الرئيسة \  واحة اللقاء  \  التردد الأميركي.. جعل "داعش" أخطر من "القاعدة"!

التردد الأميركي.. جعل "داعش" أخطر من "القاعدة"!

26.08.2014
د. عبدالله خليفة الشايجي



الاتحاد
25/8/2014
لعل أكثر ما هو ملفت ومثير للاستغراب والاستهجان معاً في تسونامي الكوارث التي تجتاح منطقة الشرق الأوسط اليوم هو الغياب شبه الكامل للدور الأميركي، والمشهد الإقليمي الآن صادم بكل المقاييس حيث نرى التحديات حيثما توجهنا، من غزة في فلسطين المحتلة، إلى جبال "سنجار" وسد الموصل في شمال العراق، ومن قلب دمشق وحلب وحمص إلى طرابلس وبنغازي، ومن القاهرة وظروفها الصعبة إلى طهران ودورها المرتبك! وحصاد فشل وتردد أميركا دفعها للعودة مضطرة إلى العراق، وكذلك قد ينجح نظام الأسد في سوريا، بمعنى ما، في تحويل ورقة تنظيم "الدولة الإسلامية" المعروف باسم "داعش" إلى مكسب كبير له، ليتحول، بهذه الطريقة أو تلك، إلى حليف للغرب في مواجهة الجماعات "الجهادية" بدلاً من الاستجابة لمطلب الرحيل! وهذا تحول استراتيجي محتمل، لم يكن في الحسبان لولا ظهور وتمدد ظاهرة "داعش" وأخواتها التي عزز النظام في سوريا من دورها، ولم يواجهها، ليخيِّر الغرب بينه وبينها.. والتحول الاستراتيجي اليوم أن نظام الأسد وإيران يقدمان خدماتهما مقابل أثمان. والأسد يقدم نفسه حليفاً في الحرب على الإرهاب والتطرف الإسلامي ولذلك تغيب في الذكرى الأولى لمجزرة كيماوي الغوطتين في دمشق أي مطالبات برحيله، بعد تثبيت نفسه بانتخابات صورية رئيساً لفترة ثالثة.. وكذلك تقدم إيران نفسها أيضاً من خلال توظيف ورقة "داعش" في مقدمة الجبهة الإقليمية في مواجهة التطرف الإسلامي السني ومنظماته "الجهادية" وأولها "داعش"، مقابل تنازلات ورفع للعقوبات الأميركية والغربية نظير تلك الخدمات!
ولكن هل كان لهذه التحولات الاستراتيجية أن تتحقق لو حسمت أميركا وحلفاؤها أمرهم مبكراً في عملية السلام، وفي سوريا؟ كما يفعلون اليوم بهبّـتهم لإنقاذ المسيحيين والإيزيديين في العراق، ومن خلال تزويد الأكراد بالسلاح، وشن واشنطن لغارات جوية على مواقع تنظيم "داعش" في شمال العراق، تجاوزت 100 عملية منذ بدء الغارات في 8 أغسطس 2014! وأول الانتصارات تمثل في إنقاذ الآلاف من المسيحيين والإيزيديين، واستعادة سد الموصل من مقاتلي "داعش". والسؤال لو كانت أميركا بادرت بهذه الخطوات مبكراً في سوريا بتدخل عسكري وشن غارات، خاصة بعد مجزرة الكيماوي وتجاوز خطوط أوباما الحمراء، ولو حتى من دون تفويض دولي، ولو بادرت بتزويد المعارضة المعتدلة بالسلاح النوعي، هل كانت الأوضاع لتصل إلى هذا الدرك من الانحدار؟
إن العراق مثال للإخفاق والعجز عن تحقيق أهداف الإدارة الأميركية التي شنت حرباً طاحنة ومكلفة على مدى ثمانية أعوام دموية. واليوم تعود أميركا من جديد بعد انسحابها العسكري الذي مضى عليه عامان و7 أشهر و21 يوماً، لتتدخل قسراً مجدداً في ‏العراق ‏الذي انسحبت منه قبل إنجاز المهمة. وهذا الاضطرار إلى العودة لاستخدام القوة العسكرية وقصف مواقع "داعش" في شمال العراق يأتي بسبب الفشل الاستراتيجي الأميركي في سوريا. والآن نستحضر في الذكرى الأولى لاستخدام النظام السوري السلاح الكيماوي في غوطتي دمشق ذلك التردد والفشل الأميركي في الحسم. ما ساهم في ظهور "داعش" وتمددها.
وقد لمحت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون إلى ذلك في مقابلة مهمة في منتصف شهر أغسطس الجاري مع مجلة "أتلانتيك"، وعلى الرغم من مسؤوليتها شخصياً عن السياسة الخارجية لأربعة أعوام في عهد أوباما، فقد حمّلته المسؤولية هو ومبدؤه الذي وصفته بأنه "يرتكز على ألا تقوم الولايات المتحدة بأعمال سخيفة في الشؤون الخارجية، وقد فشلت السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط وظهر "داعش" بسبب تردد أوباما وعدم دعمه للمعارضة السورية المعتدلة منذ بداية الثورة.. وهذا لا يليق بالدول العظمى.. التي يجب أن تكون لديها منظومة مبادئ واضحة ومنظمة".
