الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الانتحار التاريخي لحزب الله

الانتحار التاريخي لحزب الله

30.05.2013
سمير الحجاوي

الشرق
الخميس 30/5/2013
أدخل زعيم حزب الله حسن نصر سوريا والمنطقة في واحد من أخطر المربعات التاريخية التي مر بها العرب والمسلمون، فقد أعاد ترتيب الأمور وتنظيم أولوياتها بناء على معادلة أساسها "التكتل الشيعي" في مواجهة "التحالف التكفيري"، الذي يشمل جميع المقاتلين في سوريا ومن يدعمهم من العرب، وقد عبر نصر الله عن ذلك بقوله: "نحن في لحظة تاريخية حرجة، وتاريخية حساسة، لا وقت مجاملات ولا وقت لأن نختبئ خلف أصبعنا، ولا وقت لأن ندس رؤوسنا في التراب، وإنما الوقت هو لنرفع رؤوسنا ونواجه الأعاصير ونتحمل المسؤوليات. هذه هي المرحلة التي نمر بها الآن".
هذا ما قاله نصر الله في كلمته الأخيرة التي ألقاها في الخامس والعشرين من مايو الجاري في بلدة مشغرة، وقد قدم وصفا دقيقا، ولكن في الاتجاه المعاكس لما يريد، فالشيعة الذين يشكلون حوالي 10 في المائة من سكان العالم الإسلامي يعتبرون أنفسهم في حالة صعود تاريخي يسمح لهم بالتصدي "للتكفيريين"، وتثبيت واقع شيعي قوي في العالمين العربي والإسلامي.
وهذا ما دفعه للقول: "ما يجري في سوريا مهم جداً للبنان، ومصيري جداً للبنان أيضاً، لحاضرنا ومستقبلنا، تعالوا لا نختبئ خلف اصبعنا، ولا نتعاطى مع الحدث في سوريا كأننا نحن نعيش في جيبوتي، كلا نحن هنا على الحدود". ويفسر ذلك: "إن القوة الأكبر والتيار الغالب الآن على القوى المسلحة المسيطرة في الميدان هو التيار التكفيري.. ونحن نعتبر سيطرة هذه الجماعات على سوريا، أو على محافظات سورية محددة، خصوصا تلك المحاذية للبنان، خطر كبير على لبنان وكل اللبنانيين (مسلمين ومسيحيين)، ليست خطرا على حزب الله فقط، أو الشيعة في لبنان، فهي خطر على لبنان والدولة اللبنانية والمقاومة اللبنانية وعلى العيش الواحد في لبنان"، ويحذر: "لو سيطر التيار التكفيري فمستقبل سوريا ولبنان والمنطقة مستقبل قاس ومظلم جداً".
ومن هنا فإن زعيم حزب الله لا يرى ما يجري في سوريا إلا من زاوية سيطرة "الجماعات التكفيرية" دون أدنى اعتبار للشعب السوري وإرادته ورغبته بالحرية والتخلص من الظلم والاستبداد والدكتاتورية، ولا يرى سوريا إلا أداة ورافعة للتحالف الشيعي العلوي الكبير، وحسب رأيه فإن "سوريا لم تعد ساحة لثورة شعبية ضد نظام سياسي، وإنما ساحة لفرض مشروع سياسي تقوده أمريكا والغرب وأدواته في المنطقة، وكلنا يعرف أن مشروع أمريكا في المنطقة هو مشروع إسرائيلي بالكامل"، ويتخذ من هذه المقاربة سببا لاعتبار "سوريا هي ظهر المقاومة وهي سند المقاومة، والمقاومة لا تستطيع أن تقف مكتوفة الأيدي ويكشف ظهرها أو يكسر سندها، بوضوح، وإلا فسنكون أغبياء، الغبي هو الذي يقف ويتفرج على الموت وعلى الحصار وعلى المؤامرة، تزحف إليه دون أن يحرك ساكناً، هذا هو الغبي. والعاقل المسؤول هو الذي يتصرف بكامل المسؤولية.. إذا سقطت سوريا في يد الأمريكي والإسرائيلي والتكفيري، وأدوات أمريكا في المنطقة الذين يسمون أنفسهم دولاً إقليمية، ستحاصر المقاومة.. إذا سقطت سوريا في يد أمريكا وإسرائيل والتكفيريين، شعوب منطقتنا ودول منطقتنا مقبلة على عصر قاسٍ وسيئ ومظلم".. كما قال.
