الرئيسة \  تقارير  \  التحديات التي تواجه حكم طالبان وتأثيرها المحتمل في المنطقة

التحديات التي تواجه حكم طالبان وتأثيرها المحتمل في المنطقة

14.02.2022
محمد مختار قنديل


محمد مختار قنديل – (معهد واشنطن) 9/2/2022
الغد الاردنية
الاحد 13/2/2022
التحديات التي تواجه حكم طالبان وتأثيرها المحتمل على المنطقة لم يفلح التدخل الخارجي في القضاء على حركة طالبان طيلة السنوات الماضية. والآن بعد أن حصلت طالبان على ما كانت تصبو إليه، يتوقع المراقبون الإقليميون بشكل متزايد أن تأكل الحركة نفسها. فهي تعاني من انقسامات داخلية طاحنة، وتفشل في كسب دعم الشباب الأفغاني، فضلا عن التحديدات المتزايدة التي يشكلها تنظيم “داعش-خراسان”.
سيكون لفشل تجربة طالبان في الحكم له مردود إيجابي مؤقت يتمثل في إضعاف أنشطة التنظيمات الجهادية الأخرى خارج نطاق جنوب أسيا، خاصة في الشرق الأوسط، التي عملت على استغلال النجاح الطالباني في التسويق لتحركاتها ومشاريعها السياسة. ومع ذلك، هناك أيضا بعض التداعيات الأكثر واقعية والتي تتمثل في تحول الحركة مرة أخرى إلى العمل المسلح، والتشبيك واسع النطاق مع حركات إرهابية أخرى في الداخل الأفغاني والمنطقة. ويؤكد الهجوم الأخير الذي شنه تنظيم “داعش” في الحسكة بلا شك أن التنظيم ما يزال نشطا، وأن هناك جيوباً للتنظيم في أماكن أخرى تشكل بدورها مصدر قلق للاستقرار الإقليمي الأوسع. وللأسف، ستعود أفغانستان إلى ما كانت عليه لتصبح بؤرة للمجموعات الإرهابية ومنصة إطلاق تحضيرية للهجمات ضد الدول الكبرى. وبالطبع، سينعكس كل ذلك سلبياً على أمن المنطقة.
أولا: الانقسام الداخلي في الحركة
تمثل الانقسامات الداخلية التي تمر بها الحركة أحد اهم العناصر التي تهدد فعاليتها. في العام 2018 أجرت آنا لارسون دراسة حول مدى التماسك داخل حركة طالبان، عن طريق عقد لقاءات مباشرة مع قادة طالبان أو المقربين من الحركة.
وعلى الرغم من اتفاق الجميع على أن الحكومة الأفغانية السابقة كانت حكومة فاسدة، إلا أن بعض المجموعات المنتمية إلى الحركة استُبعدت من المشاركة في الحكم. وفى هذا الصدد، عبر ممثلو الشمال عن استيائهم من الاستبعاد الواضح للمقاتلين من الشمال من مجالس طالبان “كويتا وبيشاور”، فضلًا عن عدم تعيين قيادات منهم فيها. كما يفتقر العشرات من القادة العسكريين الذين اختارهم مجلس شورى “كويتا” إلى قاعدة اجتماعية.
ورأى ممثلو الغرب/ الشمال-الغربي أن 90 % من طالبان في بادغيس ليسوا سعداء بسيطرة جماعة قندهار على الحركة بأكملها. أما ممثلو الجنوب الشرقي، فرأوا أن مجلسي بيشاور وكويتا لا يدعمانهم لرفضهم النفوذ الباكستاني، كما شددوا على أن هناك مشاكل داخل صفوف بيشاور وكويتا، بين الحقانيين وجبهة منصور.
