الرئيسة \  واحة اللقاء  \  البراميل المتفجرة

البراميل المتفجرة

20.02.2014
د. أحمد القديدي


الغد الاردنية
الاربعاء 19/2/2014
لو أردنا اختزال محنة العرب الراهنة في عنوان بسيط ومعبر لقلنا إن العرب تحولوا من عصر براميل النفط إلى عصر براميل الموت. فالذي يحدث في سوريا وأقل منه رعبا الذي يحدث في مصر وليبيا واليمن يوحي للعالم بأننا لم نعد شعب براميل النفط ومضاربات الطاقة وأسواق المال بل أصبحنا ننعت بأننا شعب البراميل المتفجرة التي تسقط من المروحيات على رؤوس السوريين محاربين كانوا أم أبرياء عزلا ورجالا كانوا أم نساء وأطفالا وشيوخا فارين بجلودهم من الموت الهاجم! إنه منعرج خطير ومنزلق سحيق أن تتحول الشعوب العربية من عهد الاستبداد مباشرة إلى عهد الفوضى ومن حكم الطغاة إلى حكم العجزة وأن نفعل بأنفسنا ما يفعله العدو بعدوه ونكفي إسرائيل المحتلة لأراضينا مؤونة محاربتنا فنتولى شؤون قتلنا لأنفسنا بأيدينا إلى درجة أن العالم نسي تماما كما نسينا نحن بأن قضيتنا المركزية هي تحرير فلسطين كما تشدقنا بذلك على مدى سبعين عاما وفي مؤتمرات القمة العربية التي عقدناها في مختلف العواصم والتي كذبنا فيها على جماهيرنا وصدقنا أكاذيبنا من سنة إلى سنة حتى لم تعد شعوبنا تصدقنا ولا العالم يقرأ لنا حسابا وختمنا مهازل الإستبداد العربي بمأساة البراميل المتفجرة ليمارس النظام السوري القتل بالتخفيض أي من دون كلفة مالية عالية لأن البرميل الذي كان مصنوعا لاحتواء النفط يعبأ بالمتفجرات بطريقة تقليدية بسيطة ولا يكلف سوى 400 دولار مقابل الصاروخ الحربي (سكاد) الذي يبلغ سعره 10.000 دولار ويكون القتل بالسعر المناسب الذي لا يرهق الميزانية السورية! أي أن الضحية السورية تكلف دولارين عوض خمسين دولار! إنه موسم التخفيضات في حمص وإدلب وريف دمشق! ولا تحسبن أن السوريين غافلون عن البحث عن حل سياسي لا بل هم اجتمعوا في جنيف 2 بوساطة المسكين محمد الأخضر الإبراهيمي ولكن كما توقعنا لم يصلوا إلى حل وكان الحوار بين طرشان حتى عاد صاحبا الشأن إلى أخذ زمام الشأن بأيديهما وهما بالطبع سرغي لافروف وجون كيري ليثبتا لأمتيهما أنهما حاضران لحماية مصالح العملاقين وعدم ترك مصير الشرق الأوسط بين أيدي هؤلاء المتناحرين الغافلين! فبعد الحرب الباردة والسلام البارد جاء زمن تقاسم ما تبقى من تركة الرجل العربي المريض بل المحتضر لأن التاريخ كما قال قائل من حكماء الغرب ما هو إلا سلسلة من الحلقات المعادة المكررة فالذي يحدث اليوم سنة 2014 هو تكرار ببعض التعديل الطفيف لما جرى للعرب سنة 1916 حين تقاسم سايكس وزير خارجية بريطانيا مع بيكو وزير خارجية فرنسا تركة الرجل الشرقي المريض بعد أن دمرت الأمبراطوريتان ذلك الصرح الإسلامي الشامخ المتمثل في الخلافة.
