الرئيسة \  واحة اللقاء  \  التجارة التركية: حركة التفاف حول سوريا

التجارة التركية: حركة التفاف حول سوريا

27.05.2013
كيفن سوليفان

كيفن سوليفان
الاتحاد
الاثنين 27/5/2013
اعتادت العبارة «رودوس» الطواف بين الجزر اليونانية لنقل السياح من جنة مشمسة للجنة التي تليها. وعندما ضربت الأزمة الاقتصادية اليونان منذ ثلاث سنوات، تعرض عمل العبارة للركود، بيد أن ذلك لم يستمر طويلا إذ سرعان ما جاءت الحرب في سوريا لتخلق فرصة جديدة لم تكن متوقعة.
وفي الوقت الراهن تتخذ «نايسوس رودوس» من ميناء الإسكندرون قاعدة لها حيث تنقل منه الشاحنات التركية الضخمة المحملة بالخضراوات والمنسوجات وغيرها من البضائع إلى أسواق الشرق الأوسط المزدهرة، ما يتيح الفرصة لأصحاب تلك الشاحنات للإبحار حول سوريا الممزقة بالحرب، بدلا من القيادة عبرها والتعرض للمخاطر والأهوال واحتمال خسارة البضائع. ووجود هذه العبّارة السياحية في هذا الميناء الصناعي الواقع على البحر الأبيض، يدلل على صحة حقيقة قديمة قدم التاريخ، وهي «في أوقات الحروب... تلجأ التجارة للارتجال».
«يجب أن تكون مرناً»، هذا ما يقوله «مايكل بروزوس»، قبطان العبارة، وهو يقف على السجادة الملطخة لسفينته التي كانت فاخرة فيما مضى، وتحولت الآن إلى ما يشبه محطة عائمة للشاحنات. ويضيف بروزوس: «هذه السفينة تتبع مجرى العمل... ونحن نتبع السفينة. يجب على كل شخص أن يجد طريقة لينجز بها عمله.
ومع وجود سوريا مثل الصخرة الضخمة التي تعوق تدفق التجارة، تمكن سائقو الشاحنات الأتراك من العثور على طريق للالتفاف حولها. فبدلا من الرحلة السهلة التي اعتادوا القيام بها عبر سوريا، وبعد ذلك عبر الأردن إلى داخل السعودية، تقوم «نايسوس رودوس» في الوقت الراهن بنقل شاحناتهم إلى ميناء بورسعيد المصري، وعندما ينزلون هناك يقودون شاحناتهم على الطريق البري الممتد على طول قناة السويس، حتى ميناء بورتوفيق المطل على البحر الأحمر، ومن هناك يستقلون عبارة ثانية عبر البحر الأحمر للميناء الرئيسي في السعودية وهو ميناء جدة.
أدت الحرب في سوريا إلى ضرب التجارة الإقليمية، حيث يقول المسؤولون الأتراك إن التجارة التي كانت مزدهرة في السابق بين تركيا وسوريا قد هبطت بمقدار الثلثين، ما أدى فجأة إلى ضياع مليارات الدولارات التي كانت تتدفق في صورة تجارة وسياحة عبر الحدود. وهذه الآثار تفاقمت بسبب الأزمة المالية التي تضرب اليونان، والتي تسببت في زيادة البطالة فيها لمستويات مرتفعة، وعطلت التجارة مع تركيا.
ويقول «جام أيسل»، المدير العام للشركة القائمة بتجديد ميناء إسكندرون وتحويله لميناء لسفن الحاويات الضخمة، إن الميناء قد كسب من وراء رحلات السفينة «رودوس» ما يقرب من 3 ملايين دولار منذ أن بدأت عملها في الصيف الماضي.
والميناء ليس هو الوحيد الذي شهد ازدهاراً؛ ففي الوقت الذي فقد فيه اللاجئون السوريون في تركيا، والذين وصل عددهم نحو 400 ألف لاجئ، كل شيء تقريباً، بما في ذلك الأمل في المستقبل، فإن آخرين تمكنوا من الاستفادة من الظروف السائدة، وخلق فرص تجارية جديدة. ومن هؤلاء مثلا لاجئ سوري اشترى مطعماً قديماً في مدينة الريحانية التركية على الحدود مع سوريا، وقام بتحويله لمقهى للإنترنت وقاعة فنية تعرض فيها الرسومات الكارتونية التي تسخر من نظام الأسد، ويجد الاثنان رواجاً كبيراً. وعلى امتداد الحدود الفاصلة بين تركيا وسوريا تنتشر أعداد كبيرة من المطاعم والمشاريع التجارية الأخرى التي توفر احتياجات اللاجئين السوريين، وتحمل لافتات، وتقدم قوائم طعام، باللغة العربية وليس التركية.
