الرئيسة \  تقارير  \  التستر على دور العبودية في ولادة الولايات المتحدة‏

التستر على دور العبودية في ولادة الولايات المتحدة‏

27.08.2022
رافائيل روجرز


رافائيل روجرز* – (كونسورتيوم نيوز) 17/8/2022
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
الغد الاردنية
الخميس 25/8/2022
بينما يحاول بعض الساسة الأميركيين تكبيل المعلمين بقوانين تقييدية، يوصي رافائيل روجرز باستخدام السجلات التاريخية لإظهار ‏‏الدور الذي لعبته العبودية في تشكيل أمة‏‏. ‏
* *
من بين ‏‏جميع المواد التي يتم تدريسها في المدارس العامة في البلاد، أثار القليل منها مثل هذا القدر الكبير من الجدل الذي دار في الآونة الأخيرة حول ‏‏المواد عن العنصرية والرق‏‏ في الولايات المتحدة.‏
وجاء الاهتمام في جزء كبير منه من خلال ‏‏طوفان من مشاريع القوانين التشريعية التي طرحها الجمهوريون في المقام الأول‏‏ على مدى العام ونصف العام الماضيين. ويشار إلى هذه المشاريع بشكل عام باسم “التشريعات المناهضة لنظرية العرق النقدية”، التي تهدف إلى ‏‏تقييد الكيفية التي يناقش بها المعلمون مسائل العرق والعنصرية في فصولهم الدراسية‏‏.‏
وجاءت إحدى النتائج الثانوية الأكثر غرابة لهذه التشريعات من ولاية تكساس، حيث أوصت لجنة استشارية مؤلفة من تسعة معلمين في حزيران (يونيو) الماضي بالإشارة إلى العبودية على أنها “‏‏إعادة توطين غير طوعية‏‏”.‏
وقد فشل الإجراء ‏‏في نهاية المطاف‏‏.‏
بصفتي معلماً أدرب المعلمين على كيفية تثقيف الطلاب الصغار حول تاريخ العبودية في الولايات المتحدة، فإنني أنظر إلى اقتراح ولاية تكساس كجزء من اتجاه مزعج للسياسيين الذين يسعون إلى إخفاء ‏‏الطبيعة المروعة والوحشية للعبودية‏‏ -وإبقائها منفصلة عن ولادة الأمة وتطورها.‏
على سبيل المثال، نشأ اقتراح تكساس من العمل الذي تم إنجازه بموجب ‏‏قانون في الولاية ينص على أنه لا يمكن تدريس العبودية والعنصرية كجزء من “التأسيس الحقيقي” للولايات المتحدة. بدلاً من ذلك، ينص القانون على أنه يجب تعليم ذلك على أنه “فشل في الارتقاء إلى مستوى الوفاء بالمبادئ التأسيسية الحقيقية للولايات المتحدة، التي تشمل الحرية والمساواة”.‏
لفهم طبيعة العبودية بشكل أفضل والدور الذي لعبته في نمو أميركا وتطورها، سيكون من المفيد الاطلاع على بعض الحقائق الأساسية حول المدة التي استمرت فيها العبودية في الإقليم المعروف الآن باسم الولايات المتحدة، وعدد الأشخاص المستعبدين الذين كانوا فيه. كما أنني أؤمن باستخدام السجلات الأصيلة لكي أري الطلاب واقع العبودية.‏
قبل “ماي فلاور”‏**
غالبًا ما يتم تعقب العبودية في ما يعرف الآن باسم الولايات المتحدة وراء في الزمن إلى العام 1619. كان ذلك هو الوقت الذي أوصلت فيه سفينة تدعى “الأسد الأبيض” -كما وثق ‏‏المستعمِر جون رولف‏‏‏‏- 20 أو نحو ذلك من الأفارقة المستعبَدين‏‏ إلى فرجينيا.‏
أما بالنسبة للفكرة القائلة إن العبودية لم تكن جزءا من تأسيس الولايات المتحدة، فإن الدستور الأميركي نفسه يدحضها بسهولة. على وجه التحديد، منعت ‏‏المادة 1، القسم 9، البند 1‏‏ الكونغرس الأميركي من حظر “استيراد” العبيد حتى العام 1808 -أي بعد ما يقرب من 20 عامًا من التصديق على الدستور- على الرغم من أن النص لم يستخدم كلمة “عبيد”.
واستخدم الدستور بدلاً من ذلك عبارة “الأشخاص الذين تعتقد أيٌّ من الولايات القائمة الآن أنه من المناسب قبولهم”.‏
ثم أقر الكونغرس الأميركي في نهاية المطاف “‏‏قانون حظر استيراد العبيد‏‏”، الذي دخل حيز التنفيذ في العام 1808.
وعلى الرغم من أن القانون يفرض عقوبات شديدة على التجار الدوليين، فإنه لم يضع نهاية للرق نفسه ولا للبيع المحلي للعبيد.
