الرئيسة \  واحة اللقاء  \  "البعث" والتدخل العسكري

"البعث" والتدخل العسكري

07.09.2013
محمد الباهلي



الاتحاد
الجمعة 6/9/2013
هُناك إجماع لدى غالبية المحللين والمهتمين بالشأن السياسي على أن ممارسات نظام البعث السوري الإجرامية ضد شعبه هي التي دفعت القوى الغربية إلى المطالبة بالتدخل لوضع حد لمثل هذه الإبادة الجماعية، وهي أيضاً التي دفعت جامعة الدول العربية إلى إدانة هذه الممارسات بشدة وعلى الأخص جريمة استخدام الأسلحة الكيماوية المحرمة دولياً، والذي اعتبرته تحدياً صارخاً واستخفافاً بالقيم الأخلاقية والإنسانية والأعراف والقوانين الدولية. وجعلها تساند التدخل الغربي بعد أن فشلت كل الجهود والمحاولات والمبادرات العديدة لإيقاف آلة القتل السورية عن الاستمرار في ممارسة هذه المذبحة الرهيبة، حيث إن الدينامية الدموية الداخلية التي تأسس عليها نظام «البعث» كانت ترفض أي مبادرة سلمية، وكان هذا الرفض يأتي بدرجة كبيرة من جوهر أيديولوجية النظام نفسه. وقد ظلّت هذه المعادلة تتكرر المرّة تلو الأخرى منذ بداية الصراع الداخلي.
وإذا نظرنا بعمق أكثر إلى جوهر العلاقة والارتباط بين هذه الدينامية الداخلية والممارسة الدموية للنظام سنجد وجود شهية عدوانية سادية تتغذى بقوّة من خلال القوى الخارجية المساندة لممارساتها الدموية بأعتى الأسلحة الفتاكة، حيث يقتل السوري مواطنه السوري، ويتحقق ما قاله وزير الدفاع الإسرائيلي السابق موشيه دايان عندما سئل عن الحرب بين مجموعتين فلسطينيتين، حيث أجاب: «فليقتل الواحد الآخر»! وهذا ما قاله أيضاً وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق موشيه شاريت «لسنا محتاجين لمحاربة العرب لأنهم هم الذين سيحاربون أنفسهم»! وهذا هو النهج الأساسي الذي تساعد على تكريسه القوى الداعمة لممارسات النظام السوري المدانة (روسيا وإيران والصين).
والقوى المطالبة بالتدخل بحيث لا تخرج سوريا من دوامة الحرب الأهلية، وتصبح دولة فاشلة مفككة غارقة في حرب داخلية.
إن الخطأ الكارثي في نهج نظام «البعث» السوري الذي يعاني من قصور شديد في الرؤية السياسية والاستراتيجية، وضمور في فكر الهيكل المكون لذلك النظام، هو نفس الخطأ الكارثي الذي وقع فيه صدام في عام 1990 عندما غزا الكويت وأوقع الأمة العربية معه في أزمة خطيرة تعاني من آثارها الخطيرة حتى اليوم، وهو المراهنة على صمت المجتمع الدولي، واعتبر بغبائه السياسي أن هذا الصمت هو إشارة على الموافقة في التوسع لذبح شعبه. وعندما وجد أن المجتمع الدولي أخذ يتحرَّك بالفعل لمراجعة التزاماته الأخلاقية والقانونية والاستراتيجية اتجاه ما يحدث في سوريا لم يكن أمامه غير استخدام السلاح الكيماوي لخلق حجّة ومبرر يساعد الغرب على التدخل الدولي في الشأن السوري، والذي من الطبيعي أن تنتج عنه أخطار عديدة وآثار سياسية واستراتيجية على المنطقة العربية بأكملها، لأن جوهر الصراع في سوريا هو في الأساس صراع روسي أميركي للسيطرة على النفوذ الاستراتيجي في المنطقة، والتجارب التاريخية المقارنة لمثل هذا التدخل تثبت صدق مثل هذه الحقيقة.
إن الحرب ليست نزهة، وهذه حقيقة يعرفها الجميع، وإن آثارها المدمرة خطيرة على الشعب السوري والأمة العربية، وتكلفتها البشرية والمادية والاجتماعية والاقتصادية عالية جداً، ولكن السؤال المهم هنا: ما هو البديل إذا ابتليت هذه الأمة بمثل تلك الأنظمة الديكتاتورية وأولئك القادة الطغاة الذين لا يرون من سياسة السلطة والحكم إلا لغة القتل والتدمير، وليس للعرب قوّة حقيقية رادعة وقادرة على إيقاف ما يرتكبه أولئك القادة من مجازر بشرية وحشية وصلت إلى حد قتل أكثر من 120 ألف إنسان بكل أنواع الأسلحة المحرمة، والتي أثارت حفيظة المجتمع الدولي والقوى الغربية، وجعلتها تتأهب للتدخل العسكري، وجعلتنا نحبس أنفاسنا ونترّقب ما سيحدث بعد ذلك للمنطقة العربية بأكملها.