الرئيسة \  واحة اللقاء  \  التحالف الدولي ليس بديلاً عن استراتيجية عربية

التحالف الدولي ليس بديلاً عن استراتيجية عربية

10.11.2014
جلال عارف



البيان
الاحد 9-11-2014
قبل خمسين عاماً، وحين دعا الرئيس الراحل جمال عبد الناصر إلى قمة عربية طارئة بعد أعوام من تأسيس الجامعة العربية، كانت الاستجابة جيدة، وكان المشهد يحمل رسائل واعدة،..
فقد جمعت القمة التي انعقدت مواجهة تهديدات إسرائيل وسعيها للاستيلاء على المياه العربية وتحدي القوانين الدولية بين الأطراف العربية التي كانت قد دخلت من الصراع فيما بينها. وكان اللافت أن الوفود العربية في هذا المؤتمر وما تبعه من مؤتمرات لسنوات قليلة بعد ذلك كانت تضم إلى جانب الزعماء والملوك والرؤساء. وزراء الخارجية والمالية وقادة الجيوش.
وأن الحديث في المؤتمر الأول انطلق من اتفاقية الدفاع المشترك الموقعة عام 1950، وأن جزءاً هاماً من المؤتمر تركز على بحث التقرير المقدم من رئيس هيئة الأركان المصري الذي كان يشغل موقع الأمين العام المساعد للجامعة العربية للشئون العسكرية. تطورت الأمور بعد ذلك، وجاءت هزيمة 67 ثم حرب الاستنزاف وبعده حرب أكتوبر التي شهدت تنسيقاً عسكرياً عربياً كبيراً.
ولكن خارج إطار الجامعة العربية وهو الأمر الذي استمر بعد ذلك رغم اتفاقية "مجلس السلم والأمن العربي". كان العمل العربي الجاد يتم خلال السنوات الماضية خارج إطار الجامعة التي تحولت اجتماعاتها إلى مجرد "تأدية واجب".
والمشكلة بالطبع ليست في الجامعة نفسها، فهي في النهاية تعبير عن إرادة الدول التي انقسمت على نفسها. وتجسيد لنظام عربي لم يعد قادراً على أداء دور إيجابي في الحفاظ على وطن عربي تم تدمير دول فاعلة فيه مثل العراق وليبيا وسوريا، وتتعرض كل دوله الآن لعاصفة الإرهاب من ناحية ومؤامرات التقسيم.
الأمن العربي مكشوف بصورة لم تحدث منذ عهود طويلة. والتحالف الدولي الذي أعلنت إدارة أوباما عن تكوينه لم يحسم شيئاً حتى الآن..
والرؤية الأمريكية للمعركة حصرتها تقريباً في الدفاع عن "عين العرب- كوباني" بينما"داعش" تتوسع في الأنبار بالعراق وتهدد العاصمة بغداد وترتكب المذابح التي لم تعد تفرق بين أزيديين وعرب، ولا بين شيعة وسنة. وفي سوريا تتقدم "النصرة" في عدة مواقع ويصرخ المسئولون الدوليون بعد أن أصبحت حلب على وشك السقوط.
 ويخوض "الدواعش" معارك طاحنة في ليبيا، ويهددون باقي دول المغرب العربي، بينما ما يسمى بـ" أنصار بيت المقدس" يؤازرون محاولات إسرائيل للسيطرة على الأقصى واستكمال تهويد القدس، بارتكاب جريمتهم المنحطة ضد الجنود المصريين في سيناء، وتمتد يد الإرهاب لتضرب أيضاً في السعودية لتذكرنا بأن الخطر يتمدد، وأن السياسة التي تتبعها أمريكا لن تضرب الإرهاب بل تساعده!
من ناحية.. فإن عدم الحسم يعطي قوى الإرهاب الفرصة لأن تستغل الموقف في تثبيت قواعدها على الأرض أو خلق قواعد جديدة للتحرك في دول لم تكن ضمن دوائر نشاطها.
وهي تشتغل في ذلك ترويجها لفكرة أنها تتصدي للغرب بقيادة أمريكا في تجنيد الأنصار وتبرير المذابح، وتستفيد من "فترة السماح!" التي تتمتع بها في حرب تقول أمريكا إنها ستستغرق سنوات لتحرير مدينة الموصل فقط، لكي تحصل على المزيد من مصادر التمويل والقوة، ومن مساحات الانتشار بين الشباب المخدوع حتى في قلب أوروبا وأمريكا!
ومن ناحية أخرى فإن إصرار أمريكا على أن هناك إرهاباً متطرفاً وإرهاباً معتدلاً يصب في مصلحة الإرهاب، وهكذا نرى في مصر أنصار بيت المقدس يواصلون ارتكاب جرائمهم في سيناء، بينما "الإخوان" يزرعون القنابل في شوارع القاهرة وباقي المحافظات..
ويستنزفون الدولة في حرب مستمرة لكي تحمي أطفال المدارس وركاب المترو والقطارات من القتل الذي لا تراه عيون الإدارة الأمريكية لأنه يتم على أيدي تتسم بـ"الاعتدال!" الذي سعت أمريكا لأن يحكم مصر..
ومازالت تؤيده بعد أن أسقطه الشعب وكشفت فاشيته وإجرامه، وبعد أن أثبتت الأحداث أن كل هذا التطرف الذي نواجهه نشأ في أحضان "الإخوان" وتربى على مبادئ قادتهم، وعلى سلوك تنظيمهم السري. يتمدد الإرهاب على اتساع الأرض العربية. تتعدد أسماء الجماعات ولكنها تسير جميعاً على نفس الطريق.
الاستراتيجية الأمريكية في التعامل مع الموقف لم تنجح، ولن تستطيع دولة عربية بمفردها أن تحسم الموقف، خاصة بعد أن أصبح واضحاً تلاقي المصالح بين جماعات الإرهاب ومصالح قوى إقليمية تريد توسيع نفوذها على حساب العرب، وقوى عالمية تريد الهيمنة على المنطقة بالوكالة! التحالف العربي في مواجهة هذه المخاطر أصبح أكثر من ضرورة.
تجربة التعاون بين مصر والسعودية والإمارات بعد 30 يونيو أعطت مثلاً في قدرة العمل المشترك على الإنجاز.
لولا هذا التعاون لكان الوضع العربي الآن كارثياً بما لا يقارن. البناء على هذا التعاون وتوسيع أطرافه سوف يشكل كما قلنا سابقاً "حائط صد" نحتاجه بشدة لمواجهة الهجمة الشرسة من جماعات الإرهاب ومن قوى التآمر الإقليمي والدولي.
ربما يتصور الرئيس الأمريكي أن استراتيجيته طويلة الأمد سوف توفر الحماية لأمريكا، ولكنها بالقطع لن توفر للعرب إلا المزيد من المخاطر والحروب واستنزاف القوى لتنفيذ خريطة جديدة للمنطقة لن يدفع ثمنها إلا العرب، ولن يستطيع مواجهتها إلا تحالف القوى العربية والعمل باستراتيجية واحدة لاجتثاث الإرهاب والتصدي للمؤامرة.