وفي هذا السياق، أظهرت بعض التقارير أن الحركة تنقسم إلى ثلاث مجموعات على الأقل، الأولى ممثلة في فريق مفاوضات السلام الأميركي بقيادة الملا عبد الغني بردار؛ والثانية ممثلة في الجناح العسكري بقيادة مولوي يعقوب، نجل الملا عمر مؤسس حركة طالبان؛ والثالثة، ممثلة في جناح شبكة حقاني وقائدها سراج حقاني، والتي تظهر شكليًا تحت مظلة طالبان. وقوة هذه المجموعات متفاوتة، أقلها بلا شك فريق مفاوضات السلام. والخلاف الأبرز الذي يمكن أن يؤثر هو الخلاف بين حقاني ويعقوب، الذي أشارت بعض التقارير إلى أنه وصل إلى حد الاقتتال بين الطرفين.
يظهر جانب الانقسام بين حقاني ويعقوب في الموقف من الهند. ففي الوقت الذي رأت فيه بعض قيادات طالبان أن إلغاء الهند للحكم الذاتي لكشمير والحملة العسكرية اللاحقة هي “شأن داخلي هندي”، أظهرت بعض التقارير أن هناك متشددين مناهضين للهند يتدربون على عمليات في كشمير في معسكر تدريب لطالبان في أفغانستان. ومع تحركات دول المنطقة، يمكن أن تتنامى هذه الخلافات الداخلية، مما قد يترتب عليه ظهور حركات تمرد داخلية واقتتال علني مع الوقت، ربما يسفر عن ظهور مجموعات طالبانية صغيرة، ترفع شعارات البقاء على العهد وأسس الملا عمر.
ثانيا: الموقف المجتمعي
والشبابي من الحركة           
بعد صعود طالبان إلى السلطة، خرج بعض المواطنين على أنغام رقصة “أتان” الأفغانية التقليدية رافعين العلم الأفغاني، كنوع من أنواع الرفض للصعود الطالباني، وأشار البعض إلى أن ذلك يعبر عن وجود نوع من التحول السياسي والاجتماعي الذي يفرض نفسه على الحركة، والذي عليها التعامل معه.
يمثل الشباب تحت سن 25 ثلثي السكان في أفغانستان، وقد اعتاد هؤلاء الشباب الذين ولودا بعد الغزو الاميركي لأفغانستان على العديد من الحريات التي تعارضها طالبان، مثل الحق في التعليم والصحافة الحرة. ويمثل شباب أفغانستان أكبر تهديد محلي طويل الأمد لأهداف الحركة. ولذلك، سيكون من أولويات الحركة كسب هؤلاء الشباب واستقطابهم.
في هذا الإطار، اظهر استطلاع للرأي أجرته “موسسة آسيا” أن هناك حالة من الاستياء الداخلي في أفغانستان حول الأوضاع المعيشية التي كانت سائدة قبيل صعود طالبان والتي يتعين على الحركة مواجهتها، حيث رأى نحو 76 % من المستطلعين أن هناك معاناة في الوصول للوظائف. ومع ذلك، بدأت طالبان في أرسال رسائل طمأنة لهؤلاء الشباب بعد صعودها، مثل الوعد بعدم الرجوع إلى العنف أو الانتقام ممن حاربوها، وتعهدها باحترام حقوق المرأة، كمحاولة لكسب جيل الشباب الذي يمثل ما يزيد عن نصف سكان أفغانستان. مع ذلك، ظهرت حالات قتل انتقامي وزواج قسري، فضلًا عن إغراق شوارع كابل بصور تحث النساء على ارتداء البرقع وإلا تعرضن للضرب.
ومع ضعف قيادة الحركة في فرض سيطرتها الكاملة على عناصرها كما ظهر في الرسائل التي كانت تبثها الحركة لعناصرها في بداية صعودها لضبط النفس، والأوامر للقيادات العسكرية بالتعامل مع العناصر غير الخاضعة للأوامر، من الممكن أن تتصاعد النبرات الشبابية المناهضة للحركة، ما قد ينتج عنه زعزعة استقرار حكم الحركة.
