الرئيسة \  واحة اللقاء  \  التدخل الخارجي في سوريا

التدخل الخارجي في سوريا

11.06.2013
د. أحمد يوسف أحمد

الاتحاد
الثلاثاء 11/6/2013
في أحداث ما كان يعرف بـ«الربيع العربي» استطاعت حالتان فقط أن تحققا هدف الإطاحة بالحاكم دون تدخل خارجي وهما مصر وتونس. في الحالة اليمنية لم يحدث تدخل عسكري وإنما حدث تدخل سياسي إقليمي ودولي أفضى إلى حلول وسط. أما الحالة الليبية فقد شهدت تدخلاً عسكرياً مباشراً من حلف شمال الأطلسي بمباركة عربية، أو بمعنى أدق فإن معظم دول الجامعة العربية كان يريد أن يقي الشعب الثائر في ليبيا بطش «كتائب القذافي»، واتفق هذا الاتجاه مع رغبة الثوار الليبيين أنفسهم الذين كانوا يلحون على الحماية الدولية، ولأسباب تتعلق بالواقع العربي المفكك أحالت الجامعة رغبتها في فرض حظر جوي على الطيران الليبي حماية للثوار إلى مجلس الأمن، وانتهى الأمر إلى قيام قوات حلف الأطلسي بالمهمة التي تجاوزت فكرة الحظر الجوي بكثير، ولا أحد يعرف أسرارها كاملة حتى الآن. وفي سوريا اختلف الوضع بشكل لافت، حيث لم تشأ الجامعة العربية أن تكرر التجربة الليبية، فاكتفت بتحركات وقرارات خرج بعضها عن مألوف خبرة الجامعة في مثل هذه المواقف. ولكن التدخل العسكري الخارجي بدأ ليس في صورة تدخل دولي وإنما جماعات كان واضحاً أنها دينية متشددة معادية للنظام القائم يحمل بعضها فكر «القاعدة»، ويهدد نجاحه في القيام بدور رئيس أو أساس في إسقاط النظام بإقامة نظام حكم على شاكلة نظام «طالبان» في أفغانستان، وهكذا أصبح أنصار الديمقراطية وحقوق الإنسان وبالذات في الوطن العربي بين شقي الرحى: استمرار نظام أعمل قتلاً وتشريداً في شعبه، وألحق دماراً غير مسبوق ببلاده وخطر مجيء نظام سيكون أكثر عصفاً بالديمقراطية وحقوق الإنسان كما تشير الخبرة الماضية، ويصبح بؤرة لعدم الاستقرار في منطقة غير مستقرة بطبيعتها. وأربك هذا دون شك حسابات القوى الكبرى فيما يتعلق بتسليح المعارضة الذي أصبحت حسابات معقدة تكتنفه خشية أن يفضي هذا إلى نظام شديد التطرف يقلب الحسابات والموازين في المنطقة، ويهدد مصالح هذه القوى فيها.
ومن ناحية أخرى صمد النظام السوري طيلة سنتين تقريباً في وجه المعارضة بما في ذلك المعارضة المسلحة، ويرجع هذا إلى تصميم رئيس النظام على عدم الاستسلام مهما كان الثمن، وربما يكون قد تأسى في هذا بـ«الخبرة الحموية» لأبيه، وإن كان الأخير قد طبق هذا النهج في مدينة بعينها وليس في طول سوريا وعرضها، ولاشك أن الأسد قد استند في تصميمه هذا إلى جيش طائفي التكوين بذل حزب «البعث» الحاكم جهوداً خارقة ليجعله شديد التماسك والطاعة، وكذلك فإن مواقف النظام السوري التي بدت دائماً وكأنها الأكثر حفاظاً على الحقوق العربية في مواجهة إسرائيل والأكثر رعاية لفصائل المقاومة الفلسطينية التي رفضت نهج التسوية السلمية بما يتسق وسياسة النظام السوري، هذه المواقف ساعدت النظام على اكتساب تأييد قطاع من القوميين العرب لا تمثل الديمقراطية وحقوق الإنسان أولوية بالنسبة له، ومن ثم اعتبر أن كل ما يجري في سوريا مؤامرة خارجية تهدف إلى استكمال إخضاع النظام العربي في الصراع مع إسرائيل. ولكن التأييد الخارجي للنظام السوري لم يقتصر على ذلك، وإنما تمتع هذا النظام بدعم دبلوماسي قوي من روسيا والصين استفاد منه كثيراً في مواجهات مجلس الأمن حيث حاصرت الدولتان بما لديهما من «حق النقض» كل محاولات إدانة النظام السوري بسبب ممارساته تجاه شعبه، ولعبت روسيا بصفة