الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الاعتذار في الجيب ... وهذا ما يحصل بين العواصم المعنية 

الاعتذار في الجيب ... وهذا ما يحصل بين العواصم المعنية 

20.09.2020
وجدي العريضي



النهار العربي 
السبت 19/9/2020 
بين التريث والاعتذار والترقّب الثقيل لما ستؤول إليه المبادرة الفرنسية، يرقص لبنان في قعر الوادي متخبّطاً وغارقاً في أزماته، في انتظار معرفة أين سيتوقف قطار التأليف أو بيان الاعتذار الذي أعدّه الرئيس المكلف مصطفى أديب وقرأه جيداً، إلا أنّ التريّث كان سيد الموقف، وتالياً ما زالت اللعبة مفتوحةً على كل الاحتمالات، في ظل أجواء إقليمية خطرة ربطاً باشتعال التهديدات من واشنطن إلى إيران وما يجري بين الأتراك والقبارصة واليونانيين، ما يعني أنّ بحر التطورات الإقليمية والدولية يرخي بظلاله على الداخل اللبناني الذي ينوء تحت أعباء لم يعد في استطاعته تحمّلها، بعدما أضحى لديه من الحمولة الزائدة ما يكفي للتخلص منها بإعلان "البيان الرقم 1" لتسلّم البلد ورفع الرايات البيض. 
 أما في جديد ما يحصل على مسار الاتصالات الجارية داخلياً وخارجياً، فإنّ مصادر سياسية مطلعة، ونقلاً عن أحد الديبلوماسيين الروس في بيروت، تؤكد لـ "النهار" أنّ الاتصالات بين باريس وموسكو ما زالت قائمة، من خلال طلب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن تمارس روسيا ضغوطها على إيران لتليين موقف حليفها الأساسي "حزب الله" بغية تسهيل مهمات الرئيس المكلف وتالياً تشكيل الحكومة، لأنّ الأوضاع في لبنان في غاية الخطورة والبلد ينهار يوماً بعد يوم. وعلى هذه الخلفية عُلم أنّ مسؤولاً روسياً يهتم بالملف الإيراني وله في الوقت نفسه أقنية مع سوريا و"حزب الله" يتولى هذا الدور، ولكن حتى الآن ليس ثمة ما يوحي بأنّ طهران ستطلب من "حزب الله" أن يتراجع عن شروطه، لأنّ المسألة تتخطى ذلك بكثير. فإيران ليس لديها ما تخسره في المنطقة، وهي إنْ فقدت الورقة اللبنانية فإنّها تكون قد خسرت ورقةً أساسية تناور من خلالها عبر "حزب الله" مع المجتمع الدولي وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية، كما كان يفعل الرئيس السوري حافظ الأسد من خلال حلفائه في لبنان الذين كانوا يقومون بخطف أجانب ثم يقوم الأسد بإطلاقهم ليبيع واشنطن والغرب مواقف يقبض ثمنها. والتاريخ يعيد نفسه اليوم عبر ما تضطلع به الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ناهيك بأنّه ليس ثمة ودّ في هذه المرحلة بين موسكو وطهران، على أساس أنّ الروس طلبوا مغادرة الحرس الثوري الإيراني و"حزب الله" الأراضي السورية باعتبارهم لا "يهضمون" وجودهم، والدلالة على ذلك "قبّة الباط" الروسية لإسرائيل لتفعل ما يحلو لها في الأجواء السورية. لذا تعتقد المصادر أنّ إيران لن تقدّم لفرنسا خدمات مجانية أو هي في صدد الضغط على "حزب الله"، وحارة حريك تدرك أنّ الإيرانيين يتركون هامشاً واسعاً للحزب للقيام بما يحلو له ولن يمارسوا ضغوطهم عليه في هذه الظروف الاستثنائية.
وتشير إلى أنّ بعض المرجعيات السياسية الموجودة في باريس ترى أنّ الأزمة طويلة، وفي آخر اتصالاتها مع الدائرة الضيقة المقربة منها أكدت أنّ الفرنسيين يرون حتى الساعة أنّ الاعتذار يسابق التأليف ولن يمدّدوا المهلة لأنّ سمعتهم وتاريخهم فوق كل الاعتبارات. وبناءً عليه فالأكيد أنّ مبادرة ماكرون، ولو اعتذر الرئيس المكلف، مستمرة بأشكال أخرى، لكنّ المخاوف تكمن في سرعة التطورات في المنطقة، وخصوصاً أنّ هناك أكثر من سيناريو ميداني أعدّته واشنطن وتل أبيب لضرب إيران، سواء في سوريا أو في أية مدينة إيرانية، وهذا ما سيجعل "حزب الله" يرفع سقف شروطه ويتشدد أكثر إذ ليس لديه ما يخسره، ويمكن التأكيد أنّ بازار التأليف دخل في إطار تصفية الحسابات بين اللاعبين الإقليميين والدوليين على الأراضي اللبنانية، لذا فالأمور في غاية التعقيد، معطوفةً على قلق ينتاب المتابعين لمسار الملف اللبناني من قيام أكثر من جهة بافتعال إرباكات أمنية لأكثر من هدف، في ظل التوتر العالي لبنانياً وإقليمياً. 
ويبقى في خضم هذه الأجواء الضبابية، أنّ ما يؤزّم الحالة الراهنة هو انهيار آخر يتمثّل بتفكّك التحالفات السياسية بين كل المكونات الداخلية، إذ ان ما يواكب حركة الرئيس المكلف والاتهامات التي يسوقها فريق الممانعة، ولا سيما الثنائي الشيعي، ضد نادي رؤساء الحكومات السابقين، يُصعّب سير عملية التأليف، إضافةً إلى الكباش السياسي الآخذ في التفاعل والمزيد من الانقسامات، من دون إغفال ما يغلّف ذلك من حالة مذهبية وطائفية والغرق في تفسير اتفاق الطائف، وخصوصاً لجهة التجاذبات التي تحصل على صعيد حقيبة المال، ما ولّد حالةً مذهبية وأقحم البلد في خلافات إضافية حول تفسير وثيقة الميثاق الوطني، والقلق الأكبر بدأ يصب في خانة الاجتهادات حول الطائف وربما المسّ به، كما بدأ يتجلى في الآونة الأخيرة.