الرئيسة \  واحة اللقاء  \  التحالف الروسي - الإيراني في سورية وتخاذل الغرب

التحالف الروسي - الإيراني في سورية وتخاذل الغرب

20.09.2015
عبدالعزيز التويجري



الحياة
السبت 19/9/2015
منذ بداية ثورة الشعب السوري على ديكتاتورية النظام الطائفي، الذي جثم على صدره أكثر من أربعين عاماً، وقفت روسيا وإيران بكل إمكاناتهما إلى جانب هذا النظام، حيث تم تزويده بالمال والسلاح والخبراء العسكريين والمقاتلين من إيران وحزب الله اللبناني وغيرهما. ودخل النظام العراقي الذي تهيمن عليه إيران، في هذه المؤازرة مقدماً هو أيضاً دعماً مالياً كبيراً، ومرسلاً الميليشيات الطائفية مثل عصائب أهل الحق ولواء أبي الفضل العباس للقتال مع جنود النظام، وفاتحاً مجاله الجوي للطائرات الإيرانية لتمدّ النظام بما يحتاجه من عتاد ومقاتلين. وأمام هذا التدخل السافر من روسيا وإيران والعراق إلى جانب النظام في سورية، وقفت الدول الغربية موقفاً ضعيفاً ومخادعاً، ما أتاح له أن يواصل قتل شعبه وتدمير مدن وقرى سورية، واستخدام الأسلحة المحرّمة دولياً من دون عقاب أو عتاب. ولم يقف الأمر عند هذا الحدّ، بل أصرّت روسيا على منع إصدار أي قرار من مجلس الأمن الدولي يدين النظام السوري ويسمح بمعاقبته، مستخدمةً حق النقض مراراً.
بفضل هذا الدعم السياسي والعسكري والمالي غير المحدود، استمرت معاناة الشعب السوري، وزادت أعداد القتلى والجرحى والمهجرين، وتفاقم حجم الدمار الذي لحق بالمدن والقرى وطاول الآثار والمعالم الحضارية والمساجد، حيث بلغ عدد القتلى أكثر من 400 ألف كثير منهم أطفال ونساء وشيوخ، وعدد المهجرين واللاجئين أكثر من 10 ملايين تتوزّعهم مخيمات وبلدان مختلفة، ويغرق كثر منهم في مياه البحر المتوسط في مشهد محزن رهيب. وفي خضم مأساة الشعب السوري، ظهرت تنظيمات إرهابية مشبوهة المنشأ، ك «داعش» الذي صرف أنظار العالم عن جرائم النظام الطائفي بجرائمه البشعة، والذي وجّه نيرانه إلى فصائل الثوار السوريين فأضعف قوتهم ومزّق صفوفهم، وكأنه صُنع لقتالهم وليس لقتال النظام ومن يدعمه. بل إنه عمل على استهداف دول خليجية ففجٰر فيها المساجد وقتل الأبرياء وأعلن مراراً أن هدفه أبعد من العراق وسورية.
واليوم، تكشف روسيا ما تبقّى من أقنعة عن وجهها، فترسل طائراتها العسكرية وبوارجها حاملة أنواعاً جديدة من الأسلحة الفتاكة وجنوداً وخبراء عسكريين، وتبدأ في إنشاء قاعدة جوية في مطار حميميم في اللاذقية، بل وتعلن إصرارها على بقاء رئيس تلطّخت يداه بدماء مئات الآلاف من أبناء الشعب السوري، وارتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، في تحدٍّ سافر للقانون الدولي والقيم والمبادئ الإنسانية.
أما ردة فعل أميركا وحلفائها الغربيين تجاه هذه التطورات الخطيرة والمنازلة الروسية المتحدية، فلم تتجاوز عبارات التحذير من خطورة الموقف والتبشير بفشل روسيا في ما أقدمت عليه. ويبدو أن حرص الرئيس أوباما وحلفائه على إتمام الاتفاق النووي مع إيران الذي عملوا على إنجازه وقتاً طويلاً، هو الذي يجعل موقفهم من التطورات الجديدة في سورية ضعيفاً وغير متكافئ مع خطورة الوضع وما ستؤول إليه الأمور لاحقاً. فروسيا حريصة على التمسّك بنفوذها في سورية، الذي استثمرت فيه أموالاً طائلة ولن تتنازل عنه. وإيران تستغل حاجة الغرب إلى أموالها وأسواقها ومشروعاتها المغرية، فتعمد إلى المناورة بجانب روسيا، حليفتها في دعم نظام الأسد، لتفرضا رؤية النظام بأنّ ما يجري في سورية هو حرب على الإرهاب، وأن نظام الأسد هو الأقدر على مواجهة هذا الإرهاب. وهذه خدعة كبيرة تم الترويج لها بكل خبث، فالتنظيمات الإرهابية لم تظهر في المشهد السوري إلا بعد أن كادت قوى الثورة السورية أن تسقط النظام القمعي الديكتاتوري، لذلك فظهورها في ذلك الوقت كان أمراً مشبوهاً، كما أن بقاءها وتمدّدها حتى الآن أمر مشبوه.
ومهما يكن من أمر، فالانغماس الروسي في المستنقع السوري ستكون له نتائج عكسية على المديين القريب والبعيد، لأنه سيستفزّ أعداداً كبيرة من المسلمين المؤيدين لثورة الشعب السوري والمتعاطفين معه في مأساته المستمرة، الذين سيرون في هذا الانغماس احتلالاً روسياً لبلد مسلم كما كان الأمر في أفغانستان من قبل، ما سيدفع أعداداً كبيرة منهم إلى الانضمام إلى التنظيمات المقاتلة في سورية على اختلاف أشكالها. وستصبح المنطقة ساحة لصراعات أكبر وأكثر خطورة تهدّد السلم والأمن الدوليين، وربما تقود في وقت لاحق إلى مواجهة روسية - غربية عندما يأتي إلى البيت الأبيض جورج بوش جديد.
وفي كل الأحوال، فإن الخاسر الأكبر في هذه المأساة هو الشعب السوري الذي فقد وطنه وشُرّد في أنحاء الأرض، والعرب الذين بضعفهم وتفكّكهم سمحوا لإيران وروسيا بأن تغزوا عدداً من بلدانهم، وأن يكون لهما قولٌ في شؤونهم. فهم اليوم كالأيتام على مأدبة اللئام.