الرئيسة \  واحة اللقاء  \  التقسيم غير المعلن في سوريا

التقسيم غير المعلن في سوريا

26.09.2017
حسام ميرو


الخليج
الاثنين 25/9/2017
خلال السنوات الماضية من عمر المأزق الوطني السوري، أكد السوريون، في السلطة السياسية والمعارضات المختلفة، على تمسكهم بوحدة التراب السوري، وربما يكون هذا التمسك بعدم التقسيم هو العنصر المشترك بين خطابي النظام والمعارضة، كما أن جميع الدول الفاعلة في الملف السوري، وعلى اختلاف التضارب في أجنداتها ومصالحها، أكدت في غير مناسبة على ضرورة أن يراعي الحل السياسي مسألة وحدة البلاد، مع ترك شكل الدولة لتوافقات السوريين، مع وجود ميل كبير إلى اعتبار أن الدولة اللامركزية ستكون هي الأنسب لتجاوز العديد من المشكلات التاريخية، وتحقيق مستوى من الإنصاف لمختلف الفئات، خصوصاً لجهة اختيار ممثليها، يضاف إلى ذلك مسألة التنمية.
إن تحول الصراع الوطني من صراع سلمي إلى صراع عسكري منذ نهاية 2011، فرض جملة من المتغيّرات التي كان لها أثر كبير لاحقاً في طرح مسألة التقسيم على رأس المخاوف لدى السوريين، فقد أدى الصراع المسلح إلى خروج عدد من المدن عن سيطرة قوات النظام، وارتباط معظم الفصائل المسلحة بالخارج، نظراً لحاجتها المتزايدة إلى المال والسلاح، وهو ما تقاطع فعلياً مع مصالح عدد من الدول الإقليمية، والتي تكفّلت بدعم تلك الفصائل ورعايتها، والتأثير في قراراتها، بل وفي تحديد المعارك من حيث التوقيت والأهداف.
وفي التجربة السورية، وعلى خلاف التجربتين التونسية والمصرية، فإن "الجيش العربي السوري" أصبح جزءاً من الصراع الوطني، مؤكداً في خطوته تلك على تبعيته الكلية للسلطة السياسية، من دون أدنى اعتبار لدوره كضامن للوطنية السورية، أو الحاجة إلى حياده عن الصراع الوطني أو السياسي، وقد شكّل انحيازه منذ البداية أحد عوامل الفرقة بين السوريين، فقد أصبح في نظر المعارضة السورية، وفي نظر قسم من السوريين، خارجاً على الوطنية السورية، وأداة في يد السلطة السياسية، وبالتالي فإن المعركة مع السلطة السياسية باتت في جزء منها معركة مع الجيش نفسه.
وإذا كان التمسك الشكلي بوحدة الوطن السوري هو أحد العناصر المشتركة في خطاب النظام والمعارضة، إلا أن الواقع الفعلي يؤكد على أنهما سارا فعلياً على طريق تقسيم الوطن السوري، فاستقلالية القرار السياسي للجهات المنخرطة في الصراع هو العامل الأهم في إبقاء الصراع في أطره الوطنية، والتفريط في تلك الاستقلالية هو البوابة التي يتم من خلالها تسليم زمام القرار الوطني إلى الخارج، وبالتالي جعل التقسيم أحد السيناريوهات الموضوعة على طاولة المستقبل، وبالفعل فإن النظام والمعارضة استدعيا قوى الخارج من أجل تمكينهما في الصراع ضد بعضهما بعضاً، وقد أصبح التدخل الخارجي ملحوظاً أكثر فأكثر منذ بيان جنيف 1 في يونيو/ حزيران 2012، وبعد سنوات من ذلك التدخل، فإن الأرض السورية أصبحت تضم قوات لروسيا وأمريكا وإيران وتركيا.
وفي إطار الحلول الممهدة للحل السياسي، فإن الدول الثلاث (روسيا، تركيا، إيران) أصبحت هي الدول الضامنة لاتفاقية "خفض التصعيد"، ولكن الاتفاقية نفسها، والتي يفترض أن تمهد لحلول سياسية مقبلة، هي اتفاقية تضمن مصالح "الدول الضامنة" أكثر مما تضمن التقدم نحو حل سياسي، ولم يلعب السوريون أي دور يذكر في تحديد ملامح تلك الاتفاقية، وقد أصبح واضحاً أنهم مجرد شهود عليها، وهذا أمر طبيعي قياساً إلى درجة التبعية التي وصل إليها كل من النظام والمعارضة في سوريا.
يبدو أن الحل السياسي الشامل للصراع الوطني السوري قد أصبح وراءنا، فما تبحث عنه الدول الفاعلة على الأرض هو تحقيق مصالح استراتيجية طويلة المدى، فروسيا تحتاج إلى موضعة نفسها كقوة عظمى في الشرق الأوسط، وإيران تريد ضمان ممرها الاستراتيجي البري من طهران إلى بيروت، وتركيا تحاول منع قيام كيان ذاتي للأكراد في شمال سوريا، وأمريكا ضمنت من خلال اتفاقية الجنوب مع الروس أمن "إسرائيل"، كما بنت عدداً من القواعد العسكرية في الشمال، والقابلة للتطوير لاحقاً.
إن شعار عدم تقسيم سوريا أصبح شعاراً فارغاً من مضامينه الحقيقية، والتمسك به من قبل أمريكا والدول الثلاث الضامنة هو تمسك شكلي، وما هو مهم بالنسبة لهذه الدول تأمين تفاهمات فيما بينها بالدرجة الأولى حول حدود النفوذ والمصالح، وفي هذا الإطار نفسه يمكن فهم آليات حسم ما تبقى من معارك أو عوائق، خصوصاً في الرقة ودير الزور وإدلب، وهي المعارك التي سترسم حدود المصالح بين الدول المنخرطة في الصراع السوري، وتحدد موقع القوى المحلية في خريطة تلك المصالح، وفي كل الأحوال فإذا كان تقاسم سوريا يجري بشكلٍ حثيث، فإن إعلان التقسيم سيحتاج الكثير من الوقت والمعارك الإضافية.