الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الانفجار السوري والشرخ الفلسطيني

الانفجار السوري والشرخ الفلسطيني

08.12.2014
ماجد كيالي



المستقبل
الاحد 7-12-2014
"سوريا رغم ما تتعرض له من حرب إرهابية تستهدف أمنها ووحدتها واستقلالها تواصل اليوم دفاعها عن ثوابت الامة العربية وقضاياها العادلة وفي مقدمها القضية الفلسطينية انطلاقاً من تمسكها بقيمها ومبادئها الوطنية والقومية..".. "سوريا بشعبها الوفي وجيشها الباسل قادرة على هزيمة قطعان الارهابيين ومجاميع المرتزقة التكفيريين.. وان ارادة الشعب السوري أقوى من امكانيات مموليهم ومشغليهم.. ما تتعرض له سوريا اليوم ليس الا حلقة جديدة من حلقات المخطط الامبريالي الصهيوني الهادف الى تفتيت الأمة العربية وتدمير طاقاتها ومقدراتها..".
هكذا، ببساطة، لخص مسؤول فلسطيني ما يحصل في سوريا منذ أربع سنوات، في لحظة خطابية، في مؤتمر، أو مهرجان، من تلك التي اعتادت ان تستضيفها أنظمة "جماهيرية"، قذافية أو صدامية أو اسدية، وهو ما لم تستطع الفصائل الفلسطينية، ببرغماتيتها، أو انتهازيتها، ان تتمنّع عنها، أو تفوّتها، بعد أن ارتهنت للنظام العربي القائم، بحيث أضحت جزءاً من خطاباته.
ليس مهماً من الذي قال تلك الكلمات، لكن تأملها ليس من الفصائل المحسوبة على النظام، وإنما من فصيل يساري، وليست التسمية مهمة هنا لأن الحالة الفصائلية بمجملها باتت في حالة ترهل. وأفول، بمعنى ان هذا الخطاب هو تحصيل حاصل لهذه الحالة، التي تماهت منذ زمن مع النظام العربي، وباتت تتعيش عليه، متجاهلة قضايا ومطالب المجتمعات العربية، بدعوى "القضية المركزية"! ومفهوم من ذلك أنه لم يعد يُلحظ فرق بين فصيل يساري أو يميني، في الساحة الفلسطينية، فهذه التقسيمات لم يعد لها معنى منذ زمن، إذ لم يعد لها تمثلات في الخطاب والممارسة السياسيين، ولا في نمط العلاقات الداخلية أو طريقة تحصيل الموارد.
بديهي أن المشكلة بعد أن فقدت الأحزاب والفصائل اليسارية ملامحها، أو هويتها، بتحويل الماركسية ـ اللينينية خاصّتها إلى أيديولوجيا جامدة، أو قشرة خارجية، أو عدّة شغل، وبعد أن ضيّعت أو همّشت قضيتها الخاصة، التي يفترض بأنها تتمحور حول قضيتي الحرية والعدالة. وبمعنى اخر، فما الذي يبقى من "اليسارية"، في أحزاب وفصائل تمجد الاستبداد، وتسبح بحمد الطغاة، وتدير ظهرها لمعاناة الشعب، وتتنكر لعذاباته، وتضحياته، لاسيما اننا نتحدث عن أنظمة حكمت لأربعة عقود؟
وللإنصاف، فقد يكون ثمة وجاهة في موقف وطني، أو يساري، لا يرى أن ثمة أفقاً للثورة السورية، أو يأخذ على ما يجري في سوريا هيمنة الجماعات الإسلامية المتطرفة والتكفيرية. بيد ان هذا أو ذاك، لا يبرران، ولا بأي شكل، لا لعربي ولا لفلسطيني، لا ليميني ولا ليساري، التخنّدق مع النظام، رغم كل التجربة التاريخية معه، وتجاهل مشروعية حق السوريين في الحرية والكرامة والعدالة والمساواة.
بيد أن القصة عندما تتعلق بموقف فلسطيني تصبح أكثر حساسية، لأن الحركة الوطنية الفلسطينية تكرّس بذلك، عن قصد أو بدونه، شرخاً عميقا بين معنيي التحرير والحرية، تحرير الأرض، وحرية الانسان، كأنها تجرد عملية التحرير من معناها.
