الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الاستقطاب الأميركي... والتحدي السوري

الاستقطاب الأميركي... والتحدي السوري

09.09.2013
جيمس زغبي



الاتحاد
الاحد 8-9-2013
بفضل قرار العودة إلى الكونجرس الذي اتخذه أوباما لطلب دعمه في توجيه ضربة محدودة لنظام الأسد نجد أنفسنا اليوم في خضم استقطاب سياسي ونقاش وطني ضروري، لم يكتمل بعد، بشأن وجاهة السياسة الأميركية إزاء الأزمة السورية. فعلى مدار الأسبوع الماضي طفت إلى سطح النقاش الذي صاحب السياسة الأميركية تجاه الصراع مجموعة من المواضيع التي تسعى إلى مقاربة ما يجري وسبر أغواره. وما نعرفه اليوم أن الاقتتال الجاري في سوريا كلف الشعب ثمناً إنسانياً باهظاً بعدما تجاوز عدد القتلى سواء على يد النظام، أو قوات المعارضة، 100 ألف شخص، في حين فر أكثر من مليوني نسمة آخرين إلى الخارج ليتحولوا إلى لاجئين في الدول المجاورة يعيشون في ظروف بالغة القسوة، مهددين أحياناً استقرار البلدان المضيفة. هذا ناهيك عن عدد كبير من النازحين داخل سوريا نفسها يقدر عددهم بحوالي أربعة ملايين نسمة. ولعل الأخطر من ذلك كله هو الطابع الطائفي الذي بدأ يتسم به الصراع ليزيد من تعميق الانقسام داخل المجتمع السوري، بل وفي عموم المنطقة أيضاً. والنتيجة أننا بصدد مأساة حقيقية في قلب الشرق الأوسط لا تختلف كثيراً عن فظاعات ما جرى في العراق لتصل الأمور ذروتها مع الأدلة القوية التي تشير إلى استخدام نظام الأسد للسلاح الكيماوي ضد شعبه، موقعاً أكثر من ألف قتيل مدني ودافعاً بذلك الولايات المتحدة للتفكير في التدخل. وهو ما يقودنا استطراداً إلى جوهر النقاش المحتدم حالياً في واشنطن حول هذه القضية بين مؤيد ومعارض لها، حيث برز عدد من الأفكار والأطروحات التي تساند قرار أوباما الداعي للتدخل العسكري.
ولعل أهم تلك الأفكار وأكثرها تداولاً هو القول إن استخدام السلاح الكيماوي وما نتج عنه من فظاعات لا يمكن تمريره دون عقاب، وهذا الموقف عبر عنه وزير الخارجية، جون كيري، الذي قدم لأعضاء الكونجرس أدلة تربط بين الهجوم على الغوطة الشرقية بدمشق وبين النظام، داعياً الإدارة إلى تحميل الأسد مسؤولية أعماله الرهيبة. فإذا لم يعاقب الأسد، حسب الرئيس أوباما ومؤيديه في الكونجرس، فإن ذلك سيعني إطلاق يده لاستخدام السلاح الكيماوي مرة أخرى وتشجيعه على ارتكاب جرائم جديدة ضد شعبه. هذا فضلاً عما يمثله التغاضي عن الأسد من تكريس لانتهاك الأعراف الدولية والسماح لدول مارقة، أو أطراف خارج إطار الدول، بالتصرف بطريقة مشابهة. ومن هنا يأتي إصرار مؤيدي الضربة العسكرية على ضرورة معاقبة الأسد واستخدام القوة، ولاسيما بعدما حدد أوباما في وقت سابق «خطوطاً حمراء» يبدو أن الأسد انتهكها دون تفكير في العواقب، الأمر الذي سيعرض مصداقية أميركا، في حال تقاعسها، للاهتزاز. وفي دفاعه عن التدخل العسكري حرص البيت الأبيض على توضيح أن الضربة ستكون محدودة في نطاقها، وأن الهدف منها هو ردع الأسد والحد من قدراته على استخدام الأسلحة الكيماوية في المستقبل. ومع أن الرئيس كان واضحاً في البداية بتركيزه على الطبيعة المحدودة جداً للتدخل، إلا أنه مع تقدم النقاش بدا أن الإدارة أكثر تركيزاً على الحد من قدرة النظام على ضرب المعارضة.
وفي المقابل أثار معارضو الانخراط الأميركي في الشرق الأوسط مجموعة من الحجج والدفوعات، وسواء تعلق الأمر بالصقور، أو بالحمائم، فقد شكك الطرفان معاً في وجاهة الضربة المحدودة. فمن جهة انتقد الصقور إدارة أوباما على محدودية الضربة باعتبارها غير كافية، مصرِّين على أن تكون حاسمة لتؤدي إلى إسقاط النظام، وهو ما أوضحه أحد أعضاء الكونجرس بقوله إن «القيام بالمزيد يعني إنهاء نظام الأسد واستبداله بنظام علماني معتدل وديمقراطي». ولعل من الأصوات العالية ضمن فئة المطالبين بضربة حاسمة السيناتور الجمهوري، جون ماكين، الذي نجح في إدخال لغة قوية على مشروع القرار الذي تقدم به مجلس الشيوخ، مطالباً برد حاسم على نظام الأسد لا يصل إلى مستوى إرسال القوات، ولكنه يرقى إلى «تغيير الزخم على أرض المعركة» لصالح المعارضة السورية.
أما الحمائم داخل الكونجرس فقد بنوا معارضتهم للضربة العسكرية على مخاوف تورط أميركا مرة أخرى في حرب مكلفة في العالم العربي، قائلين إن ضربة محدودة ستضع الولايات المتحدة على طريق خطير تتحول بموجبه الدعوات الحالية لتدخل محدود إلى مطالب لاحقة بتدخل حاسم. وهم أيضاً يحيلون إلى ما يعرف بعقيدة «باول» التي صاغها وزير الدفاع السابق كولين باول عندما حدد مجموعة من الشروط قبل التفكير في أي تحرك عسكري أميركي منها التكلفة الاقتصادية والعواقب السياسية وظروف التدخل، ثم درجة التأييد المحلي والدولي، وهي أمور لم تجتمع بعد لقرار التدخل في سوريا.
ويشير المعارضون خصوصاً إلى غياب الدعم الدولي والمحلي، فقد أعرب الرأي العام الداخلي من خلال استطلاعات الرأي ولقاءات أعضاء الكونجرس بالناخبين عن إنهاك واضح لدى الرأي العام جراء الحروب المتلاحقة في الشرق الأوسط، دون أن ننسى تعذر الحصول على دعم دولي واسع حتى من الحلفاء الأوروبيين غير المتحمسين. ولكن فيما عدا هذه الإشكالات التي كشف عنها النقاش الأميركي هناك أيضاً قضايا أخرى ظلت غائبة مثل توابع التدخل الأميركي على فرص التسوية السلمية، وآثاره السلبية على المسيحيين الذين تقول التقارير إن نصفهم تقريباً غادروا سوريا، هذا بالإضافة إلى ارتفاع عدد اللاجئين، وأسئلة أخرى عديدة حول طبيعة رد حلفاء دمشق المحتمل في إيران والعراق و«حزب الله». وفي جميع الأحوال ومهما امتد النقاش الذي سيحسم خلال الأسابيع القليلة القادمة يبقى الأهم التركيز على حقيقة أساسية مفادها أن الحل الأنسب للصراع الدائر في سوريا هو من خلال تسوية سلمية متفاوض عليها كونها الهدف النهائي لكل مسعى سواء دبلوماسي، أو حتى عسكري.