الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الثورة الأبهظ ثمناً دموياً .. التعويض فقط في خلاص السوريين

الثورة الأبهظ ثمناً دموياً .. التعويض فقط في خلاص السوريين

09.09.2013
ماجد كيالي



المستقبل
الاحد 8-9-2013
لم تكن المجزرة المروعة في الغوطتين الأولى من نوعها، فقط تميزت هذه المجزرة بأنها الأكبر بين مثيلاتها، وبأن السلاح المستخدم فيها محرّم دولياً، حتى بين الجيوش المتعادية والمتحاربة، وبأنها استجرّت ردود فعل دولية، غير مسبوقة، قد تحدث فرقاً في مسار الصراع المرير الجاري في سوريا وعليها، منذ عامين ونصف.
ففي مناطق الغوطتين، شرقي وغربي دمشق، استشهد نحو 1400 من السوريين، في يوم واحد (21/8)، بواسطة القصف بصواريخ محمّلة بمواد كيماوية، منهم 399 في زملكا، و261 في حمورية، و 168 في دوما، و151 في كفر بطنا، و100 في المعضمية، و70 في سقبا.
ويتبيّن من تفحّص خريطة المجازر الجماعية، والتي ارتكبتها بعض الوحدات العسكرية التابعة للنظام، أو جماعات الشبيحة، في الثلاثين شهراً الماضية، أن ثمة عشرات المجازر. ومثلاً، ثمة مجزرة ذهب ضحيتها اكثر من 400 من السوريين في جديدة عرطوز جنوبي دمشق (نيسان 2013)، ومجرزة راح ضحيتها أكثر من 300 شخص في حمص (شباط 2012)، وثلاثة مجازر قتل في كل واحدة منها أكثر من 200 شخص، في تريمسة وداريا (تموز وآب 2012) وفي البيضا (أيار 2013)، و 13 مجزرة ذهب ضحية كل واحدة منها أكثر من مائة شخص، في جسر الشغور (حزيران 2011) وكفر عويد (كانون الأول 2011)، وفي دمشق وحمص وحلب والحولة والديابية وداريا (2012). أيضاً، ثمة 58 مجزرة لقي في كل واحدة منها أكثر من 50 شخصاً مصرعهم، جرت في القبير والمعضمية وقطنا ودوما وزملكا وداريا وحمص وإدلب ودمشق وحلب (2012) ودير الزور وحماه (2011)، ونحو 153 مجزرة لقي أكثر من 25 شخصا مصرعهم في كل واحدة منها في مختلف مدن سوريا وأريافها، أغلبها في العام 2012.
المروع أن هذه المجازر ترتكب بعد قيام النظام بقصف المناطق المعنية بالطائرات، أو بالمدفعية والصواريخ، وبحجة وجود الجماعات المسلحة التابعة للجيش الحر فيها، كما انها ترتكب غالبا بواسطة القصف بالبراميل المتفجرة، أو بالقذائف الصاروخية، كما بالرش الجماعي بالرصاص، أو بالقتل بالأسلحة البيضاء، بعيدا عن نظر الاعلام، ومن دون تمييز، وعلى أساس الهوية الطائفية.
وبالإجمال، وبحسب بيانات الأمم المتحدة، فقد لقي 110 آلاف شخص مصرعهم خلال الثلاثين شهراً الماضية في سوريا، بمعدل قدره 3700 شخص شهرياً، معظمهم قتل بواسطة القصف الأعمى للمناطق السكنية من الجو والبر، بواسطة الطائرات والدبابات والمدفعية بمختلف أنواعها، ما يفسّر هذا العدد الكبير، وهذا الحجم المهول من الدمار، وتشريد ملايين السوريين داخل سوريا وخارجها.
واستطاع "مركز توثيق الانتهاكات في سوريا" (http://www.vdc-sy.info/ )، تنظيم جداول بأسماء نحو 72 ألف من الشهداء من ضحايا النظام، مع طريقة قتلهم، ومكان وتاريخ ذلك، كما استطاع، وبالمعايير ذاتها، توثيق اسماء 11124 شخصاً من النظام لقوا مصرعهم في المواجهات مع الجماعات المسلحة ولاسيما "الجيش الحر"، وذلك خلال الثلاثين شهراً الماضية.