ولم تقتصر التداعيات على دفع تجارة العبيد إلى تحت الأرض فحسب، بل تم أيضًا جلب العديد من السفن التي تم ضبطها وهي تتاجر بشكل غير قانوني إلى الولايات المتحدة، والتي بيع “‏‏ركابها‏‏” ليكونوا عبيداً.
ووصلت آخر سفينة عبيد معروفة -كلوتيلدا Clotilda- ‏‏إلى ميناء موبايل، ألاباما، في العام 1860،‏‏ بعد أكثر من نصف قرن من حظر الكونغرس استيراد الأفراد المستعبدين.‏
وفقا ‏‏لـ”قاعدة بيانات تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي‏”‏، التي تستمد أرقامها من سجلات الشحن في الفترة من العام 1525 إلى العام 1866، تم نقل ما يقرب من 12.5 مليون أفريقي مستعبد إلى الأميركتين.
ونجا حوالي 10.7 مليون شخص من “الممر الأوسط” ووصلوا إلى أميركا الشمالية ومنطقة البحر الكاريبي وأميركا الجنوبية. ومن بين هؤلاء، وصل جزء صغير فقط -‏‏388.000‏‏- إلى أميركا الشمالية.‏
وهكذا، دخل معظم الناس المستعبدين في الولايات المتحدة العبودية -ليس من خلال الاستيراد أو “النقل غير الطوعي”، وإنما من خلال الولادة.‏
منذ وصول أولئك الأفارقة المستعبدين العشرين الأوائل في العام 1619 وحتى إلغاء العبودية في ال‏‏عام 1865‏‏، عاش ما يقرب من ‏‏10 ملايين عبد في الولايات المتحدة، وأسهموا بـ410 مليارات ساعة من العمل‏‏.
وهذا هو السبب في أن العبودية هي “‏‏لبنة بناء حاسمة‏‏” لفهم الاقتصاد الأميركي منذ تأسيس الأمة وحتى الحرب الأهلية.‏
قيمة السجلات التاريخية‏
بصفتي معلمًا يدرب المعلمين على كيفية التعامل مع موضوع العبودية، فإنني لا أرى أي قيمة في تقييد السياسيين لما يمكن للمعلمين أن يقولوه وما لا يمكنهم قوله عن الدور الذي لعبه أصحاب العبيد -‏‏على الأقل 1.800 منهم ممن كانوا أعضاء في الكونغرس‏‏، ناهيك عن ‏‏الـ12 الذين كانوا رؤساء للولايات المتحدة‏‏- في دعم العبودية والتمسك بها في المجتمع الأميركي.‏
إن ما أراه ذا قيمة خاصة في هذا الصدد هو استخدام السجلات التاريخية لتثقيف تلاميذ المدارس حول الحقائق القاسية للعبودية. وهناك ثلاثة أنواع من السجلات التي أوصي بها على وجه الخصوص.‏
سجلات التعداد‏
‏بما أنه تم إحصاء الأشخاص المستعبدين في كل تعداد سكاني حدث من العام 1790 إلى العام 1860، تُمكّن سجلات التعداد الطلاب من معرفة الكثير حول من كان يملك العبيد على وجه التحديد. كما تمكِّن سجلات التعداد الطلاب من رؤية الاختلافات في ملكية العبيد داخل الولايات وفي جميع أنحاء البلاد.‏
وتظهر التعدادات أيضًا نمو عدد العبيد بمرور الوقت -‏‏من ‏‏697.624‏‏ خلال التعداد الأول في العام 1790، بعد فترة وجيزة من‏‏ تأسيس البلاد، إلى 3.95 مليون خلال تعداد العام 1860، ‏‏حيث كانت الأمة على وشك الانخراط في الحرب الأهلية‏‏.‏
الإعلانات عن العبيد الهاربين
ثمة القليل من الأشياء التي يمكن أن تتحدث عن أهوال العبودية وأضرارها مثل الإعلانات التي كان يكتبها وينشرها مالكو العبيد عن العبيد الهاربين.‏
وليس من الصعب العثور على إعلانات تصف العبيد الهاربين الذين كانت أجسادهم مغطاة بمختلف أنواع الندوب الناجمة عن الضرب، والعلامات التي صنعتها مكواة طبع علامات تجارية على جلودهم.‏
على سبيل المثال، تأمل هذا الإعلان الذي ‏نشره في 3 تموز (يوليو) 1823‏‏، في صحيفتي “ذا ستار” و”نورث كاروليا ستيت غازيت”، ألفورد غرين، الذي يعرض 25 دولارًا كمكافأة لمن يدل على عبد هارب يدعى “نيد”، الذي وصفه الإعلان على النحو الآتي:‏
”… يبلغ من العمر حوالي 21 عامًا، وزنه حوالي 150 باونداً، قوي البنية، ذو مظهر شرس ورشيق ونشط باعتدال، يميل لونه قليلاً إلى الصفرة، أسنانه الأمامية العلوية معيبة بعض الشيء، ولديه، كما أتوقع، بعض علامات السياط على الوركين والفخذين، حيث تم جلده بهذه الطريقة في اليوم السابق لخروجه”.‏
ويمكن الوصول إلى إعلانات العبيد الهاربين عبر قواعد البيانات الرقمية، مثل قاعدة “‏‏Freedom on the Move‏‏”، التي تحتوي على أكثر من 32.000 إعلان.
