الرئيسة \  واحة اللقاء  \  التدخل العسكري في سوريا... الأخطار والتكاليف

التدخل العسكري في سوريا... الأخطار والتكاليف

29.07.2013
جوردون لوبولد

الاتحاد
الاثنين 29/7/2013
لم يتردد أعلى ضابط في القوات المسلحة الأميركية لحظة في الإدلاء برأيه خلال سؤال وُجه له حول آفاق التدخل الأميركي في سوريا، حيث أكد أن استخدام القوة لضرب أهداف مهمة داخل سوريا سيتطلب مئات الطائرات والسفن الحربية والغواصات، فيما سيكلف فرض منطقة لحظر الطيران مليار دولار شهرياً على مدى سنة كاملة. أما الخيار الآخر الذي تفكر فيه الولايات المتحدة للسيطرة على ترسانة الأسلحة الكيماوية، فيستدعي إرسال الآلاف من أفراد القوات الخاصة وعدد من الجنود.
ذلك ما كتبه رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأميركي، مارتن ديمبسي، في رسالة إلى الكونجرس، مضيفاً أن الكلفة المالية ستتجاوز مليار دولار شهرياً. وتحت الضغط الكبير الذي واجهه الجنرال ديمبسي لعرض رأيه بشأن التدخل العسكري في سوريا، أشار في شهادته أمام لجنة الخدمات العسكرية بمجلس الشيوخ، الأسبوع الماضي، إلى ما يعرفه أصلا عدد من المراقبين والمسؤولين في واشنطن، وهو أنه فيما يتعلق بسوريا لا توجد خيارات جيدة، بحيث يبقى الأمر محصوراً فقط بين السيئ والأكثر سوءاً.
وفي شهادته أمام الكونجرس استعرض ديمبسي خمسة خيارات تشمل تدريب المعارضة ودعمها، وشن ضربات جوية محدودة، وإقامة منطقة حظر طيران، واستحداث منطقة عازلة لحماية بعض المناطق داخل سوريا، وأخيراً السيطرة على السلاح الكيماوي. فهذه الخيارات من شأنها «تضييق فرص الاكتفاء بمساعدة المعارضة والتعامل مباشرة مع النظام بتكثيف الضغوط عليه»، مع احتمال انزلاق الولايات المتحدة إلى حرب أخرى بالمنطقة.
وأضاف ديمبسي في شهادته المكتوبة: «لكننا تعلمنا من تجربتنا على مدى السنوات العشر الماضية أنه ليس كافياً تغيير ميزان القوة العسكرية دون مراعاة ما يلزم القيام به للحفاظ على استمرار الدولة... لذا علينا التفكير في النتائج غير المقصودة لتحركنا».
وكما هو مفترض في نقاش محتدم في مجلس الشيوخ حول السياسة الأميركية في سوريا، عرض ديمبسي إيجابيات وسلبيات كل خيار على حدة، لكنه -فيما اعتُبر تحليلا صادقاً وصريحاً- أشار إلى الأخطار والتهديدات التي ينطوي عليها التحرك العسكري في سوريا، فمثلا تتمثل خطورة إقامة منطقة لحظر الطيران في «احتمال خسارة طائرات أميركية، الأمر الذي سيستدعي الدفع بفريق على الأرض لاستعادة ما يُفقد»، بل إن هذا الخيار «قد لا يساهم في تغيير موازين القوة على الأرض لأن النظام يعتمد على صواريخ أرض جو». وحتى فيما يتعلق بشن ضربات محدودة على أهداف بعينها داخل سوريا، يقول الجنرال إنها عملية محفوفة بالمخاطر، لاسيما أن هناك «احتمالا لصمود النظام أمام القصف المحدود من خلال توزيع أسلحته في مناطق متباعدة»، وذلك -حسب ديمبسي- في وقت يتم فيه تخفيض موازنة البنتاجون وتُحذف فيه برامج عسكرية تحد من درجة استعداد القوات المسلحة الأميركية. لكن رئيس هيئة الأركان امتنع عن الخوض في حلول بديلة أو التقدم بأفكار جديدة في جلسة علنية أمام الكونجرس، وإن اعترف بأن التدخل العسكري الأميركي في سوريا سيكون حاسماً، «فبينما نقوم بدراسة الخيارات، لابد من الاعتراف بأن استخدام القوة سيقرّبنا أكثر من أهدافنا المسطرة».
وليس واضحاً بعد ما إذا كانت المذكرة المكتوبة التي وجهها ديمبسي إلى عضوي مجلس الشيوخ، ماكين ولفين، ستدفعهما للمصادقة على تمديد ولايته لسنتين كرئيس لهيئة الأركان المشتركة، إذ يبدو أن الخيارات التي طلبها الكونجرس من البنتاجون وشهادة ديمبسي لم تجب على جميع الأسئلة، ما يبقي مسألة إعادة تثبيته في منصبه محل جدل، لاسيما في ظل الغموض الذي يلف مواقف البيت الأبيض حيال الوضع في سوريا وتأثيره على طبيعة التعليمات التي يتلقاها كبار الضباط من القيادة السياسية، الأمر الذي كان وراء عقد الكونجرس جلسة استماع للتواصل مباشرة مع الجيش ومعرفة موقف الخبراء وعلى رأسهم ديمبسي.
لكن هذا الأخير، وحتى بعد مثوله أمام لجنة مجلس الشيوخ، رفض الإدلاء برأي عسكري واضح حول التدخل في سوريا. فعادة عندما يمثل كبار الضباط أمام الكونجرس للمصادقة على تعيينهم، يُسألون حول ما إذا كانوا سيدلون برأيهم الشخصي للقيادة السياسية في حال تعارض مع المواقف الرسمية، وبالطبع يكون الجواب في مجمل الحالات لنيل المصادقة بنعم، وهو ما قام به ديمبسي نفسه، لكنه عاد في معرض شهادته ليثير الجدل، عندما بدا وكأنه تحدى السيناتور ماكين وتراجع عن الإدلاء برأيه الشخصي في المسألة السورية، فعندما توجه ماكين، المتوجس من الوضع في سوريا والمستاء أيضاً من تعامل الإدارة معه، بسؤال إلى ديمبسي قائلا: «هل تعتقد أن أخطار وكلفة عدم تحركنا في سوريا هي أسوأ على أمننا القومي مما سيكلفه التدخل العسكري؟»
رد الجنرال أنه لن يجيب على السؤال مباشرة وأنه يحتفظ بآرائه الشخصية للقائد الأعلى للقوات المسلحة، وهو أوباما، قائلا: «أيها السيناتور يجب أن تعرف أني مع دعم المعارضة المعتدلة، لكن السؤال المرتبط بشن ضربات جوية مباشرة على سوريا يبقى من اختصاص الرئيس، إنه قرار يتخذه المسؤولون المنتخبون وليس القيادة العسكرية العليا».
وفيما اعتبر بعض المراقبين أن رد الجنرال ديمبسي على ماكين يدخل في إطار التحدي، وربما يعقد مهمة المصادقة على تمديد ولايته، رأى آخرون أنه الجواب المثالي ما دام الجنرال مسؤولا فقط أمام الرئيس باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة. لكن المراقبين فضّلوا لو طلب ديمبسي عقد جلسة خاصة للإدلاء برأيه الشخصي بدل مواجهة ماكين.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»