الرئيسة \  مشاركات  \  الثورة السورية إلى أين؟

الثورة السورية إلى أين؟

03.12.2014
الطاهر إبراهيم




عاشت سورية ثلاثين عاما تحت حكم حافظ أسد لا يستطيع الأخ أن ينبس ببنت شفة أمام أخيه، خوفا من أن يكون للجدران آذان، فيذهب بداهية هو وأخوه ومن خلفوه. كان السوريون من قبل ذلك، كما اللبنانيون، صحافيي العرب بحق. عندما هلك حافظ وورثه ابنه بشار استبشر البعض حسب مقولة القائل "موت الرؤساء رحمة بالأمة". بدأ المثقفون يلتقون في بعض الدارات التي فتحت صالاتها لهم مثل منتدى الأتاسي، وقرأنا عن بيان ال"99" الذي وقعه99 مثقفا، ثم بيان ال "1000"، حيث رفع موقعو البيانين من وتيرة كلامهم مطالبين ببعض الحرية. تصدى لهم حرس النظام القديم مثل عبد الحليم خدام يسفه كلامهم، قبل أن ينشق هذا عن نظام خدمه قرابة 40 عاما، ولم يقف الأمر عند حد التسفيه فقد أودع بعض المثقفين في المعتقل.
الشعب السوري الذي ثار ضد الفرنسيين ببنادق قديمة، ما جعل المستعمر يغادر سورية تحت رصاص الثوار، ما جعل مدة بقائه في سورية منذ دخل الجنرال "غورو" دمشق عام 1921لم تتجاوز 25 عاما.كان قد ملأ قلوب الشعب خوف أجهزة الأمن التي شكلها حافظ أسد لتعد على السوريين أنفاسهم، ما جعل البعض يردد: من تزوج أمي فهو عمي. وقد هاجر كثير منهم.
تغيرت الأمور منذ15 آذار 2011 وحتى اليوم. فلم يعد الأمر مسألة خوف أوجرأة. فمتظاهرو
الأمس وجد أغلبهم طريقة أو أخرى ليحمل السلاح وينضم مع الفصائل التي كانت تقاتل جيش بشار أسد، فقتل من الطرفين خلق كثير. ورغم الدعم الذي قدمته طهران وموسكو،فقد استطاع الثوار أن يحاصروا قصر بشار حتى رأيناه يستقبل زواره في غرفة صغيرة في مبنى صغير. كما استطاع الثوار أن يعطلوا مطار دمشق عن استقبال الطائرات وإقلاعها. حتى أن وليد معلم كان مضطرا للذهب إلى بيروت ليطير إلى الوجهة التي يريدها لنقل رسائل بشار.
وعندما كان سقوط نظام بشار قاب قوسين أو أدنى، تحرك أوباما بنصيحة من مستشارة الأمن القومي سوزان رايس وبتعليمات من اللوبي اليهودي لمنع سقوط بشار أسد، بحجة دعمها الحل السلمي. رغم نصائح كل من الوزيرة كلينتون ووزير الدفاع ورئيس الأركان ورئيس ال(cia) كي يسلح المعارضة السورية، فقد ركب أوباما رأسه ورفض تسليحَ الجيش الحر.يومها لم يكن زعيم تنظيم الدولة أبو بكر البغدادي إلا مقاتل يقود عدة مئات، فطالب أبو محمد الجولاني قائد جبهة النصرة أن يتوحدا في الدولة الإسلامية في العراق والشام داعش، لكن الجولاني رفض.
اليوم يبحث الكتاب العرب والأجانب مآلات الحل في سورية. فمنهم من يعلق آمالا على تدخل واشنطن لتفرض حلا سلميا تحت البند السابع، يبقي سورية مقسمة، وكل جهة تحكم ما تحت يدها من مدن بموجب الأمر الواقع. وآخرون يتوقعون أن ينقلب ضباط علويون على بشار أسد بعد أن قتل منهم خلق كثير، فيأتلفون مع من تبقى من ضباط سنيين ألجأهم الراتب أو الخوف، على البقاء في جيش بشار. وبالمناسبة يعتقد هؤلاء أن واشنطن سترتب لهكذا انقلاب، وينسون أن واشنطن هي من دعم بقاء بشار حين اهتز كرسيه تحته من ضربات الثوار.
ما أنا متأكد منه أن الشعب الذي يعيش داخل سورية لن يرضى أن يتعايش مع من تسبب بقتل ربع مليون سوري. فلم يبق بيت إلا قتل من أهله واحد أو أكثر. والفصائل المقاتلة كلها صنفتها واشنطن تحت بند الإرهاب، وأي مقاتل يعرف أن إلقاء سلاحه يعني ذهابه إلى محكمة لاهاي ليحاكم بصفته إرهابيا.
يعتقد السوريون أن تنظيم الدولة وزعيمه أبو بكر البغدادي سيضمحل كسحابة صيف مهما عظم خطره. وأنه لا يستطيع أن يمتلك حاضنة شعبية تجعله يطمئن كأنه يعيش بين عشيرته تدفع عنه تكالب أعدائه. أما الفصائل المقاتلة الأخرى بمن فيها جبهة النصرة فستترسخ داخل محيطها لأن أفرادها جزء من الشعب السوري، وأنه سيأتي يوم على بشار أسد ينفض عنه مناصروه ويعودون إلى جبل العلويين. وحين يذهب إلى المطار ليغادر سورية فلن يجد الوقت كي يقول إلى لقاء، لأن الضابط المرافق سيقتله عند سلم الطائرة، وينتهي حلم حافظ أسد، ولا يجد من تبقى من كتائب علوية ناصرته إلاالصلح مع الكتائب السنية المقاتلة، وعندها لن يكون لواشنطن ما تفعله إلا التسليم بما اتفق عليه السوريون.
قد يقول قائل هذه أضغاث أحلام، أما نحن فنقول هذا ما نعرفه عن سورية قبل أن يفسد حافظ أسد السلم الأهلي بين مكوناتها. قد يطول الأمر أو يقصر، لكن لا بد أن يدرك الجميع أن الحل يجب أن يأتي من الذين اكتووا بنار الحرب الأهلية، لا من واشنطن وطهران.