الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الانسحاب الروسي يغيّر قواعد اللعبة... كما تدخّله هل احتاج بوتين إلى استراتيجية خروج من سوريا؟

الانسحاب الروسي يغيّر قواعد اللعبة... كما تدخّله هل احتاج بوتين إلى استراتيجية خروج من سوريا؟

17.03.2016
روزانا بومنصف


النهار
الاربعاء 16/3/2016
تتحرك روسيا في سوريا على أنها اللاعب الدولي الوحيد الذي تم التسليم أميركياً بمرجعيته في الشأن السوري. ليس واضحا إذا كانت روسيا توجه رسالة عبر إعلان انسحابها في التاريخ نفسه لانطلاق الانتفاضة السورية بأنها تضع اللبنة الأساس في الموعد نفسه، إنما لانطلاق العملية السلمية بدلا من الحرب إذا كانت صادقة في سحب قواتها ولم يكن ذلك مجرد قنبلة دخانية، لكن الانسحاب كما التدخل الروسي من شأنه أن يغيّر قواعد اللعبة في سوريا وحولها. تدخلت روسيا بأهداف مخفية وبأسباب معلنة تبين الوقائع عدم صحتها لجهة محاربة تنظيم "الدولة الاسلامية" ما دامت تنسحب من دون ان تقضي على هذا التنظيم كما قالت، فيما عمدت الى انتشال الرئيس السوري من السقوط. وفجأة يعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سحب قواته الرئيسية، فيما لم تنته العواصم الكبرى من تحليل تداعيات تدخله ليترك هذا القرار الجديد مثار تكهنات حول تداعياته وما إذا كانت ستدفع في اتجاه تزخيم العملية السلمية السورية في جنيف أو أنها ستدفع النظام وايران وحلفاءه من الميليشيات الشيعية الى استكمال استعادة السيطرة، فلا يحرج هو أمام الدول الخليجية أو الرأي العام السني في الجمهوريات السوفياتية سابقا، ما دام لن يكون مسؤولا عن اندفاع النظام وحلفائه بعد سحب قواته، او انه في حاجة الى استراتيجية خروج من سوريا وفّرها بدء العملية السلمية في ضوء أوضاع روسية داخلية صعبة. فالقرار الاستعراضي المفاجئ والسريع والفوري التنفيذ يشي بأنه لم يأت في سياق طبيعي، بل في سياق إشكالي، وهو باعه للداخل الروسي، بمقدار محاولة بيعه للدول الغربية، على نحو ساهم في إعادة تحسين سعر الروبل الروسي في مقابل الدولار الاميركي نظرا الى الارتياح الذي أثاره قراره لدى الروس، في ظل اختناق اقتصادي يواجه الوضع في روسيا وقلق من الغرق كما كانت الحال في افغانستان. ومع أن ديبلوماسيي العواصم الغربية أعربوا عن أملهم في أن يشكل سحب روسيا قواتها العسكرية ضغطا على النظام من أجل المضي في العملية السلمية، فإن ثمة شكوكا في أن يكون هناك سيناريو آخر مبني على انسحاب بوتين مما يمكن ان يحصل ميدانياً من جانب الاسد وحليفه الايراني، انطلاقا من توافر معلومات موثوق بها عن استحالة ان يقدم النظام اي تنازلات في التفاوض، وهو غدا أكثر وثوقاً من قدرته على استعادة السيطرة بعد الدعم الذي قدمه له الروس. وتاليا، فإنه سيحاول أن يستكمل تقدمه في بعض المناطق ليضيق هامش المعارضة. فأن يكون وزراء خارجية الدول الغربية أبدوا رد فعل سلبيا على ما اعلنه وزير خارجية النظام وليد المعلم من خطوط حمر، تبدأ بالاسد وصولا الى الانتخابات الرئاسية والمرحلة الانتقالية، لا يعني أن هذا النظام لن يسعى الى تحقيق أهدافه أو يحاول على الأقل.
 
فقبل أيام قليلة، نقل عائدون من العاصمة الاميركية أن التسوية التي كان مزمعا إطلاقها، وهي بدأت في 14 آذار في جنيف ويتوقع الوصول اليها في سوريا، لا كلام كثيرا حولها في واشنطن، بل ان الانطباع هو أن الولايات المتحدة تركت المبادرة لروسيا. ولدى أي اعتراض غربي أو عربي، يقابل المسؤولون نشاط الروس في سوريا بمرونة، وأحيانا بعدم اكتراث، وأحيانا بمحاولات للضغط على الروس ديبلوماسياً، انطلاقاً من أن الولايات المتحدة باتت خارج معادلة القوى الفاعلة والفعلية في سوريا. والانطباعات الأخرى التي نقلها زوار العاصمة الاميركية هي أن الحل في سوريا غير وشيك، على غير ما ينقل عنهم في بعض مواقفهم، إذ لا يزال بشار الاسد، كما سيظهر خلال الأيام والأسابيع المقبلة، رافضا التفاوض، وهو لن يفعل، وان الروس قالوا للاميركيين انهم وعدوهم بأنهم سيأتون بالاسد الى المفاوضات، لكننا لم نعد بتقديمه تنازلات. والأمر الآخر هو أن لا خطة "ب" لدى الاميركيين بتقسيم سوريا أو أي مسار آخر للحلول على رغم تلويح وزير الخارجية جون كيري باحتمال ذهاب سوريا الى التقسيم في حال فشل مسار الحل السلمي.
في أي حال على غرار ما شكل التدخل الروسي في سوريا في نهاية ايلول الماضي صفعة للولايات المتحدة، فإن إعلان روسيا سحب القسم الاكبر من قواتها من سوريا هو صفعة إضافية لادارة الرئيس باراك أوباما، حتى لو لم تكن هذه الادارة تكترث لسوريا، وهي سلمت او تركت الوضع السوري في يد الروس. فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين استطاع ان يظهر ان دولة مهتمة وليست فقط كبيرة يمكنها أن تتدخل من أجل حماية ما تعتبره خطوطا حمرا، على غرار تدخل روسيا لمنع سقوط بشار الاسد، من دون أن تنغمس طويلا في الوحول السورية، كما تنبأ اوباما للتدخل الروسي، وهذا التدخل يمكنه أن يغير موازين القوى على الارض. وهما أمران نظّر الرئيس الاميركي لهما خلال الاعوام الاخيرة في تبريره عدم التدخل في سوريا، عارضا خططاً على غرار التدخل في العراق او افغانستان، ليخلص الى عدم التدخل على الإطلاق لعدم القدرة، وفق قراءاته المشابهة في رأي مراقبين كثر لقراءات الاكاديميين وليس رؤساء الدول، على تغيير موازين القوى على الارض. فهل ينجح انسحاب رئيسي لروسيا من سوريا في إرباك حسابات الولايات المتحدة كما حسابات اللاعبين الداخليين، ولا سيما النظام وحليفته ايران؟ هذا ما يعتقد كثر انه سيحصل كيفما كان اتجاه هذا الارباك.