الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الا يوجد حكماء في سورية؟

الا يوجد حكماء في سورية؟

08.04.2013
نور الله السيّد

القدس العربي
الاثنين 8/4/2013
عرف ريف دمشق، كالكثير من البلدات والمدن السورية، منذ أول أيام الانتفاضة السورية مظاهرات في مختلف مدنه وقراه، من دوما إلى حرستا فالقابون والتل وزملكا وعربين... والسلسة تطول. وفي مظاهراته السلمية عرف الموت برصاص الأمن ورصاص القناصة والموت تحت التعذيب. وكذلك عرفته أحياءٌ من دمشق أشهرها حي الميدان الذي كان متظاهروه ينطلقون من جامع الحسن ليلقوا المعاملة الحسنة نفسها. وكان أشهر الأحياء والبلدات من دمشق وريفها بلدة داريا التي كان متظاهروها يوزعون الورود والماء البارد على رجال الأمن علهم يرعووا ويدعونهم يتظاهرون من دون إطلاق النار عليهم أو جرهم إلى أقبية التعذيب.
واليوم، وبعد سنتين، لا يزال ريف دمشق وأحياء عدة من دمشق نفسها تلقى المعاملة نفسها ولكن على نحو مريع. وكذلك المدن السورية الأخرى. ففي البداية كانت رواية النظام السوري أنه لم يطلق النار على المتظاهرين وأن هذا محض افتراء تقوم به وسائل الإعلام المغرضة، وأن النظام إنما يقوم بمطاردة 'المندسين' الذين يطلقون النار على الأمن ليقوم الأمن بالرد. أما اليوم فالنظام، كما يقول، يخوض حرباً ضد الإرهابيين وفي الحرب يجب الانتصار، وفي الحرب تستعمل الأسلحة كلها إذ إن هذا من متطلبات الانتصار.
المدافع والدبابات والصواريخ والطائرات أصبح استعمالها أمراً عادياً في ريف دمشق، والمدافع والصواريخ والطائرات تمر قذائفها فوق دمشق نفسها، وعلى أهل دمشق في كل مرة أن يسألوا أنفسهم متأوهين عن عدد القتلى الذي تخلفه كل قذيفة وعن عدد المنازل التي تُدمر في كل يوم. وطبعاً لا تنسى القذائف أحياناً أن تقع فوق رأس الدمشقيين إن أخطأت مسيرها إلى ريف دمشق، كما أن التفجيرات بالسيارات المفخخة تفضل دمشق عن ريفها. أما في السجن والتعذيب فدمشق وريفها يعرفان المصير نفسه. أهالي دمشق وريفها يعرفون أن القذيفة التي يسمعون صوتها لن تسقط على 'رؤوسهم' بل إنها حصدت للتو 'رؤوسا' أخرى.
الكل يعرف في قرارة نفسه أنه قد لا يكون في هذا العالم غداً، ومع هذا يتابع حياته بتأثير مخدر بدأ يتأصل في الأجساد والنفوس. فغير القذائف والمفخخات هناك المصفحات التي توجه رشاشاتها إلى الشوارع ولا أحد يعرف متى تنطلق باتجاهه. الدمشقيون ينتظرون مصير ريف دمشق نفسه، فدمشق كباقي المدن السورية ستعرف المصير البائس نفسه: التدمير والخراب والقتل لا غير.
في غضون عامين شهدت سورية ويلات ودمارا وخرابا لم يشهده لبنان في خمس عشرة سنة من الحرب الأهلية. ولم يحدث مثل هذا الدمار في العراق الذي احتلته أمريكا بآلتها العسكرية الجبارة على مدى تسع سنوات. دمار في البنية التحتية وفي النسيج الاجتماعي وفي النفوس لن يُشفى منه السوريون بمجرد وقف القتال.
عاشت دول البلقان عشر سنوات من حروب داخلية لم يرح ضحيتها بقدر ما راح حتى الآن في سورية. سورية التي لم تشهد في تاريخها البعيد والقريب دماراً بسبب الحروب أو الكوارث الطبيعية، كما الدمار الذي وقع فيها ولا يزال يومياً. وفي كل الحروب كانت هناك فترات هدنة أو مناطق آمنة، إلا أن هذه الحرب السورية- سورية لم تعرف الهدنة ولا المناطق الآمنة.
الدمشقي الذي يتابع سيره على رصيف الموت يسأل: ألم يبق في هذا العالم من عاقل يرى ويسمع ما يحدث في سورية؟ أليس في سورية من عُقلاء يقولون كلمتهم لوقف القتل والموت الذي يزحف إلى البيوت في كل وقت؟ ألا يوجد في النظام السوري من يقدر على التفكير للحظة ويسأل نفسه: ثم إلى أين؟ ألا يوجد في الجيش السوري من يعرف أن هذه الحرب تدمر البلد وأن لا بلد بعدها؟ ألا يوجد من ضباط يقولون لأنفسهم لقد خسر الجيش نصف عدده بين قتيل وجريح ومنشق وفار، والكلام هنا لوزير الدفاع السوري وليس لكاتب هذه السطور، ومن ثم فالعقل يقول بوقف الحرب لأنها أصبحت خاسرة بالمعنى العسكري؟ ألا يوجد ضابط أو مسؤول في النظام السوري يعرف مخاطر استمرار هذه الحرب أياً كان المنتصر فيها؟ النهاية غير سعيدة بالتأكيد. ألا يوجد في مسؤولي النظام السوري وطنيون بالمعنى المتداول لكلمة 'وطنية'، أي أن الوطن أولاً، إذ لا حياة بلا وطن؟ ألا فلا نامت أعين الجبناء.
طبعاً لا فائدة ترجى من رأس النظام وعودته عن حماقاته، فهل توقف هتلر عن حربه المجنونة على الرغم من نصائح خبرائه؟ لا، لم يتوقف إلا عندما قتل نفسه مع دمار ألمانيا الكامل.... رجال الأسد يعلنون الآن مع كل صباح بأنهم لن يتخلوا عن دمشق وأنهم سيقاتلون حتى النهاية. الأسد يقول لنفسه: قتل ستالين الملايين من الروس وبقي قائداً تعترف به الدول، فماذا إذا كنت أنا وراء قتل عشرات الآلاف؟
وبالانتظار، تنتظر دمشق 'الخالدة' كما يُقال نهايتها لتُخلّد في التاريخ على أنها المدينة التي دمرها جيشها لأن لا عاقل في النظام السوري يمكن التعويل عليه، ولأن لا مسؤول في هذا النظام يفكر في الوطن لا في النظام. نظام بُني على القتل وينتهي بالقتل، قتل كل شيء، الحجر والبشر... آخر المستجدات تغيير الأسد للضباط قادة الكتائب المشاركة في المعارك. القادة الجدد يبرزون مواهبهم الآن في استخدام راجمات الصواريخ التي تنهال على أحياء جوبر والمخيم وداريا وبرزة التي تُجرّب عليها صواريخ جديدة عالية التدمير. حتى الغربان ضلت طريق طيرانها مصطدمة بجدران المباني من هول صوت الانفجارات... وبالانتظار أيضاً، لا فائدة من عالم أخرق يتابع المأساة السورية بازدراء منقطع النظير. مع أن السكوت عن الجريمة هو جريمة في أبسط قواعد أخلاق المجتمعات.