الرئيسة \  مشاركات  \  البعثيون يظهرون هذه المرة في مصر!

البعثيون يظهرون هذه المرة في مصر!

20.08.2013
الطاهر إبراهيم


كنا نظن في بلاد الشام وقد ابتلينا بحزب البعث الذي استولى على حكم سورية عام 1963، أن هذه النوعيات في طريقها إلى الانقراض بعد ما خبر معدنهم القاصي والداني. استطرادا، أول طبعة من البعثيين كانت ميليشيا "الحرس القومي"التي تشكلت ابتداء من أسافل السوريين ومن أنصاف الجهلة من العاطلين عن كل خلق قويم والعاطلين عن العمل،فوجدوا عملا لهم في هذه الميليشيا. مع انتهاء حقبة الستينيات واستيلاء حافظ أسد على السلطة في تشرين ثاني من عام 1970، ابتليت سورية بقيادات بعثية سيئة السمعة كان أكثرهم من الطائفة. من هذه القيادات كان "رفعت أسد" الذي كان رقيبا في إدارة الهجرة والجوازات قبل انقلاب 1963، "دحشه" أخوه "حافظ أسد" عام 1964 في الكلية الحربية من دون أن يكون لديه الشهادة الثانوية، التي كانت شرطا لازما للقبول بها، ليتخرج برتبة ملازم ثان.   
ومع انقلاب حافظ أسد على رفاقه بما سمي "الحركة التصحيحية" عام1970 شكل رفعت أسد ميليشيا عسكرية سميت "سرايا الدفاع"، تكونت أصلا من سرايا كانت تحمي المطارات. بعد ذلك تضخمت سرايا الدفاع حجما ونفوذا حتى تضاءل إلى جانبها نفوذ قادة الفرق والألوية في الجيش النظامي. معظم المنتسبين إلى سرايا الدفاع كانوا من متطوعين علويين وآخرين كانوا يحملون شهادات سيرة وسوء أخلاق. وخلال عشرة أعوام عاث رفعت أسد وضباطه وجنوده فسادا في سورية. فكان يكفي أن يشار إلى رجل بأنه من سرايا الدفاع حتى يتجنبه الناس اتقاء شره وسوء أخلاقه. وقد ألحقت سرايا الدفاع بالجيش النظامي بعد أن طُرِد رفعت من سورية حين أحس حافظ أسد أن أخاه الشقيق سيكون عقبة في طريق توريث أولاده الحكم.
صحف البعث والثورة وتشرين والجماهير إضافة للإذاعة السورية والتلفزيون السوري شكلت كلها دكاكين للنضال البعثي، بتضخيم الحدث وقلب الهزيمة إلى انتصار،(كما حدث حين اعتبر هؤلاء الإعلاميون أن إسرائيل انهزمت في حرب حزيران عام1967 لأنها لم تستطع الإطاحة بحزب البعث من حكم سورية). وقد وضعوا على كل دكان إعلامي كذابا لا يعرف من المهنة الإعلامية إلا النفاق لرجال السلطة والشتائم لخصوم النظام.  
عندما قام الفريق عبد الفتاح السيسي بانقلابه على الرئيس المنتخب محمد مرسي، ومنذ اليوم الأول، رأينا على مسرح الأحداث والسياسة كيف أن الانقلاب استنسخ وزراء لا يختلفون عن الوزراء البعثيين الذين حكموا سورية اعتبارا من عام 1963 وحتى تاريخه. كما رأينا إعلاما كاذبا لا يختلف عن إعلام البعث إلابكونه إعلاما خاصا باع نفسه للانقلابيين في سوق النخاسة ، بينما كان إعلام حزب البعث مملوكا للحزب.
كانت الكذبة الكبرى التي روجت لها جبهة الإنقاذ الموالية للانقلاب، وفبركها أفراد تمرد، وهم بقايا البلطجية الذين باعوا خدماتهم لفلول الحزب الوطني، حين أعلنوا قبل الانقلاب ما زعموه أنها تواقيع 22 مليون مواطن مصري طالبوا برحيل الرئيس محمد مرسي.كما زعموا أن عدد المتظاهرين في 30 حزيران زاد على 30 مليونا. لا ننسى إعلام الفضائيات التي كانت تنهش في لحوم كل إنسان شريف رفض أن يطأطئ هامته أيام حسني مبارك. هذا الإعلام الكاذب قام بنقل ولاءه إلى عبد الفتاح السيسي بعد الانقلاب. للأمانة نذكّر بأن الإعلام البعثي السوري كان يفبرك سياسيا فحسب، نادرا ما اشتغل بما يسمى بإعلام الشتائم. أما الإعلام المصري "مسبق الدفع"، فقد أضاف لذلك نهش أعراض المصريين، حتى أن البعض كان يشتم الرئيس "محمد مرسي" جهارا نهارا على الفضائيات، ثم يبرأ عند إحالته للقضاء المسيس.    
