الرئيسة \  واحة اللقاء  \  التدخل العسكري الروسي في سوريا: الدوافع والآفاق

التدخل العسكري الروسي في سوريا: الدوافع والآفاق

12.11.2015
عارف عادل مرشد



الرأي الاردنية
الاربعاء 11/11/2015
قررت روسيا بعد مضي خمس سنوات على الحرب المستعرة في سوريا التدخل بقوة في تلك الأزمة بعد إعلان الكرملين منح الرئيس فلاديمير بوتين تفويضاً بنشر قوات عسكرية في سوريا بعد طلب الرئيس السوري بشار الأسد مساعدة عاجلة من موسكو.
وكان الرئيس بوتين قد أعرب عن رغبة بلاده في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا داعياً إلى تشكيل تحالف حقيقي (سوري، عراقي، إيراني، روسي) متهماً الولايات المتحدة الأميركية ودول الغرب (بتغذية الإرهاب).
لقد تبين أن المرونة التي أبدتها روسيا طوال السنة الماضية لم تكن سوى تكتيكات سياسية هدفت من خلالها إلى امتصاص النجاحات العسكرية التي كانت تحققها المعارضة المسلحة السورية على الأرض من جهة، واستخدام اتصالاتها بالمعارضة كغطاء للتمويه على توجهها المضمر لرفع مستوى دعم النظام السوري، والذي جرت ترجمته مطلع أيلول الماضي بتدخل عسكري مباشر ينذر بتداعيات سياسية وعسكرية كبيرة.
تناقش هذه الورقة أهم دوافع التدخل الروسي العسكري في سوريا وآفاقه بشكل موجز ومباشر.
تتمثل هذه الدوافع في النقاط الآتية:
1- إدراك روسيا لحجم الخسائر التي تعرض لها النظام السوري منذ مطلع العام الجاري مقابل مكاسب تحرزها المعارضة التي باتت تسيطر على مناطق ومدن استراتيجية سواء في الشمال أو الجنوب، وبات النظام مسيطراً على مناطق محدودة في الوسط وهي المناطق الممتدة من الساحل إلى العاصمة دمشق مروراً بحمص وحماة. هذه المعطيات قد تشير إلى اقتراب نهاية نظام الأسد، ما يعني أن روسيا باتت قريبة من فقدان ورقة الضغط السورية على المصالح الأميركية والغربية في شرق المتوسط، هنا أدركت روسيا مخاطر اللحظة وأعلنت عن تواجدها في البحر المتوسط عبر مناورات وتدريبات عسكرية ستستغرق فترة طويلة، كنوع من إثبات الحضور الدولي باعتبارها فاعل لا يمكن إغفاله، بل وبإمكانه صياغة حل سياسي للأزمة إذا ما ضمن اعترافاً إقليمياً ودولياً بمصالحه السورية. وقد استهدفت روسيا من تواجدها العسكري على الساحل السوري تعزيز فرص تفاوضها مع واشنطن ليس في الملف السوري فقط، ولكن أيضا في كافة الملفات الخلافية خاصة تلك التي في الجوار الروسي المباشر وتضغط فيها واشنطن بقوة كأزمة أوكرانيا مثلاً.
2- انصب اهتمام بوتين منذ عودته رئيساً على استعادة النفوذ الروسي بدائرته السوفيتية السابقة، وتكريس بلاده كلاعب عالمي مؤثر، وأدخل تعديلاً على العقيدة العسكرية الروسية العام الماضي، يتيح مواجهة بؤر التوتر في العالم، واستخدام القوة العسكرية خارج إطار مجلس الأمن.