خاصة دوراً رئيساً وحيوياً في تزويد النظام السوري بالسلاح، وكذلك تمتع النظام بتأييد إيراني سياسي وعسكري (في صورة مقاتلين من الحرس الثوري شاركوا في قتال خصوم النظام)، وليس هذا بغريب باعتبار أن النظام السوري الحليف الأوحد لإيران في الوطن العربي فضلاً عن دوره الذي لا يمكن أن يقوم به سواه كمعبر للسلاح الإيراني إلى «حزب الله» أداة النفوذ الإيراني في لبنان وربما في المشرق العربي كله. ولكن الجديد كان مشاركة قوات من الحزب في القتال إلى جانب النظام السوري، وقد كان الحزب دائماً مؤيداً سياسياً للنظام السوري مما أوجد نوعاً من الاستقطاب الحاد في لبنان، إلا أن المشاركة في القتال تمثل نقلة نوعية خطيرة، وهي تكاد تكون الحالة الوحيدة من نوعها منذ نشأة النظام العربي الذي لم يعرف طوال تاريخه إلا التدخل العسكري من دولة في أخرى بدعوة من قيادة هذه الدولة لمواجهة تحدٍّ خطير تواجهه، وأبرز الأمثلة في هذا الصدد هو التدخل العسكري المصري المباشر في شمال اليمن بدعوة من قيادة الثورة فيها (1962-1967) بعد أيام قلائل من نجاح الثورة، والتدخل السوري في لبنان بدعوة من رئيس الجمهورية سليمان فرنجية (1976- 2005) إبان الحرب الأهلية آنذاك. ولكن أن تقاتل جماعة لها مكانة في بنية النظام السياسي في دولة على أرض دولة أخرى دعماً لنظامها دون تكليف من قيادة الدولة التي تتبعها أو حتى إخطارها فإن هذا ينذر بأوخم العواقب وعلى رأسها الفوضى «غير الخلاقة». ويلاحظ أنه في مصر حدث موقف سابق شبيه حين تسللت عناصر مسلحة من «حماس» و«حزب الله» عبر الأنفاق غير الشرعية بين مصر وغزة، واقتحمت عدداً من السجون كي تفرج عن معتقلي «حماس» و«حزب الله» داخل هذه السجون، وكذلك عن قيادات «الإخوان المسلمين» المعتقلة في السجون نفسها. ومن الأسف أن سلوك «حزب الله» في سوريا يؤجج البعد الطائفي للصراع ناهيك عن تداعياته داخل لبنان الذي لا تنقصه عوامل عدم الاستقرار عامة، وفيما يتعلق بالوضع الراهن في سوريا خاصة، وهو ما يمكن أن تكون له آثار خطيرة على استقرار المشرق العربي وتماسكه.
والخلاصة إذن أن الصراع الدائر حالياً في سوريا يشهد الآن درجة عالية من درجات التدخل الخارجي الذي وصل إلى حد التدخل العسكري المباشر، إذ يحظى كلٌّ من طرفيه بتأييد خارجي مسلح ولكن ليس على أيدي دول وإنما جماعات قد تمتد حدودها عبر الدول كالجماعات الدينية المتشددة، أو جماعات لها وجودها الرسمي داخل دول ولكنها لا تأتمر بأوامرها أو حتى تتصرف بوحي من سياستها الخارجية، وهو ما يجعل سوريا ساحة لاستقطاب خطير ستكون له عواقبه الوخيمة بعد انتهاء الصراع الحالي. غير أن الأخطر من هذا أن التدخل الخارجي في سوريا ينذر بمجيء مرحلة تكون فيها للفاعلين من غير الدول يد طولى إن لم تكن اليد الطولى في التفاعلات الإقليمية أو حتى العالمية، وإذا حدث هذا فهو ينذر بمرحلة جديدة من العلاقات الدولية ستنطوي دون شك على درجة هائلة من درجات عدم الاستقرار، وتفضي في النهاية إلى ألا يكون للدولة الدور الرئيس في التفاعلات الإقليمية. ويبقى أن اللافت للنظر بعيداً عن هذه النظرة المستقبلية أنه بينما حظي تدخل «حزب الله» في سوريا بأوسع إدانة ممكنة من قبل خصوم النظام السوري خاصة من الدول العربية فإن أحداً لم يتحدث عن الجماعات المتشددة التي تقاتل في صفوف المعارضة مع أن تدخلها مرفوض بالدرجة نفسها التي يجب أن يدان بها تدخل «حزب الله»، فهل امتدت ازدواجية المعايير حتى إلى مثل هذه القضايا الخطيرة؟