الرئيسة \  واحة اللقاء  \  التحالفات العسكرية الدولية  تحدد تاريخ المنطقة مجدداً

التحالفات العسكرية الدولية  تحدد تاريخ المنطقة مجدداً

04.08.2019
فارس الذهبي


سوريا تي في
السبت 3/8/2019
مجدداً تتزايد النداءات والمشاورات الدولية لإنشاء تحالف دولي غربي وشرقي لضمان أمن الملاحة في منطقة الخليج العربي، بعد تصاعد اﻷزمة الإيرانية اﻷميركية، وحدوث سلسلة من العمليات التخريبية ضد ناقلات نفط عربية ودولية، في خليج عمان وميناء الفجيرة و إسقاط الطائرتين اﻷميركية والإيرانية تباعاً، تبعه أزمة احتجاز حكومة جبل طارق للناقلة الإيرانية المتجهة إلى سوريا والرد الإيراني في احتجاز الناقلة البريطانية في الخليج العربي، ولعل الحراك الألماني الفرنسي والإنكليزي بمتابعة أميركية فرض إيقاعاً كبيراً على اﻷزمة المفتوحة على تطورات هائلة، منها أن الإيرانيين يستدرجون أميركا لمواجهة عسكرية مفاجئة لإحباط قدرات دونالد ترمب في الانتخابات الرئاسية القادمة على مبدأ سنة عسكرية دامية أفضل من خمس سنوات حصار اقتصادي مدمر ومثير للشعب الإيراني ...في ذلك المفصل الإقليمي تقدم اﻷوروبيون بمقترح وسطي بتشكيل تحالف دولي بحري يضمن أمن النقل البحري وتقدم النفط في العالم يسحب ذرائع الإدارة اﻷميركية بتحول إيران إلى قرصان بحري يهدد أمن الطاقة العالمي، ولكن الأمور تتشابك وتتعقد أكثر بسبب تداخل الملف النووي والانسحاب الأميركي منه مع تصاعد النبرة العسكرية في الخليج العربي ضد المنصات الإيرانية وتصاعد العنف في اليمن والعراق ..حيث يتخذ الموقف اﻷوروبي من المسألة الإيرانية جانباً حذراً من تفجير الوضع في إيران وخطورة ذلك على اﻷمن القومي الأوروبي إذا ما أخذنا بعين الاعتبار مسألة تدفق اللاجئين وعدم قدرة الدول اﻷوروبية على استيعاب المزيد من القادمين من الشرق اﻷوسط المترع بالحروب والمشاكل، ولذلك يتخذ موقفهم معنى آخر من حيث ضبط الرعونة الإيرانية في التعامل مع معادلة: منع النفط الإيراني من التصدير يعني منع النفط بالكامل من التصدير عبر مضيق هرمز، ولكن هذا التحالف الغربي الجديد لن يكون خالياً من عدائية ما بسبب اعتبار إيران وإعلان وزير خارجيتها علانية بأن أمن الخليج العربي وأمن الملاحة فيه هو مسؤولية إيرانية مباشرة، وبالتالي المواجهة ستحصل مهما حاولت الدول اﻷوروبية تدوير الزوايا ومهما حاولت روسيا رعاية اتفاق نووي جديد ينقذ إيران من مصير شرق أوسطي تراجيدي محتوم.
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، ظهر حلفان عسكريان، هما حلف "وارسو" وحلف "شمال الأطلسي" (الناتو)، وكان المبدأ الأساسي لهذه التحالفات هو الدفاع المشترك،
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، ظهر حلفان عسكريان، هما حلف "وارسو" وحلف "شمال الأطلسي" (الناتو)، وكان المبدأ الأساسي لهذه التحالفات هو الدفاع المشترك، إلا أنهما بقيا يتصارعان في حرب باردة حتى سقط الاتحاد السوفيتي، في مستهل تسعينيات القرن الماضي، وسقط معه حلف "وارسو"، الذي كان يتألف من الاتحاد السوفيتي وعدد من دول أوروبا  الشرقية آنذاك، والذي أسسه خروتشوف لإعادة التوازن بميزان القوى في أوروبا