الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الثورة السورية.. وقفة للمراجعة-3

الثورة السورية.. وقفة للمراجعة-3

07.10.2013
د. وائل مرزا


المدينة
الاحد 6/10/2013
الثورة السورية.. وقفة للمراجعة (3)ماذا يعني أن توجد في صفوف الثورة السورية عشرات، بل مئات، الفصائل العسكرية التي تندرج في خانة الوصف بأنها إسلامية؟ هل يمكن تفسير هذا الوضع بأنه نتيجة لجهلهم بواحدةٍ من القواعد الأساسية المندرجة في أسباب النصر بالمفهوم الإسلامي، والمتمثلة في ضرورة تجنب الفرقة والتنازع اللذين يؤديان بالضرورة إلى (الفشل وذهاب الريح). إذا كانت هذه الفصائل لاتُدرك فعلاً أهمية هذه القاعدة، فتلك مصيبةٌ تُلقي ظلالاً كبيرةً من الشك على فهمٍ الإسلام في مجالٍ يتعلق بنشاطهم تحديداً، ولايُتصور أن يمتلك أهليةَ العمل فيه من توجد فيه مظنةُ الجهل بتلك القاعدة.
أما إذا كانت الفصائل تُدركها لكنها لاتستطيع العمل بها فالمصيبة أكبر. لأن من أعجب الظواهر في الثورة حتى الآن عدم قدرة أهل تلك الفصائل، ليس فقط على الاتحاد والاندماج، بل وحتى على مجرد التنسيق والتعاون بشكلٍ (جبهوي)، كما تشهد بذلك المحاولات المتكررة والمعروفة. ويظهر عمق المشكلة بشكلٍ أوضح حين نتذكر أننا نتحدث عن فصائل توجد بينها تقاطعاتٌ ومُشتركات واسعةٌ جداً فيما يتعلق برؤيتها الإسلامية، بل إن بعضها يكاد يكون نُسخاً متكررة عن بعضها الآخر. وهذه ظاهرةٌ تحتاج بدورها إلى تفسير.
لانريد الحكم على النيات أو الدخول في استقراء مكنون الضمائر، لكننا بإزاء ظاهرةٍ اجتماعية ثقافية لها مُستتبعاتٌ، ليست فقط أمنية قصيرة المدى على المجتمع حولها، بل واستراتيجية تؤثر في مصير سوريا، بحيث لايمكن أن نتجاهل وجودها، ويمكن بكل صراحة التفكيربتفسيرات منطقيةٍ لها.وتتوزع هذه التفسيرات بين التنافس على المواقع والنفوذ والقوة، أوالطاعة العمياء لمصادر التمويل، أو في كون فهم هذه الفصائل للإسلام وطريقة تنزيله على الواقع متبايناً جداً، حتى لو ظهر خارجياً أن رؤيتها مُتقاربة. بمعنى أن كلاً منها ينطلق من (إسلام) يختلف عن الإسلام الذي ينطلق منه الآخر، وكلاً منها يحسبُ أن (إسلامه) هو الإسلام الصحيح دون غيره.
لامفر إذاً من وجود تفسير لهذه الظاهرة، والتفسيراتُ الثلاثة المطروحة أعلاه تقذف، مُنفردةً أو مجتمعة، في وجوهنا جميعاً أسئلةً تعيد إحالتنا إلى الأزمة التي نتحدث عنها فيما يتعلق بفهم الإسلام.
وفي جميع الأحوال، يبدو واضحاً أننا أمام حالة إما أنها لاتُدرك ترتيب الأولويات في مجالات العلاقة بين المصالح العامة المتعلقة بالبلاد والعباد، والمصالح الخاصة المتعلقة بالفصيل وقياداته. أو أنها تُدرك حتمية تغليب معاني التجرد والإخلاص في هذا المجال الحساس تحديداً، لكنها لاترتقي إلى مستوى المسؤولية من خلال العمل بمقتضى تلك المعاني بدرجاتٍ عالية من الجدية والصدق والعزيمة.