ثالثا: تهديدات “داعش
يمثل تنظيم “داعش” أحد اهم التحديات التي تواجه سيطرة طالبان على حكم البلاد، حيث يسعى التنظيم إلى أن يكون بديلا لحركة طالبان، ما يدفع الحركة للدخول في سباق مع الوقت للقضاء على التنظيم. ويرجع هذا السباق إلى سببين، كما أشار كولين بي كلارك، الأول أن “داعش ولاية خراسان” يمثل مع الوقت تهديدًا متزايداً لشرعية طالبان؛ والثاني أن هناك علاقة عكسية بين اهتمام الحركة بمحاربة التنظيم وقدرتها على تلبية احتياجات الشعب ومواجهة الوضع الاقتصادي الصعب، مما يزيد من التهديد لشرعيتها.
ينظر تنظيم داعش إلى حركة طالبان على أنها الخصم الاستراتيجي الرئيسي له في جنوب آسيا، حيث بدأ أعضاء “داعش ولاية خراسان” منذ البداية التشكيك في شرعية طالبان في الأوساط الجهادية، مما سهل للتنظيم كسب عناصر جديدة منشقة عن الحركة. كما أن “داعش” ربما يكون جذابا لأولئك الذين يسعون للانتقام من الحركة، وقد ظهرت بعض حالات استقطاب “داعش” لأعضاء مخابرات أفغان سابقين، فضلًا عن استقطابها للشباب الأصغر سنًا من الطبقة الوسطى الذين قد يصبحون مستائين بشكل متزايد من طالبان. هذا ناهيك عن الخلاف بين طالبان وبين التيار السلفي الموجود في الداخل الأفغاني وغير المنتمي لـ”داعش”، والذي ربما تدفعه المضايقات نحو الالتحاق بالتنظيم، أو على الأقل توفير ملاذ آمن لعناصره. ونظرا لأن حركة طالبان قد أتت إلى السلطة بالقوة، فإن افتقادها للشرعية سيؤدى إلى تراجع الدعم الشعبي لها في مواجهة “داعش”، خاصة في حال فشلها في سد احتياجات الشعب وتحسين الوضع الاقتصادي.
على الرغم من القوة التي أظهرها “داعش ولاية خرسان”، إلا أنه ليس من المرجح في الوقت الحالي أن يكون قادرًا على التخطيط لتنفيذ هجمات على أهداف بعيدة. وفي حال نجاح “داعش” في أفغانستان وسيطرته على مساحة واسعة من الأراضي وتجنيده عناصر ناقمة على حركة طالبان، فسيكون ذلك بمثابة إعادة إحياء للتنظيم في الشرق الأوسط. من ناحية سيركز التنظيم دعايته ومزاعمه بأنه حامل راية الجهاد الذي يجب دعمه لإقامة الخلافة الإسلامية بوصفها مشروعاً عالمياً، ومن ناحية أخرى سيوفر له ذلك فرص إنشاء معسكرات تدريب وتأهيل لعناصره وتصديرها إلى الشرق الأوسط الذي شهد هزيمته الساحقة.
في حين تساهم العوامل المذكورة في إضعاف حكم طالبان، فإنها لا تشكل وسائل ضغط آنية وسريعة للقضاء على بقاء الحركة في الحكم على المدى القصير، لكنها قد تدفع إلى ظهور حركات مناهضة داخلية تزداد قوتها مع الوقت، والتي ربما يقود بعضها أعضاء منشقون عن الحركة ذاتها، فضلًا عن إعطاء فرصة لتوغل “داعش” بصورة أكبر. ومن ناحية أخرى قد تدفع المشاكل المتعلقة بالمياه إلى توتر في العلاقات، خاصة مع إيران وباكستان والهند، مما قد يسفر عن تراجع في إيران وباكستان للحركة.
*محمد مختار قنديل: كاتب وباحث مصري متخصص في شؤون الإسلام السياسي والجمعات المتطرفة. يعمل أيضا كباحث في “مركز تريندز للبحوث والاستشارات في أبو ظبي”، وهو مؤلف كتاب “الفكر الإسلامي الجهادي المعاصر”، وكذلك “الإخوان المرتدون”، وكتاب “الدعوة السلفية”.