ولعل مما يفاقم حالة الفشل الاستراتيجي الأميركي الذي قوى "داعش" مواقف أوباما وكبار المسؤولين السياسيين والعسكريين الذين تعاملوا باستخفاف مع ظاهرة صعود المنظمات "الجهادية" المتشددة مثل "جبهة النصرة" و"داعش" وكلتاهما خرجت من رحم تنظيم "القاعدة" الأم. وقد شبه أوباما في مقابلة مع مجلة "نيويوركر" الأميركية، مطلع عام 2014 الجاري "داعش" بفريق كرة سلة من الناشئين والمبتدئين! وذلك التصريح يناقض تصريح أوباما بعد نحر وقطع رأس الصحفي الأميركي جيمس فولي على يد "داعش" حيث حذر بقوة مؤكداً أنه "يجب أن يكون هناك تعاون وتنسيق بين الشعوب والحكومات في الشرق الأوسط لاقتلاع سرطان داعش قبل أن يتمدد". بينما علق وزير الخارجية جون كيري مؤكداً أنه "يجب استئصال داعش والخبث الذي تمثله"، وحذر وزير الدفاع تشاك هاغل ورئيس هيئة الأركان الجنرال "مارتن ديمبسي" أيضاً من أن تنظيم "الدولة الإسلامية بات يشكل أكبر تهديد تواجهه الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة".. وأن مسلحي "داعش" كما يؤكد هاجل "تجاوزوا كونهم مجرد جماعة إرهابية، فقد زاوجوا بين الإيديولوجية والاستراتيجية والقدرة القتالية، وهم ممولون تمويلاً جيداً جداً.. إنهم يمثلون ظاهرة لم نرَ مثيلاً لها من قبل!".
كما أن سوء التقويم والحسابات الأميركية الخاطئة حول سوريا والعراق و"داعش" ربما يمتد أيضاً للقادة العسكريين، فالجنرال "ديمبسي" رئيس هيئة الأركان الأميركية علق قبل أشهر مؤكداً أن "داعش" لا يتعدى كونه منظمة تشكل تهديداً إقليمياً.. مع إمكانية تحوله إلى تهديد إقليمي وعالمي!
واليوم بعد تمدد "داعش" وتحولها إلى أقوى وأغنى منظمة إرهابية في العالم بعدد 12 ألف مقاتل من 50 دولة، ضمنهم ما لا يقل عن 100 أميركي ومئات الأوروبيين، وإعلانها "الخلافة" المزعومة، عدل "ديمبسي" عن تقويمه السابق ليعلن قبل أيام، وإلى جواره وزير الدفاع من مبنى "البنتاجون" في واشنطن، أن "داعش" بات يشكل تهديداً مباشراً للغرب.. بانضمام مئات المقاتلين من أوروبا وأميركا إليه في العراق وسوريا، وإذا عاد هؤلاء المقاتلون إلى بلدانهم فقد يقومون بعمليات إرهابية! وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على سوء التقويم والحسابات الخاطئة من القادة السياسيين والعسكريين في أميركا والغرب عموماً، بتقليلهم من خطر هذا التنظيم في البداية ليتحول إلى بعبع يرعب الآن الجميع! وهكذا زاد القلق والمخاوف في الغرب من خطر وتهديد تنظيم ما كان له أن يكبر أصلاً ويتوسع ويتمدد ويجذب مقاتلين متطرفين، ويزيد من حجم الاستقطاب المذهبي والفرز السني- الشيعي، لو كان التحدي الذي يمثله قد تم التعامل معه منذ البداية بما يلزم من تدابير. وعلى ذِكر الاستقطاب المذهبي، وأنا أكتب هذا المقال عصر يوم الجمعة 22 أغسطس 2014 ترد أنباء مزعجة ومرعبة حول قيام مليشيات شيعية بفتح النيران على مسجد للسُّنة في محافظة ديالي في العراق ما تسبب في مقتل ما لا يقل عن 74 مصلياً داخل المسجد!
وفي المجمل، تستمر المنطقة، وكذلك الولايات المتحدة نفسها، في دفع فاتورة التردد وعدم الحسم الأميركي، وفي أحسن الأحوال يأتي التدخل المتأخر لمنع تفاقم الأزمات، وإدارتها وليس حلها.. ولذلك صارت "داعش" الآن أخطر من "القاعدة"! ما يهدد أمن واستقرار المنطقة برمتها، ويتطلب تعاوناً استراتيجياً لمواجهة هذا التحدي الذي حذر أوباما والرئيس الفرنسي من خطره وخطر "داعش" على الأمن العالمي كله. وقد اتخذ خادم الحرمين موقفاً حازماً ضد المنظمات الإرهابية. وطالب أوباما بتشكيل جبهة دولية متراصة تواجه خطر الإرهاب، ومخاطر التحولات الكبيرة التي تشهدها المنطقة سيوضحها الشهر القادم!