيم الدولة الإسلامية هو أول تدخل عسكري تركي بري منذ بدء الصراع في سوريا والتي أطلق عليها عملية "درع الفرات" وقد جاء التدخل ثمرة لتحولات تركيا الداخلية عقب محاولة الانقلاب الفاشل وتفاعلاتها مع المحيط الإقليمي الفوضوي والموقف الدولي الملتبس فقد تعاظم إدراك أنقرة بأن حلفاءها الغربيين المفترضين قد تخلوا عنها فضلاً عن المحادثات المستمرة بين موسكو وواشنطن الهادفة إلى تنسيق الجهود في الحرب الأهلية في سوريا حيث تخلت تركيا عن أوهام الصداقة الغربية وأعادت النظر في موجبات العداء بين تركيا وروسيا ومبرراته غير المنطقية من وجهة نظر مصلحية خالصة كما هو الحال مع إيران فإذا كان الصديق المفترض ممثلا بالغرب عموما وأمريكا خصوصا يحرص على خطب ود تلك القوى فلماذا تفعل ذلك تركيا رغم أن المصالح التي تربط بين تركيا وروسيا وإيران لا يمكن أن تقارن بنظيرتها الغربية الأمريكية.
على مدى سنوات الحرب في سورية لجمت الولايات المتحدة مطالب لأتراك بإنشاء منطقة عازلة بل عملت على التحالف مع عدو تركيا اللدود وخلق كيان كردي يهدد الأمن القومي التركي عندما قررت الولايات المتحدة في 9 أكتوبر 2015 إلغاء برامج تدريب المعارضة السورية والانتقال إلى دعم الفصائل الكردية والإعلان عن تشكيل "قوات سوريا الديموقراطية" في 12 تشرين أول/ أكتوبر 2015 التي تجاوزت أهدافها التصدي لتنظيم الدولة الإسلامية وتقدمت لتسيطر على سد تشرين ولتحصل على معبر إلى غرب الفرات وعلى الرغم من الاحتجاجات التركية على مواقف الإدارة الإمريكية بخصوص الطموحات الكردية إلا أنها لم تتخذ مواقف مؤيدة للمطالب التركية.
عملية درع الفرات جاءت عقب التحركات الدبلوماسية التركية سواء على الصعيد الروسي أو الإيراني أو زيادة التنسيق مع النظام السوري بفتح الطريق أمام القوات التركية للدخول إلى غرب الفرات وبدء معركة تحرير جرابلس التابعة لمحافظة حلب شمال سورية من سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" ويشارك في العملية العسكرية عدد من فصائل "الجيش السوري الحر" ومن أبرزها "الفرقة (13) وصقور الجبل والجبهة الشامية وحركة ونور الدين زنكي وفرقة السلطان مراد".
في ظل توتر العلاقة بين أنقرة وواشنطن وحرص الولايات المتحدة على عدم خسارة تركيا ودفعها إلى تمتين علاقاتها مع روسيا قدمت واشنطن دعمها للعملية التركية الجارية داخل الحدود السورية كما أن نائب الرئيس الاميركي جو بايدن أعلن أثناء اللقاء مع رئيس الوزراء التركي يلدريم أن على تنظيم "حزب الاتحاد الديمقراطي" وقوات سوريا الديمقراطية ألا يعبروا إلى الجهة الأخرى لنهر الفرات بأي شكل من الأشكال وقال بايدن إن بلاده أوضحت للقوات الكردية السورية أن عليها العودة إلى شرق نهر الفرات بعد السيطرة على مدينة منبج السورية حتى تحافظ على الدعم الأمريكي.