الرئيسة \  واحة اللقاء  \  التسوية الإقليمية والعد التنازلي

التسوية الإقليمية والعد التنازلي

12.08.2015
د. رحيل محمد غرايبة



الدستور
الثلاثاء 11/8/2015
الاتفاق الايراني النووي يعبّر عن التوافق الدولي بخصوص التعامل مع القضايا الإقليمية، فعندما تتفق الولايات المتحدة وروسيا والصين ومعها بريطانيا وفرنسا وألمانيا على الاعتراف بالدور الايراني، فهذا يشكل مدخلاً مهما للتوافق على بقية الملفات ومنها الملف السوري والعراقي واليمني والكردي وغيرها بكل تأكيد.
هناك عدة مؤشرات أعقبت الاتفاق الايراني تشير باتجاه شروع الأطراف الإقليمية بالتكيف مع مخرجات الاتفاق الدولي، كان أبرزها التغير الذي طرأ على الموقف التركي إزاء الانخراط في التحالف الدولي، الذي تم  تشكيله لمواجهة داعش، وبدأت تركيا تدشين مسار سياسي مختلف على هذا الصعيد، سواء فيما يتعلق بالمجموعات الجهادية، أو فيما يتعلق بالتلميحات نحو إمكانية إعادة النظر في العلاقة السياسية مع الخصوم على المستوى الإقليمي، مما يدل على أن تركيا التقطت الرسالة على الفور قبل أن يجف حبر توقيع الأطراف الدولية الكبرى.
المؤشر الأكثر وضوحاً تمثل بنجاح مجلس الأمن  باتخاذ قرار إجماعي بالتحقيق في مسألة استعمال الكلور والأسلحة الكيماوية في الحرب الأهلية السورية، حيث أن المجلس فشل عدة مرات في السابق في اتخاذ هذا القرار نتيجة الموقف الروسي والصيني المعارض، مما يدل دلالة واضحة على معالم توافق غير معلن  فد تحقق فعلا فيما يخص التسوية في سوريا، بعد فشل الولايات المتحدة المؤكد وحلفائها في فرض حل من طرف واحد، وفشلها أيضاً في إيجاد البديل المناسب لنظام بشار الأسد، ولذلك ربما يكون الحل المقترح بالبحث عن صيغة مؤقتة تهيء لنظام جديد يحفظ  لروسيا دورها، وفي الوقت نفسه قادر على إيجاد علاقات معقولة مع تركيا وبقية الأطراف الفاعلة في المنطقة، ويعمل على إعادة الاستقرار لسوريا عبر صيغة انتخابات عامة مستقبلية تحت إشراف الأمم المتحدة.
الصيغة الجديدة للنظام السوري تقتضي النجاح بتطهير الأرض السورية من الفصائل المسلحة وخاصة الوافدة منها، بعد أن تنتهي مهمتها عملياً وميدانياً، وهذا يعني حتماً وقف التدخل الايراني من جهة، ووقف الدعم السعودي والخليجي في الجهة المقابلة، والشروع في تجفيف منابع "الارهاب" المصنوع عبر جهد جماعي مشترك من كل دول الجوار.
هناك حديث هامس عن  بوادر انفراج بين السعودية وسوريا، وهناك لقاءات حدثت بين وزير الخارجية الروسي مع بعض أطراف المعارضة، كما صدر عنه بعض التصريحات التي أحدثت صدمة لدى القيادة السورية عندما دعا إلى تحالف سعودي سوري تركي ضد الارهاب، مما يعني أن هناك جهوداً سوف تبذل من جميع الأطراف من أجل إحداث تغيير جوهري في طريقة الاصطفاف الإقليمي، وفي طريقة إدارة الصراع، وقد بدأت ملامح هذا التغيير تظهر بشكل متدرج، وسوف تزداد وضوحاً في الأيام القريبة القادمة.
السعودية بحاجة ماسة إلى شيء من التفرغ للجبهة اليمنية، التي تشكل مساراً استراتيجياً مهماً بالنسبة للمملكة السعودية، لأن اليمن تعد امتداداً لعمقها الحيوي والاستراتيجي أكثر من سوريا بكل تأكيد، كما أن ايران بحاجة ماسة إلى الالتفات إلى ترتيب وضعها الداخلي وفق مقتضيات الاتفاق، الذي سوف يؤدي إلى انتعاش الاتجاه المعتدل داخل القيادة الايرانية، لأن إعادة رسم العلاقة الإيجابية مع الولايات المتحدة والمحور الغربي يعد أحد الخطوط السياسية المهمة لإدارة روحاني ومؤيدية، وهذا التحسن يفرض التخلي رويداً رويدا عن الاستغراق الايراني في الشان السوري، وتقليص مساحات النفوذ الخارجي لحساب تقوية الاقتصاد الايراني الداخلي، وضرورة تحقيق  تحسن ملحوظ على مستوى المعيشة للمواطن الايراني.
سوريا سوف تشهد تغيراً ملحوظاً باتجاه التقدم نحو التسوية وربما يكون الحل الأكثر منطقية الذهاب نحو حكومة ائتلافية عمادها الجيش السوري والنخبة الاقتصادية الشامية بشكل أساسي؛ تكون قادرة على وقف الحرب وتحقيق هدنة معقولة، والشروع في بناء المرحلة الانتقالية، التي تدلف نحو مرحلة الإعمار وإعادة البناء للدولة السورية الجديدة؛ نظاماً وحكومة وأداءً سياسياً وموقعاً اقليمياً مؤثراً.
نحن في الأردن معنيوّن بقراءة المشهد الإقليمي بدقة، وقراءة التحولات الجارية على طريق التسوية، التي ترسم معالم الوجه الجديد للمنطقة، وهذا يقتضي الاستعداد نحو الانتقال الطوعي المبكر نحو الشكل الجديد المطلوب على مستوى الدولة بشمول، وشكل الحكومة القادمة، والأداء السياسي العام، والبرلمان القادم، من أجل احتلال موقع مناسب على صعيد الخريطة الإقليمية الجديدة، من خلال  بناء حالة وطنية صلبة وقوية مستندة إلى الشرعية الوطنية.