الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الثورة السورية على مفترق الطرق

الثورة السورية على مفترق الطرق

06.07.2013
طرفة بغجاتي

القدس العربي
السبت 6/7/2013
إذا كان النظام السوري قد استطاع أن يوثر سلبيا، ولا نقول نجح في شيء، فهو توريط الثورة السورية، مساهما في تحويل مسارها وإدخالها في متاهات وجعلها تتبع سياسة رد الفعل السريع، لا سياسة المبادرة المتأنية والمدروسة، هذا من جهة، أما من جهة أخرى فقد كانت الضربات الموجهة للثورة تأتي للأسف الشديد من الصديق قبل العدو، وقد ساعد هذا أيضاً على إطالة عمر هذا النظام.
لقد أجمعت الثورة وجعلت من ثوابتها شعار ‘واحد، واحد، واحد: الشعب السوري واحد’، و’لا للطائفية’، واتخذت منها نبراسا غير قابل للنقاش، إلا أن النظام يلعب بورقة الطائفية من دون أي تحفظ أو خجل. صحيح أن اختزال ما يجري في سورية وحصره بالطائفية تبسيط مخل بالأمور المعقدة، لأنه ما من شك أن الموضوع في الأصل سياسي إقليمي عنصري مصلحي، دخلت عليه الأجندات العالمية، وصار جزءا من بورصة السياسة الدولية، إلا أنه لا يمكن إنكار وإغفال اللون والبعد الطائفي بشكل كامل. لا نستطيع أن نجزم بمعرفة من أوحى لمن ولكن ما يمكن أن يجزم به المرء هو أن ثلاثي النظام والقيادة الإيرانية وحزب الله عزموا أمرهم على استخدام ورقة الطائفية، مهما كانت النتائج التي عليهم تحملها بالكامل. المهم في هذا المقام التأكيد على أنه ليس من الحكمة ولا من الشجاعة ولا من البطولة أن تقع الثورة في الفخ الذي نصب لها، فالثورة السورية هي ثورة الحرية والكرامة، وأعداؤها يريدون لها أن تنزلق في المسار الطائفي، فلا ينبغي اعطاؤهم ما يريدون، وكل صوت ينادي بتحويل الثورة إلى حرب سنية – شيعية هو صوت يدعم النظام قصد ذلك أم لم يقصد.
لقد أجمعت الثورة لمدة أشهر على مبدأ السلمية، وكان الجميع مقرين بأن العنف لا يأتي إلا بعنف، وأن عسكرة الثورة هي الورطة التي يسعى النظام لجر الثورة إليها، والأدلة على ذلك كثيرة، إذ قد عمد النظام وإعلامه منذ اللحظات الأولى للثورة إلى اتهام المتظاهرين وناشطي الحراك الشعبي بحمل السلاح وعسكرة الثورة، ولكن استخدام العنف المفرط من قبل النظام وإقحام الجيش العربي السوري بمهمات مخابراتية قمعية لم تترك المجال، خاصة للمنشقين الوطنيين عن الجيش وللمواطنين المسلحين في بعض المناطق، إلا لرفع السلاح، مما جعل التركيز الإعلامي الداخلي والدولي يركز على الناحية العسكرية وحسب، إذ قد توارت في الإعلام العالمي للأسف صور المظاهرات السلمية لتحل محلها الصراعات العسكرية، ولتحل بذلك توصيفات من قبيل ‘الحرب الأهلية’ محل ‘ثورة’، الأمر الذي لم يترك أي فرصة نجاح لمحاولات التصحيح.
كما أجمعت الثورة على استقلالية الشعب السوري بقراره، وأن تغيير النظام سيكون مهمة الشعب السوري حصرا، فإذا بالنظام يسلم قيادة البلد لإيران أولا ولروسيا ثانيا، هذا دفع بعض الاتجاهات المعارضة لوضع كل آمالهم بالدعم الخارجي، مما جعل هذا الدعم يتم غير مرة للأسف على حساب استقلالية القرار السوري.
يكمن التحدي الآن في إعادة ترتيب البيت السوري وتحضيره لمرحلة ما بعد الأسد في سورية المواطنة والمساواة والحرية والكرامة للجميع، قد يعارض البعض ويقول ‘نسقط النظام أولا، وبعدها لكل حادث حديث’، قد يكون لمثل هذا القول تبريره العاطفي والنفسي، ولكن هذا لا يعني أبدا إغلاق العيون واحجام العقول عن التحديات الحتمية القادمة بعد سقوط النظام، إذ إن كل تأجيل سيزيد الطين بلة، وسيجعل عملية التحويل الديمقراطي أصعب وأعقد.