الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الثورة السورية اليتيمة

الثورة السورية اليتيمة

12.12.2015
سمير الحجاوي



الشرق القطرية
الخميس 10/12/2015
ليس هناك من شعب عربي في التاريخ دفع كلفة أعلى من الشعب السوري ثمناً لحريته، فهذا الشعب الذي يخوض غمار ثورة منذ 5 سنوات، تكبد حتى الآن أكثر من 380 ألف شهيد، ونصف مليون جريج و13 مليون مشرد بين نازح ولاجئ، واغتصب نظام الأسد الإرهابي أكثر من 50 ألف امرأة من حرائره واعتقل ما يزيد على نصف مليون من رجاله وأطفال وشيوخه ونسائه، وفقد أكثر من 50 ألف سوري وسورية، علاوة عن الذين قتلوا في سجون الأسد الرهيبة دون أن يعلم عنهم أحدا شيئا، ودمرت الآلة العسكرية للنظام والمليشيات الداعمة له نصف مساكن سوريا على الأقل، حولت غالبية المدن السورية إلى ركام وأنقاض.
هذه الكلفة العالية الدامية دفعها الشعب السوري لأنه هتف "سوريا بدها حرية"، بعد أن كتب مجموعة من أطفال درعا على أحد الجدران "اجاك الدور يا دكتور"، والتي تشير إلى الرغبة بإطاحة نظام "الدكتور" الإرهابي بشار الأسد. وهي كلفة دخلت في سجلات التاريخ التي ستبقى مع مرور الزمن.
لم يكن يتصور أحد في العالم أن نظام الأسد سيكون وحشيا إلى هذه الدرجة، وأنه بربري دموي همجي إلى هذا الحد، ولم يكن يتصور أحد أن العبارة التي قالها شبيحة النظام الدموي تعبر عن ثقافة وأيديولوجية دموية عندما كتبوا "الأسد إلى الأبد.. الأسد أو نحرق البلد"، وهي عبارة نفذوها فعلا، فقد حرقوا البلد ودمروه وأخرجوا منه أهله، بكل ما في جعبتهم من دموية وإجرام وقدرة على إبادة البشر، فهم "محشوون" بأيديولوجية من الكراهية والحقد والدموية أساسها "أبيدوا فيها كل نسمة حية.. واقتلوا كل رجل وشيخ وطفل وامرأة" الواردة في العهد اليهودي القديم، وهي أيديولوجية ضد الإنسانية.
لم يترك نظام الأسد الإرهابي وحلفائه من إيران وروسيا وحزب الله والمليشيات الشيعية العراقية والباكستانية والأفغانية، وسيلة من وسائل القتل إلا واستخدموها، ولم يتركوا حقدا طائفيا إلا واستخدموه ضد الشعب السوري، فقتلوا وعاثوا فسادا تحت نظر العالم وسمعه وبصره، دون أن يتحرك العالم لمساعدة الشعب السوري الذي يقتل بوحشية، كان الناس يقرأون عنها في كتب التاريخ فقط.
رغم كل ذلك كانت المعادلة الرسمية العربية والإقليمية والدولية بشأن الثورة السورية تقوم على مبدأ "ثورة لا تنتصر، ونظام لا يهزم"، وترك الشعب السوري يواجه نظام الأسد الوحشي والعلويين والشيعة وإيران وحزب الله والمليشيات العراقية وحده دون أن يحرك أحد ساكنا، إلا في إطار بعض الإغاثة، أو دعم هذه الجهة أو تلك من أجل "ضمان استمرار اللعبة الدامية"، لكي لا تنتصر ثورة الحرية التي يخوض السوريون غمارها.
المشكلة أن المؤامرة على الشعب السوري مستمرة، فنظام الأسد يعاد تأهيله من قبل الجميع ليكون مشاركا في مستقبل سوريا التي دمرها، وأمريكا وبريطانيا وفرنسا ومعها الدول الغربية تتحدث عن بقاء الأسد "لو لمرحلة انتقالية" مما يعني بقاء نظامه بوصفه شريكا في السلطة، مما يعني أن الدماء السورية المسفوكة على مدى السنوات الخمس من أجل الحرية ضاعت هباء، وكان هذه الثورة لم تكن وبذلك تتحقق إستراتيجية أمريكا وبريطانيا وفرنسا وإيران وروسيا "بعدم انتصار الثورة" وبقاء نظام بشار الأسد "بلا هزيمة".
لقد كانت الثورة السورية منذ اليوم الأول "ثورة يتيمة" وكانت "ثورة مغدورة" غدر بها الجميع، الأنظمة العربية والدول الإقليمية والغرب، أوروبا وأمريكا"، والآن فإنهم يضعون اللمسات الأخيرة من أجل "وأد" الثورة السورية نهائيا عبر إجبار الثوار السوريين على المحاصصة والتقاسم والشراكة مع نظام دموي يرفضه كل السوريين، باستثناء قلة من معتنقي أيديولوجية الكراهية والحقد الملطخة أيديهم بدماء السوريين.. إنها فعلاً ثورة يتيمة.