الرئيسة \  مشاركات  \  الثورة السورية بعد ثلاث سنوات .. الإشكالية والحل

الثورة السورية بعد ثلاث سنوات .. الإشكالية والحل

27.03.2014
د. محمد أحمد الزعبي




تمثل الخلافات السياسية والأيديولوجية بين بعض عناصر ومكونات كل من المجلس والائتلاف الأساس الموضوعي لكافة الإشكالات الأخرى التي عانت منها المعارضة السورية وما تزال طيلة السنوات الثلاث الماضية . وبعود سبب هذه الخلافات ـ حسب تقديرنا ـ بصورة أساسية إلى :
+الطابع التراكمي للمعارضة، والذي تعود بداياته الأولى إلى النصف الأول من القرن الماضي حيث محاولات الانتداب ( الاستعمار ) الفرنسي الفاشلة خلخلة النسيج الاجتماعي الوطني السوري
، وتقسيم سوريا إلى كانتونات طائفية ، يعارض بعضها بعضاً، هذا من جهة ، أما من الجهة
الأخرى ، فإن خللاً أخر تسلل إلى المرحلة الاستقلالية ، ألا وهو انقسام الصف الوطني سياسياً وأيديولوجياً ودينياً، وبالذات إلى ثلاثة تيارات كبرى هي : التيار القومي العربي ، والتيار الديني الإسلامي ، والتيار الماركسي اللينيني ، حيث اعتبر كل من هذه التيارات الثلاث ، أنه وحده يمتلك الحقيقة ، وأن التيارين الآخرين دخيلين على سوريا بل على الأمة العربية كلها ، ولابد من إزاحتهما عن الساحة السياسية تمهيداً لإزالتهما التامة . ومن المعروف أن هذه التيارات الثلاث قد انقسمت في النصف الثاني من القرن الماضي على نفسها بين متطرفين يشعرون بالاكتفاء الذاتي وبعدم حاجة الوطن والأمة ( ولاحقاً الثورة ) إلى التيارين الآخرين ، ومعتدلين يؤمنون بمقولة " الرأي والرأي الآخر " ، وبمقولة الإمام الشافعي " رأي صواب يحتمل الخطأ ، ورأيك خطأ يحتمل الصواب " ، وبمقولة الإمام علي " الناس صنفان ، إما أخ لك في الدين ، أو نظير لك في الخلق " ، وبالتالي فإن الوطن ( ولاحقاً الثورة ) بحاجة إلى جهود الجميع .
 
+التداخل بين القديم والجديد / التراث والمعاصرة / الماضي والحاضر، وتعود جذور هذا التداخل عملياً إلى القرن الخامس عشر ، وهو ماأكده ابن خلدون في مقدمته بقوله : " وكأني بالمشرق قد نزل به مثل مانزل بالمغرب ، لكن على نسبته ومقدار عمرانه . وكأنما نادى لسان الكون في العالم بالخمول والانقباض فبادر بالإجابة ... وإذا تبدلت الأحوال جملة ، فكأنما تبدل الخلق من أصله ، تحول العالم بأسره ، وكأنه خلق جديد ، ونشاة مستأنفة وعالم محدث " ( تاريخ العلامة ابن خلدون ، المجلد الأول ، الطبعة الثانية ، مكتبة المدرسة ودار الكتاب اللبناني ، بيروت 1961 ، ص 53 ) ذلك أن شمس العالم الإسلامي بدأت بالانكفاء الذي انتهى بوقوع معظم أقاليمه تحت قبضة الدول الاستعمارية في القرنين التاسع عشر والعشرين، ولا سيما بعد وفاة " الرجل المريض " وسقوط الخلافة الإسلامية في مفتتح القرن العشرين . إن هذا التداخل بين الماضي والحاضر ، تسبب ليس في انقسام المجتمع ( وهنا المجتمع السوري ) إلى من يضع قدميه وعينيه في الحاضر
، بينما يتطلع بقلبه وعقله إلى الماضي فقط ، وإنما أيضاً انقسام الفرد / المواطن على نفسه
، بحيث أصبح يعيش حالة من الإزدواجية الأخلاقية والفكرية ،فهو المسلم الذي ينظر إلى مأكله وملبسه ومشربه ووسائل راحته وتسليته وعمله ، فيراها كلها من صناعة غير المسلمين ، من جهة، وأنه لايستطيع الاستغناء عنها من جهة أخرى ، وتصبح هذه الإزدواجية الأخلاقية والفكرية
 التي يعيشها مواطننا ، وبالتالي مجتمعنا ، أمراً واقعاً ومفروضاً .
إن مانجم عن هذه الإزدواجية ، هو مواطن بنصف هويّة ، وبنصف موقف ، ولذلك نراه يتنقل
بحرية ، من حزب البعث إلى حزب الإخوان المسلمين إلى الحزب الشيوعي دونما شعور بالحرج ، ويتحول ـ في كثير من الحالات ـ إلى إنسان هش ، سهل الكسر ، سهل القبول وسهل الرفض ، شعاره الظاهر أو الباطن : " دولار في اليد خير من عشرة على الشجرة " .
 
