الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الثورة السورية: هل تنزلق نحو التشدد؟

الثورة السورية: هل تنزلق نحو التشدد؟

12.10.2013
جيمس تروب


الاتحاد
10/10/2013
قضيتُ معظم الأسبوع الماضي في أنطاكيا، وهي مدينة عتيقة أضحت اليوم بمثابة مخيم مؤقت للمقاتلين السوريين ونقطة انطلاق بالنسبة للصحفيين وموظفي المنظمات الإنسانية العاملين في سوريا. وكان موضوع واحد يشغل بال الجميع في هذه المدينة التركية: ليس وحشية النظام في دمشق، وإنما العنف العدمي للمجموعات الجهادية الأجنبية المعروفة باسم «دولة العراق والشام الإسلامية». وفي هذا الإطار، قال لي فراس تميم، وهو سوري من مدينة اللاذقية السورية، يقوم حالياً بجلب الإمدادات الطبية وسلع أخرى إلى المنطقة: «لا أريدُ أن أقول إن الأسد أفضل، لكنه على الأقل لم يكن يعتقل أو يقتل الناس لأنهم يدخنون». تميم أراني صورة على هاتفه لمجموعة من القرويين وهم يشاهدون عملية قطع رأس «كافر» مفترض نفذتها «دولة العراق والشام الإسلامية»، ثم قال: مع مرور الوقت سيصبح السوريون معتادين على ما كانوا يعتبرونه ذات يوم أمراً فظيعاً ومروعاً.
التقديرات تشير إلى أن «دولة العراق والشام الإسلامية» تضم ما قد يصل إلى 8 آلاف جندي في سوريا، وهو عدد صغير إذا ما قورن مع قرابة الـ100 ألف مقاتل من الثوار. غير أن أيديولوجيا العصور الوسطى التي تتبناها المجموعة، إضافة إلى هوسها المرضي بفرض الأحكام الدينية، جعل منها مصدراً للرعب. ذات مساء، كنتُ جالساً في مقهى حيث كان رجل أشيب الشعر يدخن النرجيلة بنهم وينفث دخان التبغ عبر منخريه. إنه يدعو نفسه «أبو عبدول، وقد كان مقاتلاً في كتيبة تابعة للجيش السوري الحر، وهي قوات معتدلة مدعومة من الغرب، فتحدثنا عن الجهادين، ثم قال: «إنه يطلب ألا تذكر اسم كتيبته»، هكذا قال لي مترجمي، «فالجميع يخاف دولة العراق والشام الإسلامية».
ويمكن القول إن الأسد تلقى هديتين كبيرتين خلال الأشهر الأخيرة؛ الأولى هي الاتفاق الذي رعته روسيا حول إزالة الأسلحة الكيماوية، والذي صرف الانتباه عما يقوم به من أعمال إبادة، وأرغم الحكومات الغربية على العمل معه كحاكم شرعي للبلاد. أما الهدية الثانية، فهي «دولة العراق والشام الإسلامية» التي صرفت الانتباه أيضاً عن الحرب المستعرة بين النظام والثوار وأيدت ادعاء الأسد المتواصل بأنه لا يواجه خصوماً سياسيين، وإنما «إرهابيين».
ولهذا السبب، أصبحت هناك قناعة راسخة في أنطاكيا بأن «دولة العراق والشام الإسلامية» هي بمثابة سلاح سري للنظام. وقد يبدو هذا مثل نظرية مؤامرة يمكن تفهمها، إلا أنه حتى بعض الدبلوماسيين الغربيين الذين تحدثتُ إليهم يعتبرون ذلك محتملاً، وإن بدون إثباتات كافية. ففي صيف 2012، أفرج الأسد عن بعض الجهاديين الذين كانوا يقاتلون مع «القاعدة» في العراق، ويُعتقد أنهم ساعدوا في تأسيس «دولة العراق والشام الإسلامية». كما يشير صحفيون ونشطاء ومقاتلون إلى أنه بينما قامت مدفعية النظام بضرب مقر الجيش السوري الحر في حلب وتدميره، فإن معسكر «دولة العراق والشام الإسلامية» المجاور لم يلحقه أي أذى. والأمر نفسه تكرر في مدينة الرقة الواقعة شرق البلاد والتي كانت ساحة لقتال شرس. وعلاوة على ذلك، فإن «دولة العراق والشام الإسلامية» لم تقم بشيء تقريباً في سبيل تحرير المناطق الخاضعة لسيطرة النظام. وبالمقابل، انتزعت السيطرة على كل من الرقة وبلدة أعزاز الحدودية من قوات الجيش السوري الحر.
وقد يكون كل ذلك مجرد نظرية مؤامرة أخرى، مثلما يرى آرون زيلين، المحلل المختص في سوريا، والذي يتابع الدينامية بين مجموعات الثوار عن كثب، والذي يرفض هذه الفكرة باعتبارها «تحقيقاً لرغبة من جهة، ووهماً من جهة ثانية». غير أنه لاشك في التأثير القوي للفهم المتشدد للإسلام الذي تتبناه هذه المجموعة. فقد تحدثتُ إلى مجموعة من المقاتلين الجرحى الذين يتلقون العلاج في مصحة ببلدة ريهانلي التركية، والتي تبعد بضعة أميال عن الحدود مع سوريا. وكان أحدهم، ويسمي نفسه «أبوعباس»، قد ذهب إلى جامعة «البعث» في حمص مع مترجمين وكان يسعى للحصول على درجة الماجستير في الأدب الإنجليزي. وقد دافع أبو عباس عن «دولة العراق والشام الإسلامية» قائلاً إن المجموعة تقاتل المعتدلين لأنهم دمى في أيدي أميركا. والحل الوحيد بالنسبة لسوريا، كما يقول، هو حكم الشريعة.
والواقع أن «أسلمة» الثوار المتزايدة لها علاقة بـ«دولة العراق والشام الإسلامية»، غير أن لها علاقة أكبر بشعور الثوار المتزايد بالمرارة جرّاء التخلي عنهم من قبل الغرب ومنظمات المعارضة السورية في المنفى، والمنشغلة بالشجارات مع بعضها البعض في الأجواء المريحة للفنادق التركية أو المصرية. ولذلك، فإن الإسلاميين، وليس «دولة العراق والشام الإسلامية» فقط، يقولون: «ليس لنا سوى الله»؛ والشباب مثل «أبوعباس» ليس لديهم سبب قوي ليكون لديهم رأي مختلف.
باختصار، إن صعود «دولة العراق والشام الإسلامية» من المحتمل أن يزداد، لا أن يتراجع؛ حيث سيواصل المتطرفون الأجانب التقاطر على سوريا. كما سيواصل الأسد استغلال التركيز على الأسلحة الكيماوية لارتكاب فظاعات ضد المدنيين السوريين. هذا بينما سيواصل الثوار التعرض لخسائر وإلحاق خسائر بالنظام. وسيزيد السيل المتواصل للاجئين من زعزعة استقرار لبنان والأردن.
واللافت أن أوباما لم يحاول المحاججة بأن المصلحة الوطنية لأميركا تقتضي تجنب مثل هذه الوضع الخطير من خلال الوسائل العسكرية والدبلوماسية معاً، لكن الأوان ربما يكون قد فات الآن!
جيمس تروب
زميل مركز التعاون الدولي في نيويورك
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»