وقد لقيت هذه التوجهات ترحيباً في أوساط القوميين الروس ومن حلفاء موسكو السابقين، وبعد مغامرة لم تتبلور نتائجها بعد في أوكرانيا، ها هو يتقدم بعيداً عن حدود روسيا، إلى الشرق الأوسط الذي تنسحب منه الولايات المتحدة وأوروبا عسكرياً وسياسياً، ويتنامى فيه نفوذ حليفته إيران، وُتبدي بعض دوله العربية رغبة في مساهمة روسية في حل القضايا العالقة عبر موجة من الزيارات الاستثنائية الصيف الماضي، إضافة طبعاً إلى وضع بشار الأسد الحرج الذي يجعله قابلاً لأي نوع من التدخل وبلا قيد أو شرط.
3- تقدير روسيا الدقيق للمخاطر والانعكاسات على الداخل الروسي التي ستنجم عن إقامة نظام بديل في سوريا يرتكز على أيديولوجية إسلامية قد تنتقل عدواه إلى دول المنطقة، ويصل إلى دول إسلامية أخرى في آسيا الوسطى، فيصبح وصول شرارتها حتماً إلى المناطق الروسية ذات الأغلبية السكانية من المسلمين الذين سيشكلون عندئذ مادة صالحة للتفعيل الديني والسياسي من قبل أميركا وحلفائها واتباعها، لاستهداف روسيا في داخلها، بغرض استنزافها وإضعافها وتمزيقها، وإلهائها عن ممارسة دورها الدولي بشكل يتناسب مع طاقتها البشرية، والاقتصادية والعسكرية.
4- اختارت روسيا ظرفاً إقليمياً ودولياً ملائماً لتدخلها، وبررته بعجز التحالف، بعد عام على بدء ضرباته في سورية، في إضعاف تنظيم الدولة وفشل أميركا في تدريب شريك ميداني مقبول (المعارضة المعتدلة) وتجهيزه لمواجهته على الأرض. وللتغطية على تدخلها إلى جانب النظام،عرضت موسكو على واشنطن التنسيق في الحرب على الإرهاب في سوريا، وهو عرض لم تملك إدارة أوباما التي يمتلكها هاجس مواجهة تنظيم داعش أن ترفضه.
أما بالنسبة لآفاق هذا التدخل فبحسب اعتقادي أنه لن يؤدي إلى تغيير فارق في المعادلات العسكرية والسياسية للصراع السوري أو موازين القوى السائدة حالياً، والسبب هو أن هذا التدخل سيظل هدفه محصوراً في منع سقوط النظام وانهياره فقط، عبر الحفاظ على مناطق تمركزه الممتدة من مدن الساحل وحتى العاصمة دمشق، ولن يتجاوز هذا الهدف إلى هدف استعادة كافة المناطق التي خرجت من تحت سيطرته لصالح المعارضة المسلحة من ناحية، أو لصالح تنظيم الدولة الإسلامية من ناحية ثانية، ما يعني صعوبة تصور قيام موسكو بعمل عسكري بري في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام لتكلفته السياسية والعسكرية الباهظة، ناهيك عن كونه سيؤدي إلى إطالة أمد الصراع وما يترتب عليه من مشكلات إنسانية صعبة.
ومن حيث المبدأ ليس لدى البيت الأبيض ما يقلقه من دخول الروس وغوصهم في المستنقع السوري وقضاياه العويصة، وربما سيكون تدخلهم المباشر مناسبة لتحميلهم التبعات السياسية والعسكرية والأخلاقية لتدهور الوضع هناك، وسيلفت الانخراط الروسي أنظار الإسلاميين، ويستحوذ على نصيب من اهتمامهم ونشاطهم الدولي الذي يتركز اليوم على استهداف الولايات المتحدة وأوروبا، وفي الوقت نفسه سيراقب البيت الأبيض انتهاكات متوقعة للروس في حربهم، واستثمارها في الضغط السياسي في كافة المسائل الخلافية بينهما، عبر لعبة تبادل أدوار في مجلس الأمن، لا تبذل الولايات المتحدة خلالها مجهوداً أكثر من رفع بطاقة الفيتو الحمراء، كما فعلت موسكو طوال سنوات الثورة السورية الخمس، وترك الدب الروسي يعاني مقيداً في المستنقع الشرق الأوسطي حتى تخور قواه.