الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الثورة السورية والمشهد الإقليمي

الثورة السورية والمشهد الإقليمي

19.05.2013
د. وائل مرزا

وائل مرزا
المدينة
الاحد 19/5/2013
إن الحسابات الدقيقة لمن يهمه الأمر، وتضحيات الشعب السوري عاملان مهمان للانتقال إلى مرحلة جديدة تحقق مصلحة هذا الشعب النبيل
ما من شكٍ أن الثوار على الأرض كانوا ولا يزالون وسيبقون أصحاب القرار الحقيقي، في تحقيق النصر المؤزر للثورة السورية.. لكن هذا لا يتناقض مع حقيقة أن هذا النصر يمكن أن يأتي -غالبًا- ضمن إطار مشهدٍ شامل تتكامل ملامحه، وربما بأسرع مما يتصور الكثيرون.
والمفارقة في الأمر أن عناصر التكامل المذكور إما أنها تصب في مصلحة الثورة بشكلٍ مباشر، أو أنها تتبلور تدريجيًا من خلال قراءة تخوم المشهد بدرجةٍ أقرب للدقة من ذي قبل من قِبَل أصدقاء الشعب السوري في المنطقة والعالم.
في المسار الأول تأتي أحداث إيران والعراق الحالية والقادمة قريبًا لتصب في مصلحة الثورة، أقلّهُ من باب تحييد البلدين المساهمين بقوة في دعم النظام السوري حتى الآن. ولئن كان هذا بحدّ ذاته مكسبًا ضخمًا للثورة وخسارةً استراتيجية للنظام، غير أن الأمر يمكن أن يتجاوز مجرد الحياد بحيث تنقلب مجريات الأحداث في البلدين، أو أحدهما على الأقل، لتصب مباشرة في المصلحة المذكورة.
ففي إيران، جاء ترشيح هاشمي رفسنجاني، قبل نصف ساعة من إغلاق باب الترشيح للرئاسة بمثابة فرصة نافذة سياسية كبرى بالحسابات الاستراتيجية. ليس فقط لإمكانية إخراج هذا البلد بشعبه المُنهك واقتصاده المنهار من أزمةٍ كبرى تُهدد بانفجار داخلي كبير، وإنما أيضًا لاستعادة الزمام من قبل الإصلاحيين الإيرانيين، من مدخل الواقعية والبراغماتية التي ميّزت وتُميزُ قطاعًا واسعًا من النخبة السياسية الإيرانية، رغم اختطاف الحكم في السنوات الماضية من قبل شريحةٍ مزجت بشكلٍ غريب بين توظيف الأيديولوجية وخدمة فساد طبقةٍ معينة. كل هذا من خلال طرح أحلامٍ توسعيةٍ امبراطوريةٍ، كانت تحتاج إلى حدثٍ تاريخي مثل الثورة السورية يُعيد طهران البراغماتية إلى الواقع والواجهة.
لهذا، لم يكن غريبًا ما نقلته وكالات الأنباء منذ أيام عن وقوف حزبي "جبهة المشاركة الإسلامية" و"جبهة مجاهدي الثورة الإسلامية" المحظورين منذ عام 2010 ببيانين يفيدان بمساندتهما ترشيح رفسنجاني، بوصفه "الأمل الوحيد" لإيران "لتستعيد طريق الحكمة والاعتدال".
وكان لافتًا للنظر أكثر تصريح حسن روحاني، رئيس مركز الدراسات التابع لمجلس تشخيص مصلحة النظام عن "سروره" لخوض رفسنجاني السباق، معتبرًا أنه "ضحى بنفسه". الأكثر دلالةً أن روحاني حضّ على إبرام اتفاقٍ مع الولايات المتحدة بدل التفاوض مع الاتحاد الأوربي قائلًا: "الولايات المتحدة قوةٌ عظمى دوليًا، وإيران قوةٌ إقليمية.. أوربيون كُثر سيحتاجون إذنًا (للتفاوض مع طهران)، ولكن أمريكا هي الشريف (أي قائد الشرطة)، كما يقول المثل، وسيكون أكثر سهولةً لو سوّينا المسائل مع الشريف، بدل التعامل مع سلطاتٍ أقلّ نفوذًا".
وحين نعرف أن معدلات البطالة اقتربت في إيران من 20% وفق الإحصاءات الرسمية المتحفظة، وأن معدلات التضخم الاقتصادي تجاوزت 70%، وحين نعود للتفكير في حجم الواقعية والبراغماتية التي تحكم قطاعًا واسعًا من النخبة السياسية الإيرانية العريقة، والتي تُدرك في النهاية أن وجود إيران نفسه، بل ووجود النظام الإسلامي بوجهه الأكثر اعتدالًا، أهمُّ بألف مرة من الاستجابة لأوهامٍ إمبراطورية لا تعترف بالمستجدات الإستراتيجية الإقليمية، وتعتمد على المغامرات فقط، فإن بالإمكان أن نتوقع حصول تغييرٍ جذري في طهران تفرضه مصالح الأمة الإيرانية بأسرها، بدلًا من مصالح فئةٍ محدودةٍ مهما كان نفوذها في فترةٍ من الفترات.
أما في العراق، فإن استجابة الحكومة العراقية لمبادرة عالم الدين "عبدالملك السعدي" للحوار مع المتظاهرين تبدو مرجحةً، ووفق مطالب المتظاهرين. وإذا أضفنا إلى هذا مرض الرئيس طالباني الخطير والشائعات القوية عن مرض المالكي نفسه، واتفاق تركيا مع كردستان بخصوص شراء النفط منها، وعودة المقاتلين الأكراد من تركيا إلى شمال العراق، فإن هذا البلد لا يبدو في الأيام والأسابيع القادمة في وارد الانشغال عن كل هذه الوقائع الاستثنائية وتجاهل مستتبعاتها، والقفز فوق دلالاتها السياسية والأمنية والاقتصادية، والمتابعة في دعم الأسد بنفس الزخم والقوة على الإطلاق.
إلى هذا، تأتي خطورة الاختراق الذي كاد حزب الله أن يُحدثه في لبنان في صف قوى 14 آذار من خلال قانون "اللقاء الأرثوذوكسي" لتكون حافزًا لهذه القوى، وعلى رأسها تيار المستقبل، لمراجعة بعض الملفات المتعلقة بالثورة السورية، خاصةً فيما يتعلق بالموقف ممن يمكن أن يكونوا لاعبين أساسيين في حسم الموقف.
وأخيرًا، فقد كان واضحًا في الأسابيع الماضية كيف حاول بعض الأفراد هنا وهناك تشويه كثيرٍ من الحقائق فيما يتعلق بالائتلاف الوطني السوري وحكومته المؤقتة، لأجندات ومصالح شخصية بحتة، وبشكلٍ كاد يخلط أوراقًا كان يجب أن تكون في مصلحة الجميع.
وفيما تُشير الأخبار إلى وقوع تصحيحٍ تدريجي لتلك الحقائق على أكثر من مستوى، فإن الحسابات الدقيقة لجميع من يهمه الأمر، وتضحيات الشعب السوري المتواصلة، يبدوان عاملين مهمين في تشكيل ظروفٍ مواتية للانتقال إلى مرحلةٍ جديدة على درب انتصارٍ يُحقق مصلحة هذا الشعب النبيل، دون أن يتضارب بالضرورة مع مصالح كل من يهمه استقرار سوريا ودورها في تحقيق الأمن والسلام في المنطقة والعالم.