الرئيسة \  تقارير  \  الانتقال الذي نحتاج التحدث عنه في الشرق الأوسط

الانتقال الذي نحتاج التحدث عنه في الشرق الأوسط

09.08.2022
جون ب. ألترمان


جون ب. ألترمان*
(مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية) 21/7/2022

ترجمة: علاء الدين أبو زينة
الغد الاردنية
الاثنين 8/8/2022
القطاعات العامة في دول الشرق الأوسط كبيرة بشكل عام والقطاع الخاص ضعيف. ويعمل الكثير من العمال في مجالات العمالة غير الرسمية، ولا يتمتعون بأجور ثابتة ولا مزايا.
ولا تستخدم الحكومات التوظيف كشكل من أشكال الرعاية والمحسوبية فحسب، وإنما تستخدمه أيضًا كاستثمار في السلام الاجتماعي. وتميل الشركات والأعمال التجارية الكبيرة إلى أن تكون ناجحة ليس بسبب الطريقة التي تعمل بها، ولكن بسبب مَن يملكها -إما الدولة أو أشخاص مقربون من الدولة.
* *
لطالما سمعنا عن تحولات وانتقالات تحدث في الشرق الأوسط منذ الكثير من السنوات الآن. كان هناك الانتقال المأمول إلى الديمقراطية، الذي انتهى إلى الإخفاق.
وهناك انتقال في مسألة الطاقة يلوح في الأفق. ويمكن قول إن هناك انتقالًا للمياه جارياً على قدم وساق مع نضوب الخزانات الجوفية، واستنفاد المياه السطحية وتغير المناخ، وكلها عوامل تجتمع معاً لتجعل من منطقة قاحلة في أغلبها أكثر جدباً وجفافاً.
ولكن، ربما يكون هناك انتقال عميق بالقدر نفسه والذي يتحدث القليلون عنه فحسب: انتقال عمالي قد يعيد ترتيب الاقتصاد، والسياسة، والمجتمع في الشرق الأوسط بأكمله، من الدار البيضاء إلى طهران.
تسجل البطالة بين الشباب أرقاماً مرتفعة إلى حد مذهل في جميع أنحاء الشرق الأوسط، حيث ينتظر الكثيرون سنوات بين إنهاء تعليمهم وبدء عملهم الأول.
وحتى في دول الخليج الغنية، تقترب معدلات بطالة الشباب من 30 في المائة.
وفي أماكن مثل الأردن، تقترب النسبة من 40 بالمائة.
وعلى مدى العقود الثلاثة المقبلة، إذا كانت الدول تكافح في وقت واحد مع انخفاض إيرادات الدولة، والنمو السكاني، وركود القطاع الخاص، وإذا ابتعدت أكثر عن استخدام التوظيف الحكومي لتخفيف الضغط على القطاع العام، سوف يخلق ذلك عاصفة كاملة.
بالنسبة للولايات المتحدة، يوفر هذا التحول في العمالة الذي يلوح في الأفق أكثر من مجرد فرصة تزيد بها صلتها وأهميتها في المنطقة.
كما أنه يشكل أيضًا عامل تمييز رئيسيا في عالم تتنافس فيه القوى العظمى. وعلى الرغم من أن البعض قد يجادل بأن التحول في الطاقة سيجعل الشرق الأوسط غير مهم ولا ذي صلة من الناحية الإستراتيجية خلال بضعة عقود، فإن منطقة متوترة تنطوي على غضب مقموع ستقوض الاقتصاد العالمي وتهدد الأمن على مستوى الكوكب.
ولدى الولايات المتحدة فرصة -ليس لتفادي أسوأ السيناريوهات في المنطقة فحسب، وإنما لتعزيز مصالحها في بيئة عالمية أكثر تنافسية أيضاً.
واقتصادات الشرق الأوسط متنوعة. ثمة دول غنية وأخرى فقيرة، واقتصادات كبيرة وأخرى صغيرة. وتلعب عائدات النفط والغاز دورًا في معظمها.
فهي تمول العديد من الحكومات بشكل مباشر؛ وتمول عائدات الهيدروكربونات لتلك الدول يذهب جزء منها إلى تحويلات المغتربين والجزء الآخر إلى منح “من حكومة إلى حكومة” العديد من الدول الأخرى.
ثمة وسط هذا التنوع أوجه تشابه أيضاً. فالقطاعات العامة في دول المنطقة كبيرة بشكل عام والقطاع الخاص ضعيف.
ويعمل الكثير من العمال في مجالات العمالة غير الرسمية فقط، ولا يتمتعون بأجور ثابتة ولا مزايا.
ولا تستخدم الحكومات التوظيف كشكل من أشكال الرعاية والمحسوبية فحسب، وإنما تستخدمه أيضًا كاستثمار في السلام الاجتماعي. وتميل الشركات والأعمال التجارية الكبيرة إلى أن تكون ناجحة ليس بسبب الطريقة التي تعمل بها، ولكن بسبب مَن يملكها -إما الدولة أو أشخاص مقربون من الدولة.
