الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الثورة السورية تعود لأصحابها

الثورة السورية تعود لأصحابها

05.10.2015
أوّاب المصري



الشرق القطرية
الاحد 4/10/2015
في الموازين المنطقية والدنيوية يمكن القول إن التدخل الروسي العسكري في سوريا سينعكس سلباً على موازين القوى بين النظام وقوى المعارضة لمصلحة الأول. لاسيما أن التدخل الجوي الروسي تزامن مع حديث عن عملية برية واسعة يشارك فيها أطراف المحور الذي يصر أصحابه على تسميته "بمحور المقاومة"، بأطرافه الإيرانية والسورية ومتفرعاتهما الميليشياوية اللبنانية والعراقية. هذا الواقع ما كان ليحصل لو أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التزم بالذريعة التي قدمها لتبرير تدخل جيشه في سوريا وهي استهداف تنظيم الدولة الإسلامية حصراً. فقد كشفت الضربات التي نفذتها طائرات السوخوي الروسية أن أهدافها ستشمل جميع القوى التي تعارض النظام السوري، سواء كانت تنظيم الدولة أو جبهة النصرة أو جيش الفتح أو الجيش السوري الحر. التدخل العسكري الروسي لم يكن المتغيّر الوحيد في معادلة الأزمة السورية، فهو تزامن مع انحراف واضح في المواقف الغربية. فبعدما كان بديهياً أن حل الأزمة في سوريا لن يكون بوجود بشار الأسد، اختلفت النغمة مؤخراً، فأطلقت سلسلة مواقف جديدة دشنها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري حين قال إن المطلوب هو رحيل الأسد ولكن ليس بالضرورة بشكل فوري، لتخرج بعده مواقف أكثر وضوحاً يمكن اختصارها بما قاله رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الذي اعتبر أنه من الممكن أن يبقى بشار الأسد رئيساً لحكومة انتقالية. حتى تركيا التي طالما وقفت إلى جانب الشعب السوري وساندت ثورته وشددت على رحيل الأسد قبل أي تسوية، ربما لا تصمد أمام منظومة دولية متكاملة للأزمة السورية تهمل مصالح السوريين. أعود فأقول إن جميع المؤشرات العسكرية الميدانية والدبلوماسية الدولية تشير إلى أن وضع المعارضة السورية لن يكون في أحسن حال، لكن هذه الخلاصة هي النصف الفارغ من الكوب، فهناك نصف آخر يجدر بجميع المؤيدين والمتعاطفين مع الثورة السورية أخذه بعين الاعتبار وعدم إهماله. فالثورة السورية لأول مرة منذ انطلاقها تعود إلى أصحابها وأهلها، تعود إلى الشعب السوري الذي أطلقها ويدفع ثمنها منذ أربع سنوات من دمه وعرقه وممتلكاته، تعود إلى الشعب الذي تحمل القتل والذل والمهانة وانتهاك الأعراض والنزوح والتعذيب في المعتقلات. الثورة السورية اليوم تبيضّ صفحتها من جديد بعدما لوّثتها مصالح دولية، لم تكن تريد الخير للشعب السوري بقدر ما كانت تريد مواجهة خصومها مستخدمة أبناء الشعب السوري حطباً لهذه المواجهة.
مخطئ من يظن أن شعلة الثورة السورية التي أشعلها جسد حمزة الخطيب وحنجرة إبراهيم قاشوش ونضال مشعل تمو ووحيد البلعوس يمكن أن يخمدها تدخل روسي أو تآمر دولي. وأهم من يظن أن الشعب الذي دفع دمه وماله وعرضه وكرامته لنيل الحرية يمكن أن يخضع لتسوية دولية.
إن تخلي الجميع عن الشعب السوري يعيد البريق والوهج لهتاف "ما لنا غيرك يا الله" الذي صدحت به حناجر السوريين حين انطلقت ثورتهم وواجهت به بطش النظام وصلفه. "ما لنا غيرك يا الله" هو الذي دفع الرجال لحمل السلاح تاركين وراءهم أهلهم وأرزاقهم ومن يحبون، وحاربوا بما توفر بين أيديهم جيش النظام وشبّيحته والميليشيات الطائفية التي ساندته. هؤلاء المجاهدون لم يقدموا كل هذه التضحيات كي يأتيهم جون كيري من وراء البحار ويفرض عليهم بقاء من يؤمنون أنه سبب مآسيهم ونكباتهم وعذاباتهم. "ما لنا غيرك يا الله" كانت السند لملايين اللاجئين السوريين الذين تحملوا القهر والذل والمعاناة والحاجة، وخاضوا عباب البحر قبل أن يبتلع كثيراً منهم، تحملوا كل ذلك في سبيل التخلص من ظلم نظام الأسد والعيش بحرية وكرامة.لم يراهن أبناء الثورة السورية يوماً على المجتمع الدولي والدعم الخارجي. فالأهالي الذين تظاهروا في درعا بعد التعذيب الذي تعرض له أطفالهم في أحد مراكز الأمن لم يخطر ببالهم أن نقمتهم ستعمّ الأراضي السورية، وأن رفضهم للظلم والقهر ستنتقل عدواه إلى جميع السوريين. من رفع الصوت في درعا لم يكن يفقه شيئاً عن التوازنات الدولية، ولعبة المحاور، والمشروع النووي الإيراني، وأمن "إسرائيل".. المواطن السوري الذي ظهر على شاشات التلفزة وهو يصرخ "أنا إنسان ماني حيوان" جلّ ما أراده هو أن يعيش كباقي البشر على هذه الأرض، وهو سيواصل نضاله مهما كانت التضحيات والأثمان.