أما حسب صفحة "إحصائيات الثورة السورية" على فيسبوك (https://www.facebook.com/Syrian.Revolution.Statistics?fref=ts ) فقد بلغ عدد ضحايا النظام السوري، من منتصف آذار 2011 وحتى 31 آب 2013، نحو 90,246 شهيداً (منهم 1610 شهداء من الفلسطينيين)، بينهم ثمانية آلاف طفل، وأزيد من سبعة آلاف امرأة، و 2800 قضوا تحت التعذيب، وبلغ عدد الجرحى نحو 143 ألف، وعدد المعتقلين نحو 247 ألف، وعدد المفقودين نحو 89 ألف، وعدد اللاجئين خارج سوريا نحو 2,5 مليون، وعدد النازحين داخلها أزيد من 6.5 مليون.
ومن ناحية التفاصيل، فقد بلغ متوسط عدد الضحايا، حتى في أشهر الثورة السلمية، وهي الأشهر الثمانية الأولى للثورة، من آذار حتى تشرين الأول 2011، برصاص اجهزة الأمن والشبيحة، نحو 600 من السوريين شهرياً، وهو عدد كبير جداً. وقد ارتفع هذا العدد، منذ تشرين الثاني 2011 إلى حزيران (2012) من 1000 الى اكثر من ألفي ضحية شهرياً، وذلك بحكم التحول نحو الثورة المسلحة. ومنذ تموز (2012) حتى الآن، ومع تصعيد النظام لحربه ضد المناطق الحاضنة للثورة، باستخدام الطائرات وقذائف المدفعية والدبابات، تضاعف عدد الضحايا، إذ بات يزيد عن 4000 شهرياً، ضمنهم 6800 في شهر آب (2012)، وبذلك بات هذا الشهر هو الأكبر من حيث عدد الشهداء، يليه في ذلك شهر سبتمبر، مع نحو 5500 شخص لقوا مصرعهم خلاله. (وهذه المعطيات مستخلصة إحصائيات "قاعدة بيانات الثورة السورية" http://syrianshuhada.com/default.asp?a=st&st=8 )
وبديهي أن هذه الاحصائيات بحاجة إلى توثيق، وهو عمل صعب ومضني ومتعذّر، على الأغلب، بسبب الظروف الأمنية، وبسبب تعمد النظام التعمية على مايجري، ولعل هذا يفسر الفارق بين الأعداد الموثّقة والأعداد المتداولة في وسائل الإعلام، أي أن الرقم الواقعي أكثر بكثير من الرقم الذي تم توثيقه.
هكذا باتت الثورة السورية تعرّف بكونها الأبهظ ثمناً بين مجمل ثورات "الربيع العربي"، فهي الثورة الوحيدة التي ووجهت بهذا القدر من العنف المفرط، والذي وصل حد القصف من الطائرات والدبابات، وبصواريخ السكود، وبالكيماوي. وحتى بالقياس إلى الثورة الليبية، التي كانت لقيت اسناداً من قوى خارجية، اسهمت في تحييد أسلحة الطيران والمدفعية، فإن ثورة السوريين، بدت بمثابة ثورة يتيمة تماماً. وكما شهدنا فقد تركت هذه الثورة طوال عامين ونصف من دون أي غطاء، ومن دون اية مناطق آمنة، أو عازلة، وحتى أنها حرمت من الدعم بالسلاح المناسب، الذي كان يمكن ان يساعدها على مواجهة قصف الطيران على الأقل. ومعلوم أن الدعم الذي تلقاه السوريون من "الأصدقاء" لم يرق أبداً إلى المستوى الذي يمكنهم من مواجهة النظام، ولا إلى مستوى الدعم الذي يتلقاه هذا النظام من حلفائه، لاسيما من روسيا وإيران، ومعهما حزب الله اللبناني، ولواء أبو الفضل العباس العراقي.
الآن، وبالنظر إلى هذه الكلفة الباهظة، من النواحي البشرية والمادية والمعنوية، ربما يصعب على الإنسان، من الناحية الأخلاقية، أن يوازن بين الثورة كضرورة وبين كلفتها، لكن هذه الموازنة لم تعد تفيد بعد أن حصل ماحصل، إذ بات التعويض عن كل ذلك يكمن فقط في خلاص السوريين.