وقد تبين أن التوسع أمر صعب للغاية بالنسبة لمعظم الأعمال الخاصة الصغيرة، مما يحد من آثارها الإيجابية.
تنمو قوى العمل المحلية بسرعة مع تدفق الشباب الذين يُغرقون سوق العمل. ويدخل الشرق الأوسط بدرجة غير عادية فترة يشكل فيها الأشخاص في سن العمل جزءًا كبيرًا بشكل غير متناسب من السكان، مع وجود أعداد صغيرة نسبيًا من الصغار وكبار السن.
وفي عالم مثالي، تخلق هذه الحالة “عائدًا ديموغرافيًا”، حيث يفوق عدد أصحاب الأجور الذين يدفعون الضرائب بشكل حاد عدد المتقاعدين والذين هم في سن الدراسة والذين هم خارج سوق العمل.
لكن العائد الديموغرافي لا يفعل الكثير عندما يتم استبعاد النساء من سوق العمل، ولا يفعل الكثير عندما لا تستطيع المنظمات أن تكون منتجة اقتصاديًا.
وهذا هو المكان حيث يكون للولايات المتحدة دور فريد لتلعبه. في حين أن الأعمال التجارية في الولايات المتحدة لم تنشئ المؤسسة الحديثة، إلا أن نطاقها من المواهب الإدارية وعمقها يظل من بين الأفضل في العالم.
تمتلك الأعمال التجارية والمؤسسات أنظمة لتوظيف المواهب وتشخيصها، وتعزيزها، ويتم استخدامها لتحفيز العمال. وتقوم حكومة الولايات المتحدة، على الرغم من كل إخفاقاتها، بإدارة أمور معقدة إلى حد مذهل بطريقة جيدة.
ومن بين أعظم مهاراتها المواءمة بين الوكالات والإدارات المتعددة لخدمة الأغراض الاستراتيجية، والتفكير في الخيارات بشكل منهجي، وإجراء المفاضلات بشفافية ومساءلة.
على الرغم من أن القليلين يتحدثون عن ذلك، إلا أن معظم المؤسسات في الشرق الأوسط مشخصنة للغاية، والموهبة الإدارية فيها نادرة إلى حد كبير.
وقد يجادل المرء بأن هذا يجيء نتاجاً للوظائف التي تقوم بتوزيعها العائلة والقبيلة، لكن الجذور أعمق بكثير.
إن تقييمات الأداء الحقيقية غير شائعة، وفي كثير من الأحيان، يشعر العمال بأنهم سيتحملون تكاليف الأخطاء بينما سيُحال إلى رؤساء العمل الفضل في أي نجاحات يتم تحقيقها. والنفور من المخاطرة أكثر من منتشر -وهو يؤدي غالباً إلى شل الحركة.
ثمة من يجادل بأن القضية ميؤوس منها لأن الإخفاقات في إدارة الشرق الأوسط ثقافية أكثر من كونها تعليمية.
وتشير الدراسات، مثل “مسح القيم العالمية” إلى أن مجتمعات الشرق الأوسط تميل بشدة نحو التقاليد واحترام السلطة، والابتعاد عن التعبير عن الذات.
ومع ذلك، فإن هذه الخصائص دينامية وقابلة للتأثير فيها وتغييرها.
فلنأخذ شركة النفط الوطنية السعودية، (أرامكو)، على سبيل المثال. لطالما كانت أرامكو مصدرًا دائمًا للمواهب الإدارية في المملكة العربية السعودية على مدى عقود، وقد تم نشر مديري أرامكو في مشاريع وطنية معقدة للقيام بكل شيء، بدءًا من بناء جامعة جديدة للعلوم والتكنولوجيا إلى إنشاء نظام مترو الرياض.
وينبع تركيز أرامكو على تنمية المواهب من تاريخها كمشروع مشترك بين أربع شركات نفط أميركية (التي اندمجت لتصبح في العصر الحديث “شيفرون” و”إكسون موبيل”).
وعندما أصبحت شركة سعودية في العام 1980، استمر نهج أرامكو في تنمية الخبرة الإدارية.
في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، كشفت التكنولوجيا عن وجود مجتمع شاب مبدع وريادي.
وأشارت بعض الأعمال الأخيرة لبرنامج الشرق الأوسط في “مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية” إلى أن الفردانية آخذة في الارتفاع في المنطقة بشكل حاد.
سوف تحتاج حكومات الشرق الأوسط التي تؤوي أي أمل في اجتياز الاضطرابات الاقتصادية في العقود الثلاثة المقبلة بنجاح إلى التركيز بشدة على تطوير الخبرة الإدارية.
سوف تحتاج هذه الدول إلى مواصلة انتقالها من صاحب العمل كملاذ أول إلى مزود الخدمات المعقدة.