ويصر نصر الله على أنه لا يوجد ثورة في سوريا، بل لا يوجد شعب سوري ثائر وله مطالب محقة ويعتبر أن: "هناك طرفان في الصراع، الطرف الأول هو المحور الأمريكي الغربي العربي الإقليمي والذي يتوسل في الميدان التيارات التكفيرية، الذين يشقون الصدور ويجتزون الرؤوس وينبشون القبور ويدمرون الماضي.. وفي الطرف الآخر، دولة أو نظام وحركات المقاومة" ويقرر: "حزب الله لا يمكن أن يكون في جبهة فيها أمريكا أو إسرائيل أو نابشو قبور وشاقّو صدور وقاطعو رؤوس.. حزب الله لا يمكن أن يكون في جبهة تريد أن تدمر كل الإنجازات وتضيع كل التضحيات وتسوقنا عبيد من جديد لأمريكا وإسرائيل في مشروع شرق أوسط متجدد أسقطنا ما سبقه بدماء الآلاف من الشهداء".
ويخلص إلى التالي: "لنتكلم اليوم وبالصراحة المطلوبة في لحظة تاريخية حرجة.. نحن أمام مرحلة جديدة بالكامل بدأت الآن، بدأت في الأسابيع الأخيرة بالتحديد بشكلها الواضح، مرحلة جديدة اسمها تحصين المقاومة وحماية ظهرها، وهذه المعركة، كما كل المعارك السابقة، نحن أهلها، نحن رجالها، نحن صنّاع انتصاراتها، وسنكمل هذا الطريق، سنتحمل هذه المسؤولية، وسنتحمل كل التضحيات والتبعات المتوقفة على هذا الموقف.. ويعد بالنصر في معركته إلى جانب الأسد في سوريا: "كما كنت أعدكم بالنصر دائما أعدكم بالنصر مجدداً".
حسن نصر الله في خطابه الطائفي يضع الشيعة في مواجهة الأمة، وهذا منعطف تاريخي كبير وحاسم وحرج، كما وصف هو نفسه ذلك، يشبك الماضي بالحاضر، وإذا كانت كربلاء تشكل في الوجدان الشيعي مفصلا تاريخيا، فإن المعركة في سوريا تشكل مفصلا تاريخيا ثانيا أكثر خطورة ومفصلية من الموقعة الكربلائية الأولى، وللمفارقة فإن نصر الله نفسه دق ناقوس الخطر في خطاب سابق من هذا المنطق قائلا إن "التحريض الطائفي يفتح جراحات تاريخية لا يسهل تضميدها ويأخذنا إلى عصبيات عمياء"، ليس هذا فحسب بل إنها ستقود إلى مواجهة تاريخية تستدعي كل ما في الذاكرة من قتال على الماضي وكل الصراعات التاريخية السابقة، تواجه فيها الأقلية الشيعية الأغلبية الإسلامية، وهي مواجهة لا يمكن أن تنتصر فيها الأقلية مهما كان الثمن، حتى لو اعتبر أن مواجهة حزب الله مع جيش الاحتلال الإسرائيلي قد غيرت المعادلة، وانتشلت الشيعة من براثن النسيان والاستبعاد والاستضعاف ومنحتهم مقعدا على الطاولة في المنطقة، وهو يتصور أنه قادر على تغيير المعادلة من جديد في سوريا كما غيرها مع الكيان الإسرائيلي، بالانتصار في تحالفه مع نظام بشار الأسد الإرهابي على الشعب السوري الثائر، وهو ينسى أنه في جنوب لبنان كان يقاتل الاحتلال وكانت تدعمه الأمة، لكنه في سوريا يقاتل شعبا في أرضه وضد إرادة الأمة العربية والإسلامية كلها.
زعيم حزب الله يخطئ الحساب هذه المرة، وهو خطأ فادح سيدفع ثمنه كل الشيعة في كل العالم، فهو وضع طائفة في مواجهة الأمة الإسلامية، وساند الظلم والطغيان والاستبداد على شعب يطلب حريته وخلاصه.. باختصار حزب الله زعمه حسن نصر الله ومن خلفه إيران، يسوق الشيعة نحو انتحار جماعي، وهو انتحار تاريخي بكل المقاييس والمعايير، وهو ما يدركه عقلاء الشيعة الذين يخالفون نصر الله وعلي خامنئي وأحمدي نجاد، فالطائفية لا تنتصر، وإن حدث وانتصرت مرحليا فإنها تؤسس لمرحلة طويلة من الأحقاد والثأر والدماء.