الرئيسة \  واحة اللقاء  \  التوافق السعودي التركي والإنقاذ السوري

التوافق السعودي التركي والإنقاذ السوري

24.03.2015
مهنا الحبيل



اليوم السعودية
الاثنين 23-3-2015
في الخامس عشر من مارس آذار مرت بنا الذكرى الرابعة للثورة السورية والتي تُذكّر بأكبر قضايا العصر غبناً في التاريخ الإنساني الحديث وخاصة في ألفيته الثالثة، وقد أطلقت عدة شخصيات ومؤسسات نداء الموجة الثانية للثورة السورية لجمع الكلمة وتوحيد الصف واستدعاء كل دعم عربي وإنساني شريف لإنقاذ هذا الشعب من هجوم التحالف الإرهابي عليه، والذي تقوده إيران ومن سطوة تنظيم داعش الذي اخترق الميدان عنوة وزادت جرائمه من مآسي الشعب الجريح.
ولقد تزامن ذلك مع اختتام القمة السعودية التركية التي عُقدت بجلسة مباحثات واسعة في الرياض خلال زيارة الرئيس أردوغان ولقائه بخادم الحرمين في سياق متوقع لتنظيم الملفات والأولويات في السياسة السعودية.
وتعزز التوافق على الملف السوري خاصة مع صعود قلق تركيا الشديد من تغول الإيرانيين في ملفات واسعة على تماس من أمنهم القومي مباشرة، وتأثير الصراع السياسي الشرس في سوريا ودور إيران المباشر كشراكة عسكرية وسياسية كبرى مع نظام الأسد، ونفوذ إيران الخطير على أكراد سوريا، ومزجه بالملف الداخلي لتركيا، ثم وجود ملف داعش وكوباني في شراكة مزدوجة بين طهران وواشنطن، خاصة في الميدان، وهي النقطة المهمة.
ولكون قلب المشروع الإيراني التوسعي هو سوريا، فقد تم التأكيد عليه في القمة، وهو أهم ملف إقليمي حساس في ظل تقدم النظام وتهديده الماثل لإسقاط حلب، وبالتالي تصفية الثورة السورية نهائيا عبر وجبات مذابح كبرى تُنفذ من جديد.
وسواء تم تسلم حلب عبر نتائج جهود ديمستورا أو انهيارات عسكرية جديدة للثوار، فإن الخلاصة واحدة في نتائج هذه التصفية على بقية الشعب المنهك، ثم على المنطقة إثر اعلان امبراطورية إيران الكبرى الممتدة في عمق المشرق العربي.
غير أن الطريق إلى إعادة تنظيم الثورة السورية، ليس بالأمر الهيّن، كبوابة مهمة للدعم والوصول الى نتائج ملموسة تقود إلى النصر، أو ارغام النظام على الانسحاب والتنازل السياسي القهري، ورغم مسؤولية الأطراف العربية حين ضَعُف التمويل أو غاب في توقيت مهم حساس، كان لدى الثورة قدرات لحسم المعركة بجسم اجتماعي رمزي توحدي، إلا أن المشكلة اليوم مع غياب الدعم والمنطقة الآمنة للمدنيين هي في واقع ميدان الثورة ذاته.
وأول مسؤوليات التغيير الملموس هو تغيير هذه الحالة الممزقة في ميدان الثوار وتنسيق وضعها ودمجه في تصور سياسي محدد عبر إعادة تفعيل المجلس الوطني السوري أو ببناء آخر، بخريطة اتفاق واضحة المعالم ومنظمة للعلاقات بين العسكري والسياسي وتسليم من يُختار للقيادة الزمام الفعلي للتوجيه.
وهنا يُطرح سؤال مهم، وهو هل لدى الرياض وأنقرة قدرة على التأثير اللوجستي المهم في ساحات القتال لتوحيد القيادة بين فصائل الثوار الإسلاميين والوطنيين والمجموعات السلفية المعتدلة والتي تنتمي لبنية الشعب وبناء الثورة الأصلي وليس الجماعات العابرة للحدود أو المتطرفة.
وإجابة عن هذا السؤال نقول نعم.
ودخول الرياض وأنقرة على هذا الملف اللوجستي الذي يَعبر بطريقة غير علنية، قادر على التأثير ومساعدة كل المجموعات للتقارب، وليس المقصود أن تنخرط كل مجموعة في البناء العسكري الموحد، وإنما المقصود أن تتشكل جبهة مركزية بقيادة واحدة من تشكيلات صلبة فيكون الميدان قادرا على دفع إيران وتشكيلات النظام والميلشيات المنوعة عن مناطقه وبالتالي صمود الثورة واستعادتها زمام المبادرة.
إن من المؤكد أن هذه الأمور ستتم عبر السوريين أنفسهم، لكن مستوى الضياع والتشتت والتشرذم الذي يحبط اليوم الشعب السوري وهو يستمر في النزيف، يحتاج إلى قوى مؤثرة خارج الحدود وفي الدعم الاجتماعي والثقافي للثورة، وهي جهود وقوى دول وليس أفراد أو مشايخ مخلصين ، رأينا كيف توالت النكبات والانقسامات بعد تدخلهم، واصرارهم على التمسك بقرار المرجعية الدينية للثورة من خارج الانسجام الإسلامي السني السوري.
فقدرات الدول تختلف، وحين تتحد على رؤية دعم لا جدول صراع وتنافس فبالإمكان تسخيرها لمصلحة الشعب السوري، وقد يسأل سائل ماذا عن داعش في سوريا؟
ونقول إن داعش في سوريا ورغم أنها لا تخوض معارك شرسة مع التحالف في سوريا إلا في كوباني، ولديها مساحة مسترخية في جبهات أخرى، إلا أن تراجع نفوذها واضح لا يُغيره الإنتاج الإعلامي المذهل الذي ينفذه جناحهم المعنوي القوي من المتطوعين من بين 1200 مليون مسلم.
وقد يتشظى داعش وتتوسع انشطاراته في مناطق أخرى في العالم الإسلامي، لكنه سيتراجع في سوريا والعراق لحساب صفقة إيران والغرب، فيخسر المشرق بصعوده وخسارته، فيما تنظيم صفوف الثورة السورية وإعادة بنيانها، سيقطع الطريق على هذا المشروع فتخرج سوريا بأمل الإنقاذ، وتوقف تداعيات انهيار الشرق وتفتته الكبير.
كاتب وباحث إسلامي ومحلل سياسي