+ غياب الأساس الوطني الجامع ، الذي يمكن أن تتوافق عليه ، وتلتف حوله كافة أطراف وتيارات المعارضة ، التي أشرنا إليها أعلاه ، إن غياب هذا الجامع الوطني ، سمح لكل طرف من الأطراف الرئيسية الثلاثة في المعارضة ( القومين ، الإسلامين ، الماركسيون ) ، أن يعتبر أيديولوجيته وأفكاره " مكتفية ذاتياً " أي أنها ليست بحاجة إلى " الآخر " ، وهو ماترتب عليه دخول حالة من عدم الثقة بين هذه الأطراف ، ثم تحول حالة عدم الثقة إلى صراع سياسيي وفكري . لقد ترتب على غياب الأساس الوطني الجامع :
1)الهوة غير المبررة بين قيادة الثورة (في الخارج ) وقاعدتها (في الداخل ) ،
2)دخول العامل الخارجي على خط المعارضة ، ولاسيما الدول الكبرى التي سبق أن أطلقنا عليها اسم ( دول المصنع والمدفع ) ، ومحاولة كل منها ، إما سحب البساط من تحت الثورة وتركها تزحف على الأرض ، أو جرها إلى زاويته السياسية والأيديولوجية الخاصة .
3)الاختلافات التي شهدناها قبل بضعة أسابيع بين المجلس والائتلاف وداخل كل منهما ، حول المشاركة في مؤتمر جنيف 2 من عدمها ، وحول دعوة طهران للاشتراك في هذا المؤتمرمن عدمها ، وحول زيارة موسكو من قبل بعض أعضاء الائتلاف .
 
+. الدور المشبوه الذي لعبه ويلعبه كل أعداء الربيع العربي، سواء في إطار جامعة الدول العربية ، أو في إطار منظمة التعاون الإسلامي ، أو في إطار مجلس الأمن الدولي ، ولقد كان
ماشهدناه يوم أمس واليوم في الكويت ( 25.3.14 ـ 26.3.14 ) ،من حيث ترك مقعد الجمهورية العربية السورية خاوياً ينتظر كما قال رئيس الائتلاف السيد أحمد الجربا ، قدوم بشار الأسد في مؤتمرالقمة العربي القادم في مصر ( أذار 2015 ) والذي سيرأسه عملياً زميله في ذبح شعبه المشير السيسي .
إن ثقة الكاتب بالشعب العربي عامة ، والشعب السوري خاصة ، يحمله على الثقة والاعتقاد ، بأن انتصار الحق على الباطل ، بات قاب قوسين أو أدنى ، وبالتالي فإن أحداً من عائلة الأسد لم يعد بإمكانه أن يشغل هذا المقعد ، الذي رغب بعض العرب المدانين والمشبوهين أن يبقوه في مؤتمر الكويت خاوياً .
 
يتمثل الحل الذي يقترحه الكاتب للخروج من هذا الاستعصاء الذي وصلت إليه الثورة السورية في
ضرورة تلافي الخطأ والخلل في بنية القيادة السياسية للثورة ،سواء في حالتها الأولى (المجلس ) أو في حالتها الثانية ( الائتلاف ) ، وذلك بواسطة إعادة هيكلتهما وتوحيدهما ورفد القيادة الجديدة الموحدة بعناصر وقوى ثورية وكفوءة يمكنها أن تقود الثورة إلى الانتصار بأقصر وأسلم وأسرع الطرق وبالتالي أقلها تكلفة بشرية ومادية . ويقترح الكاتب أن تتكون هذه القيادة السياسية
والعسكرية الجديدة من العناصر الثورية المعتدلة أيديولوجياً في كل من التيارات السياسية والحزبية المعارضة جدياً وكلّياً لنظام عائلة الأسد .
ويرى أن على القيادة الجديدة الموحدة مراعاة الأمور الهامة التالية :
ـ تمتين العلاقة بين القيادة السياسية والقاعدة المقاتلة بشقيها المدني والعسكري ،
ـ حصر حمل السلاح ـ بالجيش الحر ، بشقيه ( المنشقين والمتطوعين من الثوار ) ،
ـ إخضاع القيادة العسكرية للجيش الحر للقيادة السياسية الجديدة ،
ـ تعيد القيادة السياسية وبالتشاور مع كبار الضباط في الجيش الحر ،هيكلة هذا الجيش ومهامه
 وتشكيلاته على غرار القواعد والأعراف العسكرية المتبعة في كافة جيوش العالم الحديثة ،
ـ تضع القيادة الجديدة ، ميثاق وطني جديد ، بالاعتماد على كافة ادبيات المجلس والائتلاف السابقة ،
 وأيضاً على الدراسات النظرية والميدانية التي وضعتها مراكز البحوث الموالية للثورة ، ويكون أساساً
 لكل من " اليوم الحالي " و " اليوم التالي " على حد سواء ،
ـ إعادة الحياة المدنية الطبيعية ، والإدارات المحلية إلى نشاطاتها التقليدية في المناطق المحررة ،
ـ الاهتمام الخاص بالإعلام ، وكسب الرأي العام السوري والعربي والإسلامي والعالمي لصالح الثورة،
ـ إنشاء مكتب علاقات عامة من عناصر ثورية شابة ، كفوءة ونشيطة وذات خبرة ومتعددة اللغات ،
ـ إنشاء مكتب مالي من عناصر كفوءة ونزيهة وذات خبرة في المجال الاقتصادي عامة والمالي خاصة.