كما تحتوي قاعدة بيانات أخرى -“‏‏مشروع إشعارات العبيد الهاربين في‏‏ ولاية كارولينا الشمالية”- على 5.000 إعلان منشورة في صحف ولاية كارولينا الشمالية من العام 1751 إلى العام 1865. ويلقي العدد الهائل من هذه الإعلانات الضوء على عدد السود المستعبدين الذين حاولوا الهروب من العبودية.‏
الروايات الشخصية للمستعبَدين‏
على الرغم من قلة عددها، إلا أن تسجيلات المقابلات التي أجريت مع أشخاص كانوا مستعبدين سابقًا موجودة.‏
وبعض المقابلات ‏‏إشكالية‏‏ لأسباب مختلفة. على سبيل المثال، قام الذين يجرون المقابلات بعملية تحرير كثيفة لبعض المقابلات، أو أنهم يُضمّنوا النصوص الكاملة للمقابلات كلمة بكلمة.‏
ومع ذلك، تظل المقابلات تقدم لمحة عن قسوة الحياة في العبودية. كما أنها تكشف المغالطة في الحجة القائلة إن العبيد -‏‏كما ادعى أحد مالكي العبيد في مذكراته‏- “أحبوا ’السيد العجوز‘ أكثر من أي شخص في العالم، ولم يكونوا سيقبلون الحصول على الحرية لو أنه قدمها لهم”.‏
على سبيل المثال، عندما سئل فاونتن هيوز -سليل عبد كان يملكه توماس جيفرسون‏‏، والذي قضى طفولته في العبودية في شارلوتسفيل بولاية فرجينيا- عما إذا كان يفضل أن يكون حرًا أو مستعبدًا، ‏‏قال لمحاوره‏‏:‏
هل تعرف ما الذي أفضل فعلَه؟ إذا فكرت، وكانت لدي أي فكرة، بأنني إذا أصبحت عبدًا مرة أخرى، فإنني سآخذ مسدسًا وأنهي كل شيء على الفور، لأنك لا تكون شيئاً سوى كلب. لا تأتي أي ليلة أبدًا لا يكون لديك فيها ما تفعله. حان وقت قطاف التبغ؟ إذا كانوا يريدون منك أن تقطف طوال الليل في الحقل، فسوف تقطف. وإذا أرادوا منك أن تعلِّق التبغ طوال الليل، فإنك تُعلِّق التبغ. لا يهم أنك متعب، أو أنك تتعب. إنك تخاف أن تقول إنك متعب”.‏
من المفارقات، إذن، أنه عندما يتعلق الأمر بتعليم تلاميذ المدارس الأميركيين عن أهوال العبودية الأميركية ومدى رسوخها في المؤسسة السياسية الأميركية، فإن بعض الساسة يفضلون تكبيل المعلمين بقوانين تقييدية.
في حين أن ما يجب عليهم فعله هو منح المعلمين القدرة على التدريس بحرية حول الدور الذي لعبته العبودية في تشكيل أمة تأسست -كما ينص قانون تكساس نفسه- على مبادئ الحرية والمساواة.‏
*رافائيل روجرز‏‏ Raphael E. Rogers: أستاذ الممارسة في التعليم في ‏‏جامعة كلارك‏‏.‏
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Covering Up Slavery in the Birth of the US
هامش:
**كانت ماي فلور Mayflower سفينة إنجليزية نقلت مجموعة من العائلات الإنجليزية، المعروفة اليوم باسم “الحجاج”، من إنجلترا إلى “العالم الجديد” في العام 1620.
وبعد 10 أسابيع شاقة في البحر، وصلت ماي فلور وعلى متنها 102 راكب وطاقم من حوالي 30 فرداً، إلى أميركا، وألقت مرساتها بالقرب من رأس كيب كود، ماساتشوستس، في 21 تشرين الثاني (نوفمبر)، (أو 11 تشرين الثاني/ نوفمبر)، 1620.
وبخلاف معاصريهم، البيوريتانيين (الذين سعوا إلى إصلاح وتطهير كنيسة إنجلترا)، اختار “الحجاج” فصل أنفسهم عن كنيسة إنجلترا لأنهم اعتقدوا أنها كانت عصية على الإصلاح بسبب ماضيها الروماني الكاثوليكي ومقاومتها للإصلاح، مما أجبرهم على الصلاة على انفراد.
وابتداءً من العام 1608، غادرت مجموعة من العائلات الإنجليزية إنجلترا متوجهة إلى هولندا حيث يمكنهم العبادة بحرية.
وبحلول العام 1620، قرر المجتمع عبور المحيط الأطلسي إلى أميركا، التي اعتبروها “أرض الميعاد الجديدة”، حيث سيؤسسون مستعمرة بليموث.