الرئيسة \  واحة اللقاء  \  التحدي الروسي في سوريا

التحدي الروسي في سوريا

12.10.2015
جيمس زغبي



الاتحاد
الاحد 11/10/2015
لم يشعر أحد بالمفاجأة عندما سخّرت روسيا قوتها العسكرية لإنقاذ حليفها الأسد من هزيمة محققة. وما من أحد سيفاجأ الآن لو أن بعض الدول العربية صعّدت من دعمها للمعارضة السورية، أو لو ركزت المعارضة المسلحة هجماتها ضد القوات الروسية في سوريا.
ومنذ البدايات الأولى، كانت المأساة التي تشهدها سوريا تشكل أزمة متعددة الطبقات. وعمّ البلد صراع داخلي وتوتر طائفي، وكانت هناك مصالح إقليمية لوكلاء في المنطقة من ضمنهم إيران ودول عربية. وهناك أيضاً الأبعاد المرتبطة بالعلاقة بين روسيا وحلف شمالي الأطلسي "الناتو" عندما قررت موسكو أن تفعل كل ما في وسعها لضمان عدم التخلي عن "شريك استراتيجي"، أو ترك سوريا تسقط في أيدي الغرب.
وكانت كل هذه المؤشرات واضحة المعالم منذ البدايات الأولى للصراع، وقد فشل المتحاربون جميعاً بشكل ذريع، ومعهم مؤيدوهم، في تحديد العناصر المهمة في هذه الأزمة المعقدة، وهو ما أدى إلى تحول الحرب إلى حالة الرعب التي باتت عليها اليوم
وخلاصة ما حدث أن الإخفاق والسياسات الاقتصادية الفاشلة في نظام الدولة السورية التي عمّها الفساد، أدت جميعاً إلى إغراق ملايين السوريين في حالة من البؤس دفعتهم للرحيل عن وطنهم بحثاً عن مقوّمات العيش والحياة في بلدان أخرى. وكانت مطالبهم بتحقيق أقل قدر من العدالة الاقتصادية والحصول على أبسط الحقوق المدنية قد ووجهت بوحشية لا مثيل لها من جانب النظام. ولم تؤدّ سياسة القمع والاعتقال الجماعي والتعذيب والقتل الممنهج للمدنيين إلى إسكات المتظاهرين، بل على العكس من ذلك، أدت إلى دفعهم لارتكاب أعمال عنف مماثلة.
ولم تكن المعارضة المسلحة للنظام مجرّد ظاهرة عابرة على الإطلاق. فقد كان هناك عدد كبير من المنشقين الذين فضلوا الانسحاب من الجيش السوري والالتحاق بالجيش الحر المعارض للنظام. وكانت هناك بعض التنظيمات المدفوعة بأفكار دينية حاولت فرض معتقداتها على الدولة فيما كانت تنظيمات أخرى تقاتل لمجرّد الانتقام من وحشية النظام. وثمة أيضاً بعض التنظيمات المسلحة من المقاتلين الذين استغلوا الظروف التي أتاحها لهم هذا الصراع المتفاقم. وبالطبع، كان هناك أيضاً معارضون مسالمون نظموا صفوفهم خارج الوطن، وآخرون عملوا تحت ظروف صعبة لتغيير النظام.
وفي مواجهة كل هذه القوى، وقف النظام بجهازه السياسي والعسكري والأمني، وهو الجهاز المدرّب تدريباً متكاملاً على العنف والقمع السياسي. ولو كانت هذه هي القصة الوحيدة في سوريا، لذهبت هذه المأساة في اتجاه آخر. ولكنّ الحقيقة هي أن هناك الكثير من العوامل الأخرى المؤثرة في الموضوع.
ومن ذلك مثلاً أن ملايين السوريين أثبتوا خلال حوادث الرعب التي اندلعت، أنهم يخافون بعض فصائل المعارضة المسلحة بأكثر مما يخافون من قوات النظام. ويشكل هؤلاء خليطاً من الأقليات الدينية والنخب المدنية العلمانية، وآخرون ممن كانوا لا يريدون شيئاً إلا مواصلة حياتهم العادية. وقد واجه الكثيرون منهم كل أشكال القمع من طرف أتباع النظام. وكان من الواضح أنه ما لم يتم الضغط على كل الأطراف من أجل التفاوض والوصول إلى حل مقبول، فإن الصراع لن ينتهي بسهولة ولا بالسرعة المأمولة.
ومما زاد الأمور تعقيداً، تدخل إيران ودعمها للنظام. حدث هذا في وقت كانت فيه بعض دول عربية قلقة من التدخل الإيراني السافر في شؤون العديد من الدول العربية الأخرى، مثل العراق، وهذا ما دفعها إلى زيادة دعمها للمعارضة السورية المسلحة والسلمية. وكل خطوة من أحد الطرفين كانت تتبع بخطوة مماثلة من الطرف الآخر.
وكرد فعل على الارتفاع المتواصل في عدد القتلى، والتقارير التي تتحدث عن فظاعة وبشاعة الممارسات، قررت الولايات المتحدة التدخّل في هذا المشهد بشيء كثير من التردّد فعمدت إلى تقديم مساعدات غير فتاكة للمعارضة وعمدت إلى تدريب عدد من مقاتلي المعارضة المعتدلة وتزويدهم بالسلاح والعتاد. ومع تزايد الممارسات الوحشية التي يرتكبها النظام، زادت الولايات المتحدة من حضورها السياسي عندما أكدت على أن النظام "فقد شرعيته" وأن على رئيسه "الذهاب". وكان لهذا الطرح يشدّ من أزر المعارضة ويزيد من إصرارها على رفض التفاوض مع النظام، كما أنه زاد من قوة الموقف الروسي. وكانت روسيا شاهدة على ما فعلته الولايات المتحدة في صربيا والعراق وليبيا، وقد قررت الآن ألا تسلّم أصولها الاستراتيجية في سوريا إلى الغرب.
-----------
رئيس المعهد العربي الأميركي- واشنطن