الرئيسة \  واحة اللقاء  \  "التهديد الجهادي" وإفشال "جنيف-2"

"التهديد الجهادي" وإفشال "جنيف-2"

29.01.2014
ترودي روبن


الاتحاد
الثلاثاء 28/1/2014
في رحلة قمت بها الشهر الماضي إلى الحدود السورية التركية، التقيت صحفياً سورياً شاباً ينتمي إلى المعارضة يُدعى عدنان حداد، كان قد فر لتوّه من حلب عندما أصبح هدفاً لكل من النظام ومسلحي المعارضة.
وعندما بدأت المحادثات أخيراً في سويسرا يوم الأربعاء الماضي بين النظام السوري والمعارضة، جذب انتباهي مشادة كلامية بين حداد ووزير الإعلام السوري عمران الزعبي.
وفي مؤتمر صحفي طلب حداد من الزعبي التعليق على إلقاء براميل متفجرة قاتلة من طائرات النظام على المناطق المدنية في حلب، وحسب "نيويورك تايمز"، رد الزعبي قائلاً: "إن هذا النوع من الأسئلة تطرحه إذا كنت مؤيداً للجماعات الإرهابية". ويكشف هذا التراشق عن السبب في أن محادثات "جنيف 2" ترنو إلى الفشل، وأن الجماعات الإرهابية ستزداد قوة في سوريا طالما ظل الأسد متشبثاً بالسلطة.
وتوضح تصريحات الزعبي عزم النظام تحويل المحادثات بعيداً عن أية مناقشة بشأن استبدال الأسد، وتسليط الضوء على فكرة أن الغرب يحتاجه من أجل محاربة الإرهابيين. غير أن ما لم يقر به الزعبي أن قتل وتعذيب المدنيين عزز ودعم تهديد "الجهاديين". وخلال الأشهر الأولى من الثورة، قمع النظام مئات الآلاف من المتظاهرين السلميين الذين سعوا إلى إصلاح سياسي، وليس ثورة، ومنذ ذلك الحين، تستخدم الحكومة أساليب شنيعة. وأظهر أرشيف يحتوي على 55 ألف صورة، سربت مؤخراً من سجون الأسد، أشلاء 11 ألف شخص تعرضوا للتجويع والتعذيب.
وحتى الآن، لم يتم التأكد من صحة جميع الصور التي سربها مصور شرطة انشق عن النظام، لكنها تضاعف تقارير لا حصر لها عن جرائم مماثلة ضد آلاف من المعتقلين في سجون النظام، نقلها ناجون أو وثقتها جماعات حقوق الإنسان.
ولم يترك الأسد مساحة للثوار المدنيين مثل حداد، الذين لا يريدون حكماً ديكتاتورياً أو نظاماً راديكالياً. وحداد، البعيد كل البعد عن أن يكون مؤيداً للإرهاب، يمثل أفضل الشباب وأكثرهم إشراقاً في سوريا، الذين دمر القتال مستقبلهم، فقد ترك وظيفته الآمنة والقوية كمستشار مالي في إحدى الدول الإقليمية عام 2012 ليصبح ناشطاً إعلامياً في حلب، حيث يخاطر الصحفيون بأرواحهم لنقل تقارير عن جرائم الحرب ضد المدنيين من قبل النظام أو المتطرفين.
وفرّ حداد من حلب بعد أن أعلنت الدولة الإسلامية في العراق وسوريا "داعش"، التابعة لتنظيم "القاعدة"، الحرب على النشطاء الإعلاميين وشنت ضدهم عمليات خطف وقتل.
وأثناء تناول القهوة الشهر الماضي في فندق "سيرهان" في مدينة "جيزانتب" على الحدود التركية، شرح لي حداد السبب في أن المليشيات المتطرفة ـ والجهاديين مثل "داعش" ـ نمت بقوة. وأخبرني أنه عندما بدأت الثورة وخرج مئات الآلاف إلى الشوارع، ربما كان الناس سيوافقون على ترك الأسد السلطة بعد عام 2014، حسب الموعد المفترض لإجراء انتخابات، لكن بعد أن رأوا الدبابات والحوامات والمذابح والأعمال الطائفية، شعر الناس بأنه إما أن يَقتلوا أو يُقتلوا.
وأضاف: "في ظل الحصار، تسامح السوريون مع الميلشيات المتطرفة، لأنهم وصلوا بالأموال والأسلحة والتنظيم الجيد، وعندما أخفق الغرب في تقديم المساعدات إلى الميلشيات غير المتطرفة، لم يكن أمام المدافعين عن قراهم ضد بطش جنود النظام سوى خيارات ضئيلة".
وتابع: "احتاج الناس إلى الأسلحة، ومن هنا بزغ نجم المتطرفين".
وفي الحقيقة، أحجم النظام بشكل كبير عن ملاحقة جماعات مثل "داعش"، التي ترتبط قياداتها بعلاقات قديمة مع أجهزة الاستخبارات السورية. ومثلما يشير المتهكمون، يرحب النظام السوري بنهوض الجماعات الراديكالية كي يؤكد للسوريين أن الأسد هو الخيار الأفضل.
وذكر حداد: "أن النظام يطلق سراح أكثر الجهاديين خطراً من سجونه، كي يبدأوا حرباً دينية".
ومن الواضح أن نظام الأسد سيستغل التهديد "الجهادي" كي يرفض التسوية في جنيف، بينما ينمو الجهاديون بقوة في سوريا، وبدعم من موسكو وطهران، سيرفض الرئيس السوري التعاون في محادثات السلام، ويحاول إجراء انتخابات زائفة.
------
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي. إنترناشونال"