وعرج أيها القارئ المندهش مثلي على العراق لتدرك بأن مئات الضحايا العراقيين الأبرياء يسقطون قتلى وجرحى يوميا في الفلوجة وضواحي البصرة وبغداد بين فرقاء لم تعد تقدر مهما أوتيت من حكمة أن تتبين مراجعهم ومصادر تسليحهم وغايات قتالهم حتى عاد العراقيون كما كانوا منذ مصيبة البعث وانقلاباته هم الحطب لنار لم يوقدوها بينما يتشبث كل فريق بل كل طائفة بأنها تمتلك الحق المطلق وغيرها على ضلال مبين! لقد دخل العراق في دوامة السيارات المفخخة والاغتيالات وتدمير البيوت على رؤوس أصحابها وملاحقة أشباح (داعش) هذه الدوامة التي تعصف بما تبقى في العراق من بقية أمن وأمان بعد أن عرف ذلك الشعب الكريم مصرع علمائه وهجرة مثقفيه وخراب البصرة وهلاك جيشه وضياع ثروته وغياب إشعاعه. (أين أنتما يا جواهري ويا سياب...)
وانظر حولك أيها القارئ العزيز لتشهد على تأزم الأوضاع في ليبيا حيث لم تعد تفهم هل وقع انقلاب يقوده العميد خليفة حفتر أم لم يقع يوم الجمعة الماضي؟ ومن نصدق؟ حين نرى حفتر يعتلي المنابر ليعلن عن حل المجلس الحاكم وتسريح الحكومة وإعلان برنامج إنقاذ البلاد بقيادة الجيش ثم نرى بعد ساعات رئيس الحكومة علي زيدان يكذب حفتر ويعلن لنا في التلفزيون بأن الوضع (على ما يرام) وبأن الحكومة تسيطر على الوضع! ولا أخفيكم بأن تفكيري يذهب إلى المسكين رئيس آخر حكومة للقذافي (البغدادي المحمودي) الذي سلمته سلطات بلادي تونس في غفلة من الضمير والأعراف السياسية والأخلاق الدبلوماسية لما يمكن تسميته بالسلطات الليبية! منذ عامين والرجل يقبع في سجون مجهولة دون محاكمة وأتمنى ألا يقتل حتى لا تلطخ أيدي من سلموه بدم رجل استغاث بالتوانسة فلم يغيثوه وكنت نصحت رفاق المنافي الذين تمكنوا من السلطات المؤقتة أن يجيروا من استجار بهم لأنه لا توجد دولة ليبية بعد مما يترتب عنه فقدان العدل فلم يسمعوا نصيحة ولم يهتموا بناصح بل هرولوا نحو كسب زائل ولعلهم اليوم نادمون حيث لا ينفع الندم!
حول بصرك يا قارئي الوفي إلى مصر ولكي تدرك حجم مأساة أكبر دولة عربية اقرأ ما قاله أحد فقهاء السلاطين الجدد من أن الله من على مصر بوزيري الدفاع والخارجية الذين زارا موسكو مشبها إياهما بموسى وأخيه هارون ومشبها شعب مصر بأل إسرائيل في عهد فرعون! هل نضحك أم نبكي على حال الثقافة المصرية وأدبيات السياسة فيها والخلط الذي أصبح مقبولا بين السياسة والدين حين يخدم ركاب سادة اليوم بعد أن كان ملعونا حين خدم ركاب محمد مرسي وإخوانه! من الذي سيمنع اليوم إنزلاق مصر التي دخلناها أمنين إلى مستنقع العنف الرهيب ومؤشراته لم تعد تخفى على أحد بداية من السيارات الملغومة إلى مصرع رجال الأمن مرورا بالمظاهرات اليومية والتي يحركها منطق الثأر المعروف حتى لو تخلص الناس من السياسة. ولا تنس أن تتأمل اليمن وهو يعاني من تقهقر الدولة المركزية القوية واستفحال الصراع بين الحكومة والحوثيين ليتحول إلى أزمة إقليمية تقض مضاجع الجميع بالإضافة إلى عودة شبح التقسيم عاتيا وهو يهدد الوحدة.
من براميل النفط التي كانت سبب ثراء العرب والتي أيضا كانت سبب محنهم إلى براميل الموت التي كفت أعداءنا شر حربنا بل أراحتهم إلى مدى نصف قرن قادم يظل العرب تائهين في بحر الظلمات بلا منارة هادية ولا كتاب منير. ربنا اهدنا إلى سواء السبيل وأسدل علينا ستائر عفوك ورضاك.