الرئيسة \  واحة اللقاء  \  التحول التركي نحو روسيا

التحول التركي نحو روسيا

16.08.2016
د. رحيل محمد غرايبة


الدستور
الاثنين 15/8/2016
الانقلاب الفاشل في تركيا يشكل محطة فاصلة في مسار تركيا السياسي، وربما يشكل نقطة تحول مهمة في السياسة التركية المستقبلية في التعامل مع القوى العالمية والإقليمية ومع دول الجوار، خاصة بعد تكشف مزيد من المعلومات التي سوف تكشف عنها التحقيقات مع قادة الانقلاب الكبار من عسكريين ومدنيين.
أردوغان كان يعلم بطريقة استقرائية تقترب من الحقيقة حول نوايا حلفائه في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، الذين يريدون لتركيا لعب دور مرسوم ضمن حدود اللعبة الأمريكية والأوروبية، ولا يريدون من تركيا أن تتجاوز حدود اللعبة، فضلاً عما يتمتع به القادة الأمريكيون والأوروبيون من غطرسة تاريخية تتمثل بالتعامل مع حلفائهم في المنطقة على شكل أسياد وعبيد، وهذا يتنافى مع طبيعة رئيس تركيا وسيكولوجيته النفسية، ولذلك بات واضحاً تمام الوضوح أنهم يريدون استبدال أردوغان بشكل مؤكد، ويرغبون بشخصية أخرى أكثر خضوعاً وأقل استقلالية.
تركيا تعلم يقيناً أن فرصة انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي عبارة عن حلم بعيد المنال، لأن الاتحاد الأوروبي يمثل هوية ثقافية متميزة ونادياً مسيحياً مغلقاً لا يحتمل مقعداً لا ينسجم مع هذه الهوية الثقافية، ولا تصلح عضواً في هذا النادي، ولذلك مضى عشرات السنوات على طلب انضمامها، وكان ذلك قبل انهيار الاتحاد السوفياتي وانضمام الدول الأوروبية المنشقة عن الاتحاد، ولذلك لا أمل بقبول الطلب التركي سواء بقيادة حزب العدالة والتنمية صاحب الجذور الإسلامية، أو بقيادة القوميين والعلمانيين.
أصبحت فرصة تركيا المستقبلية تتمثل بنسج علاقاتها مع دول المشرق، وخاصة على الصعيد الاقتصادي، وعلى الصعيد الاجتماعي من خلال التجانس الثقافي والديموغرافي مع دول آسيا، والجمهوريات المستقلة، وهذا التحول سيحتاج إلى حسم سياسي، ولعل الانقلاب الفاشل المدعوم من الحليف الغربي قد شكل الوقود اللازم للاقلاع التركي باتجاه الشرق، ولم يتم مزيد من الانتظار، حتى قام أردوغان بزيارة تاريخية إلى روسيا وعقد قمة مشهورة مع الرئيس الروسي بوتين.
تركيا استطاعت قراءة المشهد الدولي والإقليمي بشكل مبكر، وامتلكت مرونة عالية وجرأة منقطعة النظير في عملية التموضع السياسي مع المتغيرات الكبيرة التي طالت المنطقة برمتها، وتتضح معالم التوافق الأمريكي_الروسي في التشارك في إدارة الملفات الساخنة، وهناك بروز واضح لدور روسي أكثر اتساعاً وأكثر فاعلية وأثراً في رسم معالم التسوية الإقليمية المنتظرة، حيث تم مسارعة كل من "اسرائيل" وتركيا إلى زيارة تركيا ومحاولة ترتيب الأدوار في الخارطة السياسية القادمة.
يتوقع بعض المراقبين حصول تحسن مضطرد في العلاقات الروسية التركية، وزيادة وتيرة التنسيق السياسي والاقتصادي بينهما، مما يؤشر على احتمالية حدوث تغير كبير في موازين القوى، لأن القوة الجديدة المنتظرة من احتمال بناء تحالف تركي - روسي واضحة المعالم فيما لو نجح هذا التحالف، وسوف يغيّر من وجه المنطقة القادم بكل تأكيد، خاصة إذا بقي أردوغان على رأس الجمهورية التركية في طورها الحديث، التي تجمع بين القوة الاقتصادية القائمة على اقتصاد تركي ذاتي منتج قادر على إحداث الاستقلال عن الحلفاء الغربيين، وفي ظل تكشف الخداع الغربي وعدم المصداقية في التحالف التاريخي السابق الذي يتعرض للامتحان الحقيقي.
وفي نهاية الأمر فإن المسار التركي المستقبلي مرهون بقدرة القيادة التركية على تقدير مصلحة تركيا العليا، كقوة إقليمية معتبرة، وفي ظل قدرة القيادة التركية على تحصيل الالتفاف الشعبي والجماهيري حول برنامج حزب العدالة الحاكم الذي حقق نجاحاً ملحوظاً على المستوى القومي يلمسه الشعب التركي بقوة، مما يقلل فرص حدوث انقلاب عسكري في المستقبل يعيد تركيا إلى بيت الطاعة الغربي.