لكن التجارة الجديدة المزدهرة لها جوانبها القاتمة أيضاً، حيث اضطر الكثير من اللاجئين السوريين للعمل في المزارع والمصانع التركية بأجور تقول المنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان إنها تقل كثيراً عن تلك التي يتقاضها نظراؤهم الأتراك الذين يؤدون نفس الأعمال.
كما قام أصحاب المساكن في المدن الحدودية برفع إيجارات مساكنهم للاجئين السوريين، وبعضهم من الموسرين القادرين على الدفع، أما اللاجئون الفقراء فلا يقدرون عادة على دفع تلك الإيجارات المرتفعة ويضطر العديدون منهم بسبب ذلك للمشاركة في استئجار الشقق والغرف، والتكدس داخلها في ظروف غير ملائمة، ما دفع منظمات حقوق الإنسان لاتهام هؤلاء الملاك باستغلال اللاجئين الأكثر انكشافاً وفقراً.
وفي ميناء إسكندرون، يعتبر مشروع العبارة هو أكبر المشروعات المستوحاة من ظروف الحرب روجاً. ويقول «يوسف جيفليك»، عمدة المدينة، إنه «يمثل نقطة مضيئة نادرة في اقتصاد محلي تعرض للتخريب بسبب العنف في سوريا». ويضيف العمدة: «بسبب الحرب عاد الميناء لنشاطه... فالناس لن يقوموا بالتوقف عن العمل عندما تصادفهم العقبات، وإنما سيجدون فرصاً بديلة. فأكبر ثروة لدى البشرية هي الأمل... فعندما انسد الطريق عبر سوريا بسبب الحرب، قال أصحاب الشركات التركية العاملة بالتجارة مع دول الشرق الأوسط: إذا لم تكن قادراً على نقل بضائعك عبر الأراضي السورية فلماذا لا تبحر حولها، واتصلوا بالشركة اليونانية المالكة للسفينة نايسوس ردوس، ومن هنا ولد المشروع الجديد». وقال مورد كبير للأغذية للسوق السعودية، رفض الإفصاح عن اسمه، لأنه لم يرد أن يناقش تفاصيل أعماله التجارية ونفقاته علناً، إن الرحلة للسعودية عبر سوريا كانت تنفق ذهاباً وإياباً ما يناهز 3000 دولار، وتستغرق أسبوعاً، أما الرحلة الجديدة إلى ميناء بورسعيد ثم القيادة إلى ميناء بور توفيق والتحميل في عبارات من هناك لميناء جدة، فتكلف 8000 دولار، وتستغرق أسبوعين. ومع ذلك فإنها تستحق تلك التكلفة.
وقال «محمد جولاي» الذي يدير وكالة شحن تعمل في مجال التصدير للسعودية: «سوريا جسر بين تركيا ودول الشرق الأوسط، لكن إذا ما أغلق هذا الجسر، فإننا لن نوقف أعمالنا وسنضطر للاستمرار فيها بطريقة أو أخرى». وقال جولاي إن هناك سفينة أخرى تقوم برحلة مماثلة لرحلة العبارة «نايسوس رودوس» تنطلق من ميناء ميرسين التركي المطل على البحر الأبيض، وإن إجمالي الشاحنات التي تقوم بالرحلة من الميناءين لميناء بورسعيد المصري أسبوعياً تصل 500 شاحنة، وإن الطلب يزداد ومن المتوقع أن يتضاعف هذا العدد اعتباراً من الشهر الجاري.
ويقول جولاي: «حتى إذا ما انتهت الحرب في سوريا غداً، فإن الأمر سوف يتطلب خمس سنوات على الأقل حتى يعود كل شيء لطبيعته... وهو ما يعني أن هذا النشاط الذي تشهده الرحلات بين الموانئ التركية والمصرية وعبر مصر إلى السعودية، سوف يستمر لفترة طويلة قادمة».