الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الثورة السورية:طريق طويل ومنهجٌ مختلف

الثورة السورية:طريق طويل ومنهجٌ مختلف

14.07.2013
د. وائل مرزا

المدينة
الاحد 14/7/2013
الثورة السورية:طريق طويل ومنهجٌ مختلفمع نهاية العام الماضي، أطلق السوريون على إحدى الجُمع اسم جُمعة (حرب التحرير الشعبية).
ويبدو أن هذه التسمية كانت تُعبر في حقيقتها عن إدراكٍ داخلي، ولو لم يكن واضحاً ومُفصلاً، للطبيعة الاستراتيجية التي تُميز واقع الثورة السورية ومسيرتها.
قلائلُ جداً الذين يمكنهم أن يزعموا معرفتهم، منذ البداية، بأن هذه المسيرة ستكون طويلة، وأنها ستواجه كل هذه التحديات، وتقدم مانراه من تضحيات.
لكن الغالبية العظمى من السوريين باتوا يُدركون هذه الحقيقة الآن.
فكل المؤشرات والمعطيات الداخلية والإقليمية والدولية توحي بأن مسار الثورة السورية طويلٌ ومُعقد، ويحتاج إلى نقلةٍ في كل أساليب التفكير والعمل والتخطيط الموجودة لدى الثوار حتى الآن.
ونحن حين نتحدث عن الثوار فإننا لانحصر المعنى فيمن يحمل السلاح فقط، وإنما بات الأمر يتعلق بكل شريحة آمنت بأهداف الثورة وعملت على تحقيقها في كل المجالات.
من هنا، نُعيد التأكيد على ماذكرناه سابقاً من أن التسمية المذكورة تُجيب اليوم بعفويةٍ عبقرية على جملة أسئلةٍ يطرحها الواقع، وتتعلق بـ (الوسيلة) و(الهدف) و(الفاعل الأساسي).
ثلاثةُ مفاهيم رئيسة تتعلق بالثورة السورية، وتتمحور حولَها جميعُ الأسئلة التي يطرحها الفرقاء على اختلاف أدوارهم وغاياتهم المُعلنة أو المُضمرة.
فابتداءً، يُذكّر الثوارُ أنفسهُم، وكلَّ من له علاقةٌ بالموضوع بأي شكلٍ من الأشكال، أن هدف الثورة بات الآن أكثر وضوحاً وتحديداً، وأنه يتمثل في كل المعاني والدلالات التي تندرج تحت كلمة (التحرير).
فالتحرير بمعناه الشامل هو هدف الثورة السورية الآن. لايقتصر الأمر على الأسد، ولا على عائلته، ولا على نظامه، وإنما يتعدى ذلك بكثير. بل إنه لايقف حتى عند هدف تحرير سوريا من احتلال إيران الراهن، ومن ورائها روسيا، للبلد عسكرياً وسياسياً.
فالتحرير المطلوب الآن يهدفُ للقيام بعملية تطهيرٍ كاملة تشمل القيم والعادات وطرق التفكير والحياة السابقة، وترمي، مع كنسِ النظام السياسي الراهن، إلى كنسِ ثقافةٍ باليةٍ عمل هذا النظام لترسيخها على مدى عقود.
أكثر من هذا، لامشاحة من الاعتراف بأن ظروف الثورة نفسها خلقت مظاهرَ وممارساتٍ وأفكاراً، تدّعي نَسَباً إلى الثورة وأهدافها، ولكن بعضها باتَ لا يمتُ لتلك الأهداف بِصِلة، في حين يمكن وصفُ بعضها الآخر بأنه يتناقض مع الأهداف المذكورة بكل وضوح. حدثَ هذا خاصةً مع المُداخلات الخارجية، ومنها تلك التي كانت ولاتزال تؤكدُ أنها تعمل للثورة.
فالتحرير الآن بات يشمل التعامل مع كل الظواهر الشاذة التي تتناقض مع أهداف الثورة السورية الأصيلة المعروفة، والتي يُثبت الواقع أنها لاتموت في ضمير الشعب السوري بغض النظر عن المظاهر العابرة.
وإذا كان (التحريرُ) مطلوباً بذلك المعنى، فإن الوسيلة لتحقيق أهدافه هي (الحرب). والحربُ هنا لاتنحصر في معناها العسكري على الإطلاق، بل تشمل إضافةً إليه العمل الجادّ والحثيث على الجبهات الاجتماعية والإعلامية والاقتصادية والثقافية وغيرها.
نعم. نحن في حربٍ مع النظام، وهذه حقيقةٌ لايُجادل فيها أحد. لكن الحرب على مدى التاريخ لاتنحصر في معناها العسكري على الإطلاق، حتى في الاستراتيجيات التي تُوضعُ للجيوش النظامية في جميع أنحاء العالم.
