الرئيسة \  واحة اللقاء  \  التحرك السعودي التركي بين الحقيقة والأوهام

التحرك السعودي التركي بين الحقيقة والأوهام

18.02.2016
د. إبراهيم الشيخ



الشرق القطرية
الاربعاء 17/2/2016
(1)
لا أعلم لماذا تعشق الشعوب العربية العيش في أوهام الانتصار، والتي قد تتطور إلى صناعة منظومة من الشائعات، تبقينا منتصرين، ولو في الأحلام.
هل هي لَزمة أحمد سعيد، الذي كان يتحدث عن الانتصارات الساحقة للجيش المصري في 67، وإسقاط العشرات من الطائرات، فضلا عن تدمير القوة الصهيونية الجوية والبرية، والتي كانت الصحف المصرية والسورية تتسابق لنشرها، في الوقت الذي كان فيه الكيان الغاصب يتمدد على الأرض!
خلال 6 ساعات فقط، استطاع الصهاينة تحطيم القوة الجوية المصرية حينها، ولم يتوقفوا عند ذلك، بل احتلوا سيناء والجولان وما تبقى من فلسطين، وأسقطت العديد من الجيوش العربية، بينما أحمد سعيد كان يبيع وهم الانتصار على العرب، من إذاعة صوت العرب!
تمر الأعوام ويتكرر المشهد مع محمد سعيد الصحاف، وزير الخارجية والإعلام في عهد الرئيس العراقي صدام حسين.
الصحاف اشتهر بعقد المؤتمرات الصحفية، حتى قبيل سقوط بغداد بلحظات، بل كان أشهر ما قاله في آخر مؤتمر صحفي له يوم سقوط بغداد، بأن "الأمريكان ينتحرون الآن بالآلاف على أسوار بغداد"!
اليوم الشعوب العربية، لم تعد بحاجة لأمثال أولئك لخداعها، فالإعلام الجديد قام بالمهمة ببراعة متناهية!
ما أن أعلنت المملكة العربية السعودية عن إطلاقها التمرين المشترك "رعد الشمال"، والذي يشارك فيه – كما أعلنت الرياض- عشرون جيشا من دول التحالف العربي الإسلامي، إضافة إلى قوات درع الجزيرة، إلا وبدأت الشائعات تنتشر عبر "الواتس آب"، إلى درجة تتخيّل معها أن سوريا قد تحررت؟!
ليس ذلك فحسب، بل باتت تلك الشائعات مصدر ضرر على الشعوب، لأنها تطمس الأخبار الحقيقية التي يفترض أن تنتشر، وتروج مكانها معلومات غير صحيحة، تكبر ككرة الثلج.
(2)
من الواضح جدا أن هناك تحركات سعودية تركية بدأت بالفعل، وذلك من أجل مواجهة التآمر الروسي الإيراني مع نظام الأسد، والهادف إلى تحطيم أي قوة موجودة للثوار السوريين على الأرض.
تحالف (زعيم) الممانعة الذي بات مثل العاهرة التي تنام على سرير واحد مع الروس والإيرانيين، يعلم بأنه لا يسيطر إلا على 20% من الأرض السورية. (زعيم) الممانعة يواصل اليوم إبادة شعبه، بل ويفرح بالصواريخ الروسية وهي تدك المدن السورية عن بكرة أبيها!
التحرك السعودي لن يكون سهلا، وهو يحتاج إلى غطاء دولي حقيقي، والجميع يعلم أن الموقف الأمريكي أقرب للروس والإيرانيين منه إلى حماية الشعب السوري، ووقف نزيفه الذي لم يتوقف منذ أكثر من خمس سنوات.
وإن كان التحرك التركي السعودي اليوم يأتي تحت عنوان محاربة "داعش" وحماية الحدود التركية، إلا أنه من المتوقع أن يتوسع لاحقا بصورة أكبر.
الأتراك أبلغوا الأمريكان بأنهم لم يعد يحتملون تقدم الأكراد لقطع طريق حلب – تركيا، وجميعنا قرأ ماذا يفعل الروس في حلب من الجو، وماذا يفعل الإيرانيون في حلب على الأرض؟!
من المتوقع من السعودية وتركيا على أثر تواجدهما في قاعدة "انجرليك" التركية، أن يوسعا من قاعدة تحالفاتهما لتنفيذ عمليات أكثر تنظيما بالتعاون مع المعارضة السورية في الداخل، قد تمتد إلى تزويدهم بأسلحة نوعية، ولعل تصريحات أحمد عسيري المستشار في مكتب وزير الدفاع السعودي واضحة بهذا الشأن.
(3)
مع ضرورة عدم الانسياق لشائعات أوهام النصر في معركة لم تبدأ على الأرض، من المهم أن نقرأ الارتباك الروسي الإيراني.
في ظني لم يبق أحد في إيران لم يصرح ضد ما أعلن عن نية السعودية، الدفع بقوات برية مع تركيا لدخول سوريا.
بدءا من قائد الحرس الثوري الإيراني محمد جعفري، مرورا بوزير خارجية طهران السابق ومستشار المرشد الأعلى علي أكبر ولايتي، وصولا (لأمين) مجمع تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي!
التوتر كان واضحا في تصريحاتهم، بالضبط كردة فعلهم بعد انطلاق عاصفة الحزم في اليمن!
من روسيا أيضا خرجت تصريحات رافضة لذلك التدخل، لكن الأعجب كان الموقف المُعلن من وزير الخارجية المصري، والذي اعتبر أن الحل العسكري في سوريا أثبت عدم جدواه، وهو رسالة واضحة، بالابتعاد عن أي توجه سعودي للحسم في سوريا.
الأمر الأخير الذي لا يمكن إغفاله، هو رباطة الجأش والقوة والحنكة السياسية التي يفاجئنا بها يوميا وزير الخارجية السعودي الدكتور عادل الجبير.
خطابه واضح وصريح ولا يحتمل التأويل، لا وجود للأسد في سوريا بعد اليوم.
الخط التصاعدي لتلك التصريحات، والتي تابعناها عبر مقابلات في أمريكا وبريطانيا، كان خلالها الجبير يتحدث بطلاقة وثقة حاسمة وحازمة، يضع النقاط على الحروف فيما يخص النظام السوري و"داعش"، وموقف المملكة مما يحدث في سوريا والعراق. هذا لوحده مؤشر يجب أن يقرأ لوحده، وبأن لغة التحالفات والتفاهمات السعودية تغيرت، وهو ما سنشاهده على الأرض بوضوح خلال الفترة القادمة.