إذا كان البعثيون في سورية زعمواأنهم يمثلون طليعة الشعب السوري في المقاومة والممانعة، كما زعم كبيرهم بشار أسد، من قبله أبوه حافظ أسد، فإن أبواق الانقلابيين في مصر اقتبست من البعثيين أسلوب النفاق والتجني على كل رجل شريف في مصر، لكن النتيجة واحدة هي أن الفريقين باعوا أنفسهم للحاكم في بازار المال الحرام.
بعجالة سريعة نذكّر بأن المظاهرات السلمية التي قامت في سورية ابتداء من 15 آذار 2011، واجهها بشار أسد برصاص الجيش النظامي بعد أن عجز الأمن. وعندما كان الجندي يرفض إطلاق الرصاص على أخيه المتظاهر كان قائده الضابط البعثي العلوي يطلق عليه الرصاص فيرديه قتيلا. وهكذا فعل وزير الداخلية المصري اللواء محمد إبراهيم عندما طلب من الضباط والجنود توجيه بنادقهم نحو إخوانهم المعتصمين في رابعة العدوية وفي ميدان النهضة. وقد تم إطلاق النار على ضباط شرطة رفضوا تنفيذ أوامر وزير الداخلية، منهم اللواء "محمد عباس جبر" وسبعة ضباط آخرون حيث قتلهم أعوان وزير الداخلية بدم بارد. وقد تم قطع المكالمة عن زوجة اللواء "جبر" بمجرد أن ذكرت تورط الجيش والشرطة في قتل زوجها. وهكذا كان يفعل جنود بشار خلال فض المظاهرات السلمية في سورية.
كان البعثيون في سورية يقولون: (إن اليد التي تمتد إلى الشعب السوري سوف تقطع وترمى إلى الكلاب) ( من خطاب الفريق أمين الحافظ رئيس الدولة في بلدة أريحا السورية 1964). وقد نسج الفريق السيسي على منوال أمين الحافظ: (إن اليد التي تمتد إلى الشعب المصري سوف تقطع. وقال:خذوا بالكم إن الأسد لا يأكل أولاده). ما حدث أن آلاف المصريين قتلوا ثم أحرقت جثثهم عند فض اعتصامي رابعة العدوية وميدان النهضة. الفريق السيسي لم يكن أسدا ، بل كان ضبعا أكل المواطنين المصريين.
البعثيون السوريون كثيرا ما اتهموا خصومهم بأنهم إرهابيون. كانوا يعرضون المعتقلين على التلفزيون وإلى جانبهم أسلحة مختلفة الأنواع ويرغمون على الاعتراف بأنهم خبئوها لمحاربة الحكومة. بل لقد وضع الأمن بداية مظاهرات ثورة آذار 2011 الأسلحة على أبواب المساجد، يُغرون بها المصلين لحملها، ثم ليقبضوا عليهم متلبسين، لكن المصلين تنبهوا إلى هذه المكيدة وانصرفوا إلى المظاهرات. وهذا ما فعله الأمن المصري حين زعم أن الإخوان كانوا يخبئون السلاح في اعتصامي رابعة العدوية وميدان النهضة.
كما قام رفعت أسد بالإشراف على مذبحة سجن تدمر في 27 حزيران عام 1980، التي راح ضحيتها أكثر من 900 معتقل وهم نيام داخل السجن، فإن وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم قام بإعدام أكثر من 38 معتقلا من الإخوان في سجن أبي زعبل يوم الأحد 18 آب وزعم أنهم حاولوا الهرب. وهناك من يؤكد أن الفريق السيسي أمر بإعدام 25 جنديا معتقلا لأنهم رفضوا إطلاق النار على المعتصمين، وزعم أن إرهابيين من سيناء هم من فعل ذلك.
الانقلابيون في البلاد العربية قديما وحديثا ملة واحدة. فما يتمتع به العالم الحر من ديمقراطية وحرية وعدالة ليس من مفردات قاموسهم، لأن هذه العملة مفسدة للشعوب. حاول الفريق عبد الفتاح السيسي أن يتعلم من البعثيين ويقتفي أثرهم على طريق القمع والاستبداد وإهراق دماء الشعب، والخيانة وخدمة الأجنبي، "وما في حدا أشطر من حدا". لكن البعثيين يبقون أساتذة في هذه الفنون، والسيسي تلميذ صغير في مدرستهم.