الرئيسة \  واحة اللقاء  \  التَحول الجديد في السياسة الأميركية

التَحول الجديد في السياسة الأميركية

16.11.2013
د. أحمد عبد الملك


الاتحاد
الخميس 14/11/2013
منذ تَردُّد أوباما في توجيه ضربة قاصمة ضد النظام السوري في شهر أغسطس الماضي، على إثر استخدام النظام السوري للسلاح الكيماوي ضد شعبه، زادت التكهنات بأن الولايات المتحدة قد أعطت ظهرها للعرب لحسم النزاع في سوريا، في مقابل "بشاشة" الوجه تجاه إيران، رغم كل الدلائل التي تشير إلى تورطٍ إيراني في الحرب الدائرة في سوريا.
الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الأميركي (جون كيري) إلى منطقة الشرق الأوسط لم تفرز الكثير مما يأمله العرب أو السوريون على وجه الخصوص، لأن طابع المجاملة قد غلب عليها، فظهرت عبارات "ضبابية" لم تعكس لغة الحسم الذي تعوّد عليه العالم من الإدارات الأميركية في التعامل مع القضايا الدولية الشائكة، خصوصاً تلك المتعلقة بقهر الشعوب واستبداد الحكومات.
الوزير الأميركي – بعد لقائه العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز – أكد على عدم وجود خلافات بين بلاده والسعودية، وأن الإدارة الأميركية "تعتبر السعودية شريكاً أساسياً وقوة إقليمية لابد لنا من استشارتها في القضايا التي تهم الشعبين". وخلال اللقاء شرح (كيري) قرار (أوباما) تقليص التدخل العسكري الأميركي في سوريا، وأعاد تأكيده للالتزام الأميركي القوي بدعم مصر. وحول جديد العلاقات الأميركية/الإيرانية نفى الوزير الأميركي "الشائعات" حول قبول أميركي لصفقة مع إيران لا تضع النقاط على الحروف، مضيفاً: "لن تسمح الولايات المتحدة لإيران بامتلاك سلاح نووي".
وخلال المؤتمر الصحفي مع وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل، نفى كيري وجود أية اختلافات بين الطرفين، وأن عدم اتفاق الأصدقاء دليل على الاعتراف بوجود خلافات تكتيكية بحتة وليست على الأهداف. وفي الوقت الذي تحاول فيه الولايات المتحدة كسر الجليد في علاقاتها مع إيران، أحيا الآلاف من الإيرانيين الذكرى الـ 34 لاحتلالهم السفارة الأميركية بعد الثورة في طهران، ورفعوا شعارات (الموت لأميركا)، في حين أكد الرئيس الإيراني أن حكومته "غير متفائلة" بما ستتمخض عنه مفاوضات جنيف المقبلة حول الملف النووي الإيراني، فيما أعلن وزير الخارجية الإيراني أن بلاده "لن تسمح للمفتشين الدوليين بتفتيش موقع بارشين العسكري في أي وقت للتأكد من التقارير المتعلقة بإجراء اختبارات على أسلحة نووية"، مشيراً إلى "أنه يمكن السماح بتفتيش الموقع في المناخ السياسي الملائم". واشترط عراقجي بأنه "على الدول الست ( 5الخميس 14/11/20131) في جنيف أن تعترف أولاً بحق إيران في امتلاك تكنولوجيا نووية مدنية، ورفع بعض العقوبات، قبل السماح بإجراء التفتيش "مؤكداً" لن نتوصل إلى حل من دون تحقيق هاتين النقطتين".
معلوم أن إيران تحتل المرتبة الدولية الخامسة في احتياطي النفط والمرتبة الدولية الثانية في احتياطي الغاز ، وهي ثالث دولة – عالمياً – في إنتاج النفط والغاز، ونتيجة للعقوبات الدولية فقد انخفضت صادراتها من النفط الخام بما حجمه 1.5 مليون برميل يومياً عام 2012، ورغم ذلك ظلت من الدول العشر الأولى في تصدير النفط في نفس العام. إلا أن العقوبات الدولية تحول دون توافر الاستثمارات والتكنولوجيا المطلوبة لمزيد من الاكتشافات في مجال النفط والغاز، وهو ما أدى إلى زيادة التضخم والبطالة في البلاد.
فهل تسعى الولايات المتحدة إلى "بديل" استراتيجي نفطي في المنطقة يحقق أهدافها، ولربما يزيل الصورة التي تم نشرها في العالم حول "الشيطان الأكبر"؟! مهما كلفها ذلك من "تدهور" علاقاتها مع حلفائها الرئيسيين في المنطقة؟
من المعلوم أن البيت الأبيض قد ضغط باتجاه تأجيل لائحة العقوبات على إيران، والمفترض أن تقترع عليها لجنة مجلس الشيوخ الشهر الماضي، على أساس انتظار نتائج المفاوضات حول برنامج إيران النووي في جنيف، ذلك أن الكونجرس قد بدا أكثر تحمساً تجاه فرض عقوبات صارمة على إيران، إلا أن الإدارة الأميركية ارتأت إعطاء الموضوع مزيداً من الوقت لإنجاح مفاوضات ( 5الخميس 14/11/20131) في جينف، والتي من المفترض أن تكون قد عَقدت اجتماعاتها يومي 7-8 نوفمبر.
وكان نائب الرئيس الأسبق ديك تشيني قد صرّح في شهر أكتوبر الماضي بأنه لا يثق في إدارة أوباما فيما يتعلق بتناولها لملف إيران النووي، وأعاد إلى الأذهان ما سبق وطرحهُ من أن العقوبات ضد إيران غير مجدية، وأن الحسم العسكري هو الوسيلة الأنجع في التعامل مع إيران ! وأشار تشيني إلى أنه لو تم توجيه ضربة عسكرية لسوريا عام 2007 ، فإنها ستكون رادعاً لإيران كي توقف برنامجها النووي، وسيكون للولايات المتحدة موقف أكثر قوة في المناقشات مع إيران، مضيفاً "لو أزلنا المفاعل النووي السوري آنذاك لأرسلنا رسالة واضحة لإيران ، ولرسمنا الخط الأحمر".
إن الخلافات بين البيت الأبيض والكونجرس قد ألقت بظلالها على السياسة الأميركية الخارجية، وأن أوباما قد بدا أكثر ميلاً نحو "تجميل" الوجه الأميركي في عيون الأميركيين والعالم، وذلك بنزوعه نحو "كبح" جماح الآلة العسكرية الأميركية ونَهمِ تدخلها في كل بؤرة في العالم ، وبناء علاقات أكثر هدوءاً حتى مع الخصوم. ولكن يبقى السؤال: هل من مصلحة الولايات المتحدة أن تصادق "خصوم" أصدقائها؟ خصوصاً في ظل شواهد دامغة بأن هؤلاء "الخصوم" يدعمون اتجاهات راديكالية لا تتفق مع المبادئ الجيفرسونية، التي تستند لها الأخلاقيات الأميركية في التعامل مع الآخر.