الرئيسة \  واحة اللقاء  \  التوافق الدولي الاستباقي حول سوريا

التوافق الدولي الاستباقي حول سوريا

04.11.2015
د. صالح ارشيدات



الرأي الاردنية
الاثنين 3/11/2015
في المعارك والحروب عامة، هناك رابحون وهناك خاسرون ومن هذه المعادلة بالذات تخرج اطارات التحالفات للمنتصرين، والتنازلات للخاسرين لاطراف الصراع او اطراف الحروب. فالرابحون وقبل انتهاء المعارك نهائياً بقليل، وفي سلسلة من اللقاءات السرية والعلنية، يحددون الية توزيع الغنائم من الحروب، وكذلك حجم التنازلات المطلوبة من الخاسرين، هكذا جرى في التاريخ ومعاركه الكثيرة.
فالحرب العالمية الاولى قبل 100 عام، شهدت توافق الرابحين، في باريس ولندن، على اخراج امبراطوريات من التوازن الدولي، مثل المانيا القيصرية والدولة العثمانية والامبراطورية النمساوية، وحددوا من يدخل بدلاً من ذلك، فدخلت روسيا البلشفية والولايات المتحدة الامريكية وولدت فكرة انشاء الدولة اليهودية في فلسطين، وفشلت فكرة ولادة الدولة الكردية في الاناضول التركية.
وفي الحرب العالمية الثانية تم اقتسام مناطق النفوذ وحدوده، وتم في جزيرة يالطا وبوتسدام المانيا، تحديد اطارات الهيمنة الجغرافية والسياسية والثقافية للمنتصرين (تقاسم المانيا بين المنتصرين-والحرب الباردة) وحدد الرابحون للحرب من جديد، مجموعة من الدول والقوى لتحل محل المنهزمين في النظام العالمي الحالي. الحرب المذهبية والاهلية الحالية المستمرة منذ اربع سنوات في الاقليم العربي، بعد تداعيات مارثون الربيع العربي، اوشكت على الانتهاء، بعد توقيع الاتفاق النووي بين دول العالم 5الاثنين 3/11/20151 وايران، ضمن صورة لنتائج هذه الحرب، غير واضحة للاطراف العربية المشاركة في الصراع، فالاطراف المتنازعه الكبرى، تدعي انها لم تخسر المعركة النهائية، لا بل تشعر ايران وحلفاؤها سوريا وايران وحزب الله وحركه الحوثيين، ان توقيع الاتفاق النووي جاء لصالحها، وبالتالي لم تحسم نتائج الحرب المذهبية بشكل واضح وجلي، ولم يحدد الفائز ليحدد شروطه النهائية، بالحرب على الارهاب والدول الداعمة له.
- ان دخول روسيا على خطوط المواجهة العسكرية ضد داعش، جاء بعد توقيع الاتفاق النووي مباشرة، وجاء ضمن توافق دول 5الاثنين 3/11/20151 وايران ضد تنظيم داعش، وهو ليس صدفة، ويظهر ان حدوده الجغرافية والفعلية فاجأت الجميع وشكلت خطرا على التواجد الجوي العسكري الاميركي حيث تم التنسيق بينهما، وحيدت مشاركة روسيا بالحرب، تركيا المترددة بالمشاركة الفعلية بالحرب ضد الارهاب اوضد سوريا، بسبب الاضطرابات الكردية التي يثيرها حزب العمال الكردي والتي تنظر اليها تركيا انها اخطر عليها من تنظيم داعش.
- قرار الولايات المتحدة الاميركية المتاخر بارسال قوات خاصة برية لمقاتلة تنظيم داعش، جاء مشوشا لموقف الولايات المتحدة الاميركية المتردد في الشرق الاوسط ومن موقفها من الحرب المذهبية في المنطقة والحرب على داعش، فهي تريد ان تشرف بالحد الادنى على تنظيف الساحة من ادوات التنظيم الاسلامي داعش.
- ان توقيع الاتفاق النووي، اعطى ايران شعورا بانها انتصرت تفاوضيا، وانها اصبحت لاعبا دوليا في الاقليم يستطيع ان يلعب دور الشرطي اذا توافقت مصالح الولايات الاميركية مع ذلك، كما يمكن ان تلعب دورا سياسيا مع روسيا في حل الملف السوري واليمني ضمن معادلة اوسع في الاقليم يشمل القضية الفلسطينية وتداعياتها المختلفة.
- ان موقف الدول العربية تجاه الحرب المذهبية والحرب على ايران، وخفايا الاتفاقات الجديدة في فينا مختلط، له مساران واضحان، الاول دول عربية تريد الانتقام من الاسد اولا، ومن تدخل ايران الديني في شؤون الدول العربية ثانيا، ودول تريد الخروج من معادلة الاصطفافات العربية خوفا من مفاجات نتائج التوافق الدولي حول الاقليم وحول سوريا بالذات وتداعياته لاحقا على دولهم.
- مباحثات الاطراف المتنازعة في العاصمة فينا حاليا يسودها الاضطراب والغموض، وخصوصا بعد دعوة الولايات المتحدة الاميركية ايران الى مباحثات ايجاد حل للموضوع السوري، والذي شكل خيبة امل للعربية السعودية ودول الخليج واسرائيل، كما انه يعكس مستقبل دور ايران في النظام العالمي الجديد، وتحويلها الى قوى عظمى تدريجيا ولاعب اساسي في الاقليم، حيث تعتقد اميركا ان ايران عامل اسقرار قادر على احداث توازن امام السيطرة السنية في الاقليم الشرق اوسطي، وقد تحمل معها ملفات صعبة اخرى مرتبطة بالصراع العربي الاسرائيلي وفي اليمن.