وردع التقدم أو أي هجمات غربية، بينما بقي "الناتو" مع توسع عضويته بانضمام دول أوروبا الشرقية، التي انسلخت عن الاتحاد السوفيتي وحلف وارسو، وزاد مجال نشاطه ليستوعب تغيرات البيئة الدولية، حيث أعاد تشكيل نفسه لتلبية مقتضيات وظروف ما بعد الحرب الباردة، وأصبح يقوم بمهام مثل عمليات مكافحة القرصنة في خليج عدن، والتدخل في أفغانستان لمواجهة القاعدة، فضلا عن استمراره في سياسة الاحتواء تجاه الطموحات الروسية.
ومن خلال متابعة تاريخ التحالفات العسكرية الدولية في منطقة الشرق اﻷوسط ندرك حجم التطور العقلاني للعمليات المناطة بتلك التحالفات منذ بداية تأسيسها وحتى تاريخ انتهاء صلاحيتها، وقد يكون هذا التحالف المطلوب إنشاؤه هو التحالف الرابع الذي يمر على المنطقة منذ عام 1990 وحتى اليوم، بداية من التحالف العسكري الدولي المكون من 34 دولة والذي انطلق من عام 1990 وحتى 1991، تحت عنوان تحرير الكويت من الغزو العراقي، والذي انتهى بنهاية التحالف، التحالف الثاني كان من أجل إسقاط حكومة طالبان في أفغانستان سنة 2001 بعيد أشهر قليلة من حادثة الحادي عشر من سبتمبر وإسقاط برجي التجارة في نيويورك والذي انتهى باحتلال كابول ،شارك في هذا التحالف 25 دولة تحت قرار أممي ..
و تلاه التحالف الثالث الذي انطلق في بداية 2003 من أجل الضغط على حكومة صدام حسين للتنحي بحجة حيازته اﻷسلحة الكيماوية وعلاقته بـ بن لادن وانتهى التحالف بسقوط النظام واحتلال بغداد.. أما التحالف الرابع فكان التحالف الدولي ضد داعش والذي تشكل في عام 2014 بأكبر مشاركة دولية واسعة وصلت حد 80 دولة  مشاركة وهدفه إعادة تحرير الأراضي التي احتلها التنظيم في سوريا والعراق والذي توقعت إدارة أوباما أن تصل سنوات انتهاء عمليات التحالف لمدة سبع سنوات ولكن إدارة الرئيس ترامب أعلنت الانتصار على داعش في عام 2017 ولكن عملياته بقيت مستمرة بسبب انتشار خلايا التنظيم في عدد كبير من الدول حتى اليوم .
التحالف الخامس المزمع تكوينه سيقوم على هدف تأمين خطوط الملاحة البحرية من التهديدات الإيرانية التي بدأت تتصاعد بعيد العقوبات الاقتصادية الكبيرة، ومن المرجح أن هذا التحالف لو قام فإن أعماله لن تنتهي فقط عند حد تأمين عمليات الخليج البحرية فقط بل ستستمر في مرحلة ما بعد إعادة انتخاب دونالد ترمب، حيث من المرجح أن يتولى صقور إدارته مهمة الترويج للحرب وإنجازها وخصوصاً بعد فشل تأسيس ما عرف اصطلاحياً بـ الناتو العربي لمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة وصعوبة تكوين ذلك التحالف، وبعد تحجيم التحالف العربي والانسحابات المتتالية منه بعد طول مدة عملياته في اليمن ومواجهة ميلشيا الحوثيين.
مما لا شك به أن التدخلات الغربية في المنطقة تجد صعوبة كبيرة في تشكيل إجماع عام على مبادئها وأهدافها، ولكن رعونة اﻷداء الإيراني ومناوشاتها المستمرة ضد مسيرة الاقتصاد العالمي من أجل تحويل ورقة النفط إلى عامل سياسي يصب في مصلحة تفاوضات إيران ونفوذها في الشرق اﻷوسط، ولكن هذه التحالفات في حال أنجزت ستعني أن النظام الإيراني سيواجه سنوات صعبة جداً، لن يعلم أحد أبداً إن كانت ستنجو منها أم لا.