فدور العسكري محددٌ ومعروف. ومالم يستند العسكري إلى منظومةٍ متكاملةٍ من الوظائف والخدمات الاجتماعية والإعلامية والنفسية واللوجستية والاقتصادية، فإن من شبه المستحيل عليه أن يقوم بإنجاز المطلوب منه وحده. بل يُصبح هذا نوعاً من التعجيز الذي نُوقع فيه أبطال الجيش الحر والكتائب، ونوقع فيه أنفسنا.
لاندعو هنا أبداً للتقصير في دعم الجهد العسكري، فهذا أمرٌ لايجب أن يتوقف على الإطلاق، خاصةً في مواجهة نظامٍ مجرمٍ لايردعه خلقٌ ولادينٌ ولامعنىً من معاني الإنسانية. لكن من غير الجائز أيضاً أن نختزل كل جهدٍ معنويٍ ومادي وفكري في العمل العسكري المباشر، لأن هذا بحدّ ذاته يؤدي إلى ماهو أقرب لخيانة الثورة، بغضّ النظر عن النيات الطيبة.
لهذا، سيكون مطلوباً أكثر من أي يومٍ مضى أن تتصاعد ألوان الحراك المدني ونشاطاته وفعالياته بشكلٍ موازٍ لتصاعد أعمال المقاومة الشعبية. وأن يزداد الابتكارُ في إيجاد شبكات التكافل الاجتماعي والحياتي اليومي. وألا يتوقف الإبداعُ في المشاريع المتعلقة بالإعلام والمعلومات والاتصالات. وأن يكون هناك إصرارٌ على تأكيد قواعد ثقافية واجتماعية جديدة تحكمُ العلاقة بين أبناء شعب سوريا في مناطقها المختلفة،بحيث يمكن العمل لتكون هذه القواعد حاضنةً لتأسيس عقدٍ اجتماعي جديد بين أبناء الشعب بكل شرائحهم، ووفق شبكة علاقات مضبوطة بالالتزام بأهداف الثورة من جهة، وبالقيم الأصيلة للرؤية الإسلامية من جهةٍ أخرى.
أما الفاعل الأساسي في الثورة السورية فإنما يتمثل في (الشعب). ولن تكون ثمة إمكانية لخوض (الحرب) وصولاً إلى (التحرير) في معزلٍ عن إشراك أكبر شريحةٍ ممكنة في فعاليات هذه الحرب من أبناء الشعب بأسره. صغاره وكباره، نسائه ورجاله، فقرائه وأغنيائه، وممن يقطنون في المدن أو القرى أو الضواحي أو الأرياف أينما كانوا في مساحة الوطن التي باتت تحتضن الجميع ويحتضنها الجميع.
المفارقة هنا أن المشاركة الشعبية الشاملة لاتعني فقط تعبئة الطاقات الموجودة لدى أبناء الشعب لمحاربة النظام، وهذا مطلوب، وإنما الترتيبَ لتكون الرقابةُ الشعبية الشاملة أيضاً هي الضمان الأكبر والأقوى للحفاظ على إيقاع الثورة المتوازن والمعتدل في جميع المسارات وعلى كل المستويات. خاصةً في مجال ضبط ومحاصرة الظواهر الشاذة، والضغطَ لتأكيد المواقف والسياسات والممارسات التي تنبع من الرؤية الوسطية المُعتدلة، التي كانت ولاتزال وستبقى تُشكل جوهر الهوية الحضارية للشعب السوري.
ثمة حاجةٌ ماسةٌ أولاً لتعميق مفهوم حرب التحرير الشاملة في أوساط الثورة السورية اليوم، ثم إننا بحاجةٍ لتعميم دلالات هذا الفهم على جميع المجموعات والشرائح التي تحاول خدمة الثورة في كل مجال، ونحن بحاجةٍ أخيراً لنُحدّد بشكلٍ محترف كل الوظائف الأخرى المطلوبة للانتصار، وأن نوزع الأدوار بشكلٍ مدروسٍ للقيام بتلك الوظائف.
أهم مافي الموضوع أن يكون لدى أصحاب العلاقة استعدادٌ لنقلةٍ نفسيةٍ وفكريةٍ واجتماعية وعملية تنبثق من إدراكهم لطول المسيرة القادمة، واستعدادٌ للعمل بمقتضياتها بأساليب ووسائل مغايرة بدرجةٍ كبيرة لما كان سائداً حتى الآن.
حربُ التحرير الشعبية. حربٌ (شاملة)، للتحرير (الشامل)، يقوم بها الشعب بشكلٍ (شامل).
هذه هي إجابة الثورة السورية على كل المناورات المطروحة في ساحة السياسة الدولية.