هكذا، ليت الفلسطينيين الذين اجتمعوا في دمشق، وألقي هذا الكلام على مسامعهم، ليتهم حاولوا فقط الذهاب الى مخيم اليرموك المحاصر.. ليتهم حملوا، فقط، ربطة خبز.. قنينة ماء ..علبة دواء ..ليتهم سألوا، فقط، عن المعتقلين في سجون النظام.. عن علي الشهابي ود. علاء وسلمى ويزن وصلاح وفياض والكل.. وعن الشهداء الفلسطينيين تحت التعذيب، ممن لم يكن لهم أي صلة حتى بالمعارضة.
المؤسف ان هؤلاء لم يكلفوا أنفسهم عناء ذلك، بل انهم تجاهلوا كل ما حصل لشعبهم في المخيمات، ولعذابات السوريين، بإنكارهم جرائم النظام، وجعلوا من أنفسهم مطية له، ومن قضية فلسطين غطاء لاستبداده، متناسين توظيفاته لهذه القضية، ومحاولاته التلاعب بالفصائل الفلسطينية، كأن المقاومة تنفع مع الاستبداد، أو كأن التحرير يستقيم مع الظلم والتهميش ومصادرة الحريات.
على أي حال، فإن اجتماع دمشق لا يعكس الرأي العام الفلسطيني، ولا يعبر عنه، بقدر ما يعكس حال الضياع، وغياب الاجماع، في الساحة الفلسطينية، بعد كل ما مر بها من احباطات وتجارب، وتهمش منظمة التحرير وأفول الفصائل.
ففي المقابل، كان ثمة فعالية أخرى في غازي عنتاب، نظمتها "الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين في سوريا"، قدمت فيها مداخلات لعدد من المثقفين والكتاب والناشطين الفلسطينيين، مثل سلامة كيلة ود. عدنان جابر والشاعر إياد حياتلة وأكرم عطوة وماجد عزام ومحمد مشارقة وعدنان علي ومازن ربيع وفاطمة عيد والمحامي أيمن أبو هاشم (رئيس الهيئة)، اغتنت بمشاركة عدد من المثقفين والسياسيين السوريين، بحضور سوري وفلسطيني من اللاجئين في تركيا. وقد تمحورت أعمال هذه الورشة النقاشية حول مناقشة تداعيات الثورة على مجتمع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، والمواقف الفلسطينية من ثورة السوريين، واستهداف النظام للمخيمات، وتحولات أوضاع اللاجئين الفلسطينيين، ورؤية المعارضة لمستقبل اللاجئين الفلسطينيين. كما قدمت شهادات عن أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات في سورية.
هكذا، كان الفلسطينيون، وبشكل خاص الفلسطينيين ـ السوريون إزاء مشهدين، في يوم واحد، وفي قضية واحدة، لكن مع فارق كبير، وعميق، في الهموم والرؤى والقيم، وفي الجرأة على المصالحة مع الذات ومع الواقع.
القصد ان الانفجار السوري، الذي اثر على المنطقة العربية بمجملها، وعلى مجمل التيارات السياسية، أثر أيضا على الفلسطينيين، لاسيما الفلسطينيين السوريين الذين باتت حالهم مثل حال السوريين في المدن السورية وفي أماكن اللجوء. وهؤلاء، أي الفلسطينيون السوريون، من واقعهم يشعرون أنفسهم كضحايا، لا يمكن إلا ان يتعاطفوا مع الضحايا، وليس مع الطغاة، أخلاقياً ومنطقياً، برغم كل التشويشات والالتباسات والتلاعبات التي تحيط بهذه القضية.
ولعل ما ينبغي إدراكه هنا بالنسبة للفلسطينيين، وفصائلهم، ان قضايا الحرية لا تتجزأ، وأن فلسطين ليست مجرد قطعة ارض. فهي معنى للحرية والكرامة أيضاً.