الرئيسة \  واحة اللقاء  \  التدخل الإنساني ومسؤولية الحماية

التدخل الإنساني ومسؤولية الحماية

02.12.2013
د. عادل الصفتي


الاتحاد
الاحد 1/12/2013
يرتكز المبدأ الأساسي للقانون الدولي على مفهوم «سيادة الدولة»، وخلافاً للقانون المحلي، لا توجد للقانون الدولي آلية تنفيذية، ولا يمكن أن تنظر المحكمة الدولية في الصراعات بين الدول ما لم يوافق الطرفان المتنازعان على المثول أمام المحكمة وقبول حكمها.
وتعترف المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة بمبدأ سيادة الدولة، التي تحظر على المنظمة الدولية التدخل في الشؤون الداخلية لأية دولة
وهنا يطرح السؤال: هل ينبغي السماح لدولة ما بالتورط في عملية تطهير عرقي ضد شعبها، بينما تتم حمايتها تحت مظلة مبدأ عدم التدخل الذي يكفله ميثاق الأمم المتحدة؟
هذا هو ما حدث بالضبط في رواندا، حيث تم قتل ما يتراوح بين خمسمائة ألف ومليون شخص من أقلية التوتسي على أيدي أعضاء أغلبية الهوتو الحاكمة في عام 1994، ولم تتدخل الولايات المتحدة أو الأمم المتحدة لوقف المذابح حتى بعد أن بات معروفاً أن عملية إبادة جماعية ترتكب ضد أقلية التوتسي في رواندا.
وقد خلص تقرير صادر عن الأمم المتحدة في عام 1999 إلى أن "الفشل في منع ووقف الإبادة الجماعية في رواندا كان إخفاقاً لنظام الأمم المتحدة بأسره».
وكانت إدارة الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون على دراية بحدوث الإبادة الجماعية في رواندا، ولكنها آثرت عدم التدخل، واعتذر كلينتون في وقت لاحق للشعب الرواندي قائلاً «لم نتعامل بالسرعة الكافية بعد بدء أعمال القتل».
وكنتيجة جزئية لهذا الفشل المأساوي، حث المجتمع المدني وأصوات من المنظمات الحكومية وغير الحكومية القوى العظمى والأمم المتحدة على عدم السماح بحدوث «رواندا أخرى».
واستمر التحدي في تطوير القدرة على الاستجابة في الوقت الملائم للأزمات الإنسانية من دون الإخلال بمبدأ عدم التدخل.
وربما ثبت أن ذلك درب من دروب الأحلام بعيدة المنال أكثر من كونه أمراً يمكن تحقيقه بالفعل.. لاسيما أن النظام الحالي في العلاقات الدولية يقر بواقع سعي القوى العظمى وراء تحقيق مصالحها الشخصية حتى عندما لا يتواءم ذلك ومبادئ القانون الدولي، ولم يستطع الرئيس أوباما إخفاء هذا الواقع الإمبريالي في كلمته أمام الأمم المتحدة في سبتمبر الماضي، على رغم رشاقة تصريحاته.
وقد اقترحت «اللجنة الدولية المعنية بالتدخل وسيادة الدول» تصوراً جديداً بشأن التدخل الإنساني، مطالبة المجتمع الدولي باستبدال مفهوم «حق التدخل الإنساني» عن طريق مفهوم «مسؤولية الحماية» الجديد، وزعمت أن المجتمع الدولي يتحمل مسؤولية حماية المدنيين المهددين في دولهم.
وعرّفت الوثيقة الصادرة عن القمة العالمية للأمم المتحدة في عام 2005 «مسؤولية الحماية» بأنها مسؤولية المجتمع الدولي عن حماية السكان من الإبادة الجماعية والتطهير العرقي وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
ووضعت شروطاً صارمة لتبرير التدخل العسكري لحماية السكان المهددين، وتشمل الإبادة الجماعية والتطهير العرقي وعجز الدولة عن حماية سكانها، على أن يكون الغرض الرئيس من التدخل هو وقف أو تخفيف المعاناة الإنسانية.
وعلاوة على ذلك، يجب أن يكون التدخل العسكري المخطط له بأدنى قدر ممكن يتطلبه تحقيق هدف الحماية الإنسانية المعلن.
وتنطبق مسؤولية الحماية بوضوح على الصراع في سوريا، ذلك أن هذا الصراع الدامي بدأ منذ ما يربو على عامين، وراح ضحيته زهاء 100 ألف شخص، وما يزيد على مليون لاجئ، إضافة إلى ملايين الأشخاص المهجرين في الداخل.
ويتكبد الأطفال في الصراع السوري معاناة خاصة في ضوء انفصال الأسر والضيق الشديد نتيجة الحرب، وحياة اللاجئين من دون تعليم إلى جانب حالات تشغيل الأطفال بصورة غير شرعية، في خضم أهوال الحرب والعجز عن حماية الشعب.
وقبل أسابيع قليلة فكرت إدارة أوباما بصوت مسموع في توجيه ضربة عسكرية محدودة ضد أهداف للنظام السوري، ليس بدافع التدخل الإنساني، ولكن كعقاب لنظام الأسد على استخدامه للأسلحة الكيماوية ضد شعبه.
غير أن معاقبة النظام لا تخفف من معاناة الشعب السوري، كما أن التدخل العسكري الكامل يمكن أن يدفع إلى سدة الحكم متطرفين لا يخفون نيتهم تأسيس نظام أقل التزاماً بالحكم الديمقراطي من النظام الحالي.
وكان ينبغي اللجوء إلى مبدأ «مسؤولية الحماية» في وقت مبكر عندما تأكد بما لا يدع مجالاً للشك أن النظام السوري يتعمد قتل المتظاهرين المطالبين بالحرية والديمقراطية.
وأما الآن، فيبدو أن التسوية السياسية هي الخيار الأمثل من أجل حل سلمي للصراع، وخلال الأسبوع الماضي أعلنت الأمم المتحدة أن النظام السوري والمعارضة سيلتقيان في جنيف في 22 يناير المقبل.
وقد حض الأمين العام للأمم المتحدة «بان كي مون» طرفي الصراع على وقف أعمال العنف بغية السماح لملايين السكان المهجّرين في الداخل بالعودة إلى منازلهم.
وفي غضون ذلك، بينما تصعب المكاسب العسكرية الأخيرة التي حققها النظام على الحكومات الغربية الإصرار على رحيل الأسد، يقدم الوضع الأقوى للنظام، من جهة أخرى، فرصة للأسد للتفاوض على شروط أفضل لرحيله، وعليه أن ينتهز هذه الفرصة السانحة من أجل صالح شعبه.