الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الاستعمار لم يقتل هنانو

الاستعمار لم يقتل هنانو

06.04.2015
خطيب بدلة



العربي الجديد
الاحد 5-4-2015
بعد دخول ما سمّي "جيش الفتح" إلى مدينة إدلب، وتحريرها من براثن وريث حافظ الأسد وعصابته، وبعد قيام "المجاهدين" بذلك العمل النبيل الذي يتلخص بتحطيم تمثال السفاح حافظ الأسد، المنتصب بين مبنيي المحافظة ومجلس المدينة؛... تطاول فريقٌ منهم إلى ساحة هنانو، وحطموا تمثال قائد ثورة الشمال، إبراهيم هنانو، وتبرع أحدُهم بتقديم لقطة تمثل قمة الهمجية والانحطاط؛ إذ وضع قدمه على رأس التمثال، وهو مبتسم للكاميرا، وممتلئ بمشاعر الظفر.
كان أبو طارق إبراهيم بن سليمان آغا هنانو، المولود في بلدة كفرتخاريم سنة 1869، ركناً أساسياً من أركان حكومة الملك فيصل بن الشريف حسين الهاشمي التي تمخضتْ عنها الحرب العالمية الأولى، في أواخر سنة 1918، واستمرت 22 شهراً فقط، وقد عهدت إليه تلك الحكومة، برئاسة مكتب ولاية حلب، ليكون الذراع اليمنى لوالي حلب، رشيد طليِّع.
وفي الرابع والعشرين من يوليو/تموز 1920، حينما دخلت القوات الفرنسية، بقيادة الجنرال غورو، إلى دمشق، ثم إلى حلب خلال أيام قليلة، وقبل ذلك، إلى الساحل السوري، وبسطت فرنسا سلطتها على البلاد، اشتعلت ثورات عدة في سورية، كان أبرزَها ثورةُ الشمال التي أشعلها زعماء شعبيون وإسلاميون، أمثال مصطفى الحاج حسين ونجيب عويد ويوسف السعدون وإبراهيم الشغوري، بقيادة هنانو.
كان إبراهيم هنانو مثقفاً، ويكفي أن نعرف أنه كان يحمل، في تلك الأيام المشهورة بتفشي الأمية، شهادتين، في الحقوق وفي الحربية؛ لندرك كم هو كبير وعيه السياسي. وكان متجاوزاً بثقافته الحدودَ المحلية، فقد تعلم في عاصمة الخلافة العثمانية، إسطنبول، سبع سنوات، وتزوج من تركية، وشغل منصب مدير لإحدى بلديات إسطنبول ثلاث سنوات، وقائمقام مقاطعة أرظروم أربع سنوات. بهذا المعنى، يمكننا أن نعتبره من الإنتلجنسيا، وأن نفهم لماذا اتفق الجميع على أن يكون هو قائد الثورة، فذاك لتمرسه في الإدارة والقيادة والعمل الدبلوماسي، إضافة إلى ما يتمتع به من كاريزما، شديدة الجاذبية على صعيد شعبي، في إدلب وحلب خصوصاً.
في أثناء الثورة كان إبراهيم هنانو يخاطب السوريين بلغتهم البسيطة السهلة، ويخاطب المجتمع الدولي بلغة دبلوماسية رفيعة، منها رسالته الشهيرة إلى قناصل الدول الأوروبية التي قال فيها:
إننا لا نقصد من قيامنا بهذا، إلا حفظ استقلالنا، وتأمين موازاة عادلة، على أسس الحرية والمساواة بين جميع الطوائف. لهذا، قد أظهرنا رغباتنا السياسية أمام اللجنة الأميركية، ونعني بها لجنة المستر كراين الاستفتائية، وصرحنا برفض انتداب فرنسا، لما نعهده من تطرفها، ومطامعها في بلادنا، ولكن أبى مؤتمر سان ريمو، إلا أن يغلبنا على أمرنا، ليجعلنا ضحية المطامع الجائرة، خلافاً لمواعيد الحلفاء، وقواعد ويلسون. هذا القرار الذي جرح مشاعرنا، نحن السوريين، وهزأ بآمالنا السياسية، قد جعل سورية الجميلة مرتعاً للفظائع، ومحرقاً لدماء الأبرياء، تحقيقاً لمطامع الاستعمار. نحن السوريين، نموت، أو نَتَبَلْشَفُ، ونجعل البلاد رماداً، ولا نخضع للفرنسيين.
ولكن إبراهيم هنانو لم يجعل البلاد رماداً، على الرغم من تهديده بذلك، فعندما أحس بأن الثورة، بعد سنة من قيامها، تضعضعت، وبدأت تفشل، وأن بعض مرافقيه أرادوا تحويلها إلى حرب عصاباتٍ تعتمد، في أحد جوانبها، الفوضى والسلب، والعدوان على الأهالي، اعتذر عن المتابعة، وغادر سورية إلى شرقي الأردن، ومن هناك إلى القدس، فقبض عليه الإنكليز وسلموه للإفرنسيين الذين أمنوا له محاكمة عادلة؛.. عادلة بالفعل، فقد تمكن محاميه المسيحي، فتح الله صقال، أن يثبت أن موكله ليس مجرماً جنائياً، بل زعيم وطني يمتلك الحق بالدفاع عن بلاده، وأطلقوا سراحه، وعاش حتى سنة 1935 في حلب، لم يعتدِ عليه لا الفرنسيون ولا المجاهدون الذين استمروا بالثورة بعده، وتحولوا إلى عصابات: "جَتَا".