وسوف تحتاج إلى رعاية المؤسسات التي يمكنها توظيف ملايين الشباب بشكل منتج وتوليد الثروة التي تدعم الدولة بدلاً من الاعتماد على سخاء الدولة.
إن القضية هي أكثر من مجرد التنويع الاقتصادي. وسوف يتطلب الأمر نهجًا جديدًا تمامًا لرعاية رأس المال البشري، وسيكون تطوير المواهب الإدارية المحلية أمرًا أساسيًا.
تمنح الأزمة المقبلة الحكومات الإقليمية مزيدًا من الأسباب للشراكة على نطاق واسع مع المؤسسات والشركات الأميركية والحكومة الأميركية.
في الحقيقة، ليس لدى روسيا ولا الصين الكثير لتقدماه للشرق الأوسط في هذا الصدد، وليس لديهما اهتمام كبير بالسير في هذا الطريق على الإطلاق.
إنهما مصممتان بدلاً من ذلك على استخراج أكبر قدر ممكن من المنطقة مقابل بذل أقل قدر ممكن.
بالنسبة للولايات المتحدة، تبدو هذه المهمة الآن في مكانها الجميل والمثالي.
فالكليات والجامعات الأميركية تظل نقطة جذب للناس في جميع أنحاء العالم من الذين يسعون إلى الحصول على تعليم عالي الجودة، وقد نشرت الجامعات الأميركية في الشرق الأوسط تعليماً من النوع الذي يجري تقديمه في الولايات المتحدة إلى عشرات الآلاف.
وينبغي تشجيع هذا الاتجاه أكثر. وتلعب الشركات متعددة الجنسيات دورًا مهمًا في تحديد المواهب الإدارية المحلية ورعايتها.
وسوف يسهم إيجاد طرق لتشجيع هذا النشاط بشكل أكبر وتسهيل التعيينات المؤقتة في الولايات المتحدة في تحقيق هذا الهدف.
وتوفر المنظمات غير الحكومية أيضًا المهارات والصقل للخريجين الموهوبين في الشرق الأوسط، وقد صنع أكثر من عقد من عمليات الطوارئ الإنسانية في جميع أنحاء المنطقة مجموعة من المديرين المتوسطين المتصلين بالشبكة والمدربين، والذين هم على استعداد لتقديم مساهمات أكبر لمجتمعاتهم.
وسيكون انخراط الولايات المتحدة مع هذا الكادر من عمال الإغاثة، والمساعدة على نقل هؤلاء المديرين إلى مجالات عمل أخرى، جهداً يستحق بذله العناء.
بطبيعة الحال، يبقى صنع مديرين ماهرين مختلفاً عن الاحتفاظ بهم. يجب أن يرغب الأشخاص الأكثر موهبة في البقاء حيث هم بدلاً من الهجرة بحثاً عن المزيد من الحريات أو الفرص الاقتصادية.
ويخلق هذا الواقع الحوافز للحكومات الإقليمية لتطوير أجندات إصلاح فعالة لا تصنع المواهب فحسب، وإنما تحافظ عليها أيضاً.
لا يوجد حل أميركي لعملية انتقال العمالة القادمة في الشرق الأوسط. وفي الوقت نفسه، فإن قدرة الولايات المتحدة على إحداث فرق حقيقي في تنمية رأس المال البشري في المنطقة تجعلها ذات صلة وتمنحها أهمية كبيرة لتلبية احتياجات الحكام الأكثر إلحاحًا، كما أنها تميز الولايات المتحدة عن منافساتها من القوى العظمى.
ولن يحل التعاون في مجال تطوير العمالة محل أنواع التعاون الأمني التي كانت دائماً في صميم علاقات الولايات المتحدة مع الشرق الأوسط، لكنه يجب أن يقف إلىجانب تلك الأنواع باطراد.
وقد بذلت إدارة جورج دبليو بوش جهودًا جبارة لمحاولة إلهام الشباب العرب، لتجد أن لدى هؤلاء الشباب تطلعاتهم الخاصة مسبقاً، وأن الولايات المتحدة لم تكن ذات صلة بالنسبة لهم إلى حد كبير.
إننا نقترب من لحظة مختلفة، ويمكن القول إنها لحظة ينبغي أن تستعد الولايات المتحدة بشكل فريد لاغتنامها. وسيكون من الخطأ إضاعة الفرصة.
*جون بي ألترمان Jon B. Alterman: هو نائب أول لرئيس المركز، ويشغل كرسي زبيغنيو بريجنسكي في الأمن العالمي والاستراتيجية الجيولوجية، ومدير برنامج الشرق الأوسط في “مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية” CSIS في واشنطن العاصمة. والمركز مؤسسة خاصة معفاة من الضرائب تركز على قضايا السياسة العامة الدولية، أبحاثه غير حزبية ولا حكومية. وهو لا يتخذ مواقف سياسية محددة مسبقاً.
ولذلك، يجب فهم جميع الآراء والمواقف والاستنتاجات الواردة في هذا المنشور على أنها آراء المؤلف فقط.