الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الثورة السورية: الهوية والفكرة والمكان

الثورة السورية: الهوية والفكرة والمكان

03.05.2014
عبد الغني محمد المصري


القدس العربي
الخميس 1/5/2014
يعمل النظام ومحور الاجرام الداعم له على الضغط على الثورة من خلال عصبي ‘اطعمهم من جوع، وآمنهم من خوف’. فيحاصر المناطق حصارا شديدا، يمنع عنهم كل شيء في جريمة ضد الانسانية واضحة بجلاء تحت اعين وابصار كل العالم وجمعيات حقوق الانسان والحيوان، ولكن يبدو جليا ان حماية قلة حاكمة لإرضاخ شعب حرّ، خوفا من انقراضها اهم من ابادة شعب كامل تحت الجوع او القصف او الذبح.
فيبادرك مستضعف يئن من الحصارين معا، فيقول لك: ‘الوطن بالنسبة لي، هو مكان اشعر فيه بالأمان وعدم الخوف في كل لحظة من برميل، قد يقطف ثمرة او زهرة من زهرات العمر الغالية’. وهو محق كثيرا في قوله لان الفراق حرق وكي موجع للقلوب، الطيبة والمجرمة معا.
ويعود كثير من هذا المعنى لوجود المرء داخل المكان، ولو تدرج قليلا خارجه ليرى الصورة الاكبر، لرأى أن للوطن معاني كثيرة، منها الهوية، والفكرة، والمكان. فالوطن مكان، حيث البيت، او الاشجار، او الارصفة، او البستان، ليست جمادا صامتا، بل هي روح، تندمج فيها الاحداث والذكريات، ومنها، وفيها، شريط الطفولة، والشباب، وتباشير الولادة الجميلة لبرعم الثورة، والشعور بالعزة، والتكاتف، والقوة، قبل الحصار، وتوالي الطعنات في الجسد. لذا فمن يترك المكان، ولو خرج معه كل الاحبة، سيشعر ان هناك اجزاء من روحه ما زالت ساكنة في تلك الجوانب التي كان يحسبها حجارة او نثرا اصما بلا حياة او روح.
والوطن هوية، فلكل وجبة طعام، تفاصيل صغيرة، لها اسرارها ونكهتها، ولهجة كل حي، او حارة، لها روحها، وطعمها الزكي. علاقات الجيران، بمختلف اشرابهم ناشئة عن هوية جمعية تقوم على التعايش والتحابب، والتآلف. كل جملة، او طبخة، او جلسة سمر، تشكل جزءا من الهوية، وهي تشكل روح الانسان، وثقافته، فعندما يترك كل تلك الاشياء، يفقد الجزء الاهم من روحه، وتشكله الموروث عبر الاجيال.
والوطن فكرة، تجمع شتاته، لتبني الانسان، وتساهم في حضارة الانسانية وتطورها، فأوغاريت، اول ابجدية مكتوبة في التاريخ، لم تخرج سوى من ذاك الوطن، لقد كانت الابجدية فكرة، عبرت الحدود، لتعيش دهورا وقرونا. اوغاريت، وبنو امية، وابو عبيدة، وخالد، وعمر، كلها مكونات اصبحت ضمن موروثات لا نراها، لانها غدت جزءا من حياتنا، وهنا تبرز الفكرة واقعا معاشا، وعندما تغارد الوطن، ففي كل حدود ستفقد جزءا او اجزاء من تلك الفكرة.
العدو يحاول، ويجد، بإجرام، وعفن تاريخي بيّن، ان ينزع من اهل الشام، الهوية، والمكان، والفكرة. فترك الوطن، هو انتصار العدو، والبقاء فيه، هو هزيمته، والوطن لا بديل له، ولا ثوب يغني عنه، فهو كما قالت العرب ‘نسيج وحده’، وهنا يحضرنا قول الرسول الكريم عن مكة بما معناه-: والله انك لأحب الاماكن إلي، ولو لم يخرجني اهلك منك ما خرجت. ومن المأثور الشعبي يتوارد الى الخاطر: ‘اللي مضيع ذهب بسوق الذهب يلقاه، واللي مضيع وطن، وين الوطن يلقاه’.
اخيرا، لا بد لعلماء الامة، في ظل الهجوم العسكري الاستئصالي الصفوي الشرس على الشام واهله، ان يبينوا وينشئوا حملة، توضح ان البقاء في ارض الشام، بنية البقاء للحفاظ على دينها وتميزها، هو جهاد في سبيل الله، لأن فيه اغاظة للعدو، وهزيمة لبعض جمل اهدافه. والله اعلم.