- الموقف في مباحثات العاصمة فينا واضح للاطراف الكبرى، بان الحل في سوريا ليس عسكريا وقد فشل سابقا، الحل هو حل سياسي سلمي ضمن التصور الايراني المعدل للتصور الروسي للازمه في سوريا، والقائم على وجود دور للاسد والنظام في هذه المرحله الحالية، التي تتطلب اولوية الحرب على الارهاب، والحفاظ على وحدة سوريا، حيث يسود توافق عام بين الفرقاء ان الحرب على تنظيم داعش القوي يتطلب حملة مشتركة ومنسقة تشنها عدة دول في المنطقة من جيوش ومليشيات ودول بما فيها ايران والجيش السوري النظامي.
- تبرعت روسيا وقد تتبرع ايران لاحقا وبموافقة دولية غربية، بالحرب على الارهاب بريا، والحرب على تنظيم الدولة الاسلامية داعش، واخراجها من سوريا والعراق، والسؤال، ماذا سيحل بالتنظيم ومكوناته واسلحته، والى اين ستذهب قواته وانصاره القادمة من دول العالم كله، وهل ستتكرر قصة مصير تنظيم القاعدة في افغانستان من جديد بعد خروج السوفييت من هناك.
- اذا افترضنا ان ما يجري في الاقليم العربي من اقتتال وحروب بالوكالة، هويخدم دولة اسرائيل ومصالحها، ويعزز من غطرستها العسكرية في القدس وفي الضفة الغربية كيف تفسر الدول العربية اليوم بقاء التهديد الايراني وحلفائه حزب الله، قويا ومعترفا به من دول العالم كله بعد الاتفاق النووي معها، يشكل تهديدا لدولة اسرائيل، وهويمثل توازنا جديدا للقوى في الاقليم وحول حدود دولة اسرائيل، غير البعيدة عن صواريخ حزب الله. لا يفسرالا اذا كان هناك اتفاق من ضمن الاتفاق النووي ل5الاثنين 3/11/20151 مع ايران بوجود دور جديد لايران تجاة كل الاقليم العربي وملفاته المتعددة، وبموافقه القوى العظمى، بما فيها روسيا تحديدا وعلم اسرائيل المسبق، انه بداية النظام العالمي الجديد.
- هذا يعني ان المعركة والصراع المجتمعي في الاقليم العربي لم تنته بعد، فالعالم الغربي لا زال ينظر الى المجتمعات والانظمة العربيه بانها رجعية فاشلة وبحاجة لاصلاح وتغيير، فالنظام العربي الحالي معطل نهائيا لاخذ اي دور جديد، وهناك سقوط ظاهر للدولة الوطنية السيادية بعد الاستقلال، حيث المجتمعات السكانية غير متماسكة، ومفهوم المواطنة والعدالة الاجتماعية ناقص وبحاجه الى تعزيز وترسيخ، الامر الذي سهل عمليه التهجير وادى الى تفريغ سكاني مذهبي مستمر لمناطق في الاقليم العربي، وهناك حديث دائم عن شرق اوسط منغلق على نفسه لا يمارس تعزيزا للتعددية والمكونات الثقافية، وضعيف المشاركة السياسيه لممارسة الضغط الشعبي لاجراء عمليات اصلاح شاملة وخصوصا في التعليم والخدمات، ويهيء البيئة لخلق حواضن للتطرف والارهاب، وحديث عن ضرورة حل مشكلة الاكراد العرب في الاقليم بعد ان حدثت قلاقل في تركيا والعراق،
فالحديث عن شرق اوسط جديد، تتبناه دول G8 (وتشمل اوروبا واميركا واليابان وغيرها)، يزيل كل المعوقات امام حركة ومشاركة المواطنين في الحياة العامة وفي خلق مجتمعات مدنية تعددية ثقافية، غير متعصبة للمذاهب والتطرف تتمتع بالمواطنة الدستورية والعدالة الاجتماعية والتنمية الشاملة المستدامة.
- وهذا يحمل تفسيرين للمنطقه العربية الضعيفة امام اعادة تشكيل النظام العالمي للشرق الاوسط الجديد، دون مساهمات عربية، الاول ان ما عجزت عن تحقيقه مجموعة القوى الدولية المتصارعة في الاقليم حاليا، قد فوضت ايران الجديدة اللاعب الاقليمي الجديد بالقيام بالمهمة بالنيابة عنها، والتفسير الثاني ان الولايات المتحدة الاميركية قد تخلت نهائيا عن استرتيجيتها وتواجدها القريب في الشرق الاوسط، وتركت الصراع المذهبي والاجتماعي والثقافي في الاقليم للاقوى، لاعادة تشكيله من جديد مهما كانت النتائج كارثية.
- على الدول العربية المنشغلة بالحرب في الاقليم، وخصوصا المملكه العربية السعودية، وهي الاقدر، والتي لها انصار ومؤيدون على الساحة العربية والاسلامية، عليها ان تبادر الى صحوة عربية واعادة الامل وتدعو الاشقاء العرب اولا الى عملية تقييم جديدة للاوضاع السائدة والتداعيات في المنطقة، وعليها ان تبادر مع الاردن ومع مصر العربية والمغرب العربي، الى لم الشمل ووحدة الموقف العام مما يجري، والى البدء في بناء التحالفات الجديدة لرسم الاطار العام للنظام العربي الجديد، لحين عودة الحياة لدولنا وشعوبها الجريحة من جديد، اذ انه بدون ذلك ستذهب ريح اي دولة وطنية وانجازاتها المتراكمة، امام متغيرات وقيم انسانية عالمية متداولة مكتوبة، نراها قادمة لا محالة.