هكذا، نجدُ أنفسنا أمام تجليات الأزمة مهما حاولنا أن نبحث عن تفسير لظاهرة فرقة الفصائل الإسلامية، بل وتنازعها واختلافها، أحياناً إلى درجة الاقتتال، وأحياناً أخرى على شكل الخذلان والتخلي عن الأخ أمام من يُفترض أنه العدو المُشترك، وفي مواقف وأحداث حاسمة ومصيرية.
ويبرز هنا تساؤلٌ كبير: أين المراجع الشرعية بشكلٍ عام، وأين الهيئات الشرعية التي تمتلكها الفصائل من هذه المشكلة الأساسية التي لاتقتصر مستتبعاتها على حرمان الثورة السورية من تحقيق أهدافها.وكيف تتجاهل هذه الهيئات مثل هذه القضية الكبرى، وتنشغل بهمةٍ وعزيمة في ملاحقة ظواهر أخلاقية واجتماعية فردية شاذة تُصبح وحدَها المدخلَ لتطبيق تعاليم الإسلام في المناطق التي تقع تحت سيطرتها؟!
لاتقتصر المشكلة بطبيعة الحال على الجسم العسكري وإنما تمتد لتشمل الجسم السياسي الذي يحمل صفةً إسلامية.
فقد تعاملَ هذا الجسم مع السياسة على أنها ساحة مناورات داخلية بين العاملين في الحقل السياسي المُعارض، وأنها فضاءٌ لإظهار المهارة في إقامة التحالفات وتغييرها وصولاً إلى تحقيق هدف أساسي هو السيطرة على الهياكل السياسية، بحيث أصبح هذا الهدف هو الهاجس الأكبر. وبمعزلٍ عن امتلاك القدرة على توظيف هذه الهياكل لتحقيق الأدوار الحقيقية المطلوبة منها.
بل إن وضع المخططات المنهجية التي تمكن الهياكل المذكورة من خدمة الثورة وتحقيق أهدافها لم يكن أبداً أمراً ذا أولوية، هذا فضلاً عن إظهار قدرةٍ على صياغة مثل تلك المخططات ابتداءً. وبهذا الفهم وتلك الأولويات، لايعود مهماً أن تظهر (البراغماتية) في أكثر تجلياتها بُعداً عن القيم الإسلامية، ويكون طبيعياً أن تُبررَ الغايةُ الوسيلةَ أياً كانت. ويسير العمل بنوايا مُضمرة يتم إقناعُ النفس، والقواعد، بها، تؤكدُ على ضرورة استمرار السيطرة والتحكم بأي طريقة في هذه المرحلة وإلى أن يتم إسقاط النظام، ثم يمكن استعادة القيم بعد استخدام السيطرة الحالية لتأمين سيطرةٍ مستقبلية، ويمكن استدعاؤها آنذاك لتأكيد الصفة الإسلامية للعاملين.
ويبرز أيضاً هنا السؤال عن دور المؤسسة الشرعية التقليدية، حيث لم ولا يظهر لها تأثير على الفصائل العسكرية الإسلامية التي لاتكاد تعترف بأي صفة مرجعية لأهل تلك المؤسسة، إلا في حالات نادرةٍ جداً، لاتتجاوز اسماً أو اسمين، وفي مناطق مُحددة لاتشمل الأرض السورية بأسرها. أما مايزيدُ الظاهرة غرابةً ويبينُ حجم الأزمة فيبدو في لجوء تلك الفصائل بشكلٍ مُكثف إلى مرجعيات خارجية، ليس لها أي علمٍ بالتعقيد الاجتماعي والثقافي والسياسي للواقع السوري الذي يُفترض أنها تعمل على تنزيل تعاليم الدين فيه.
بهذا العرض، يتضافرُ واقع الفصائل العسكرية الإسلامية وواقع الجسم السياسي الإسلامي وواقع المؤسسة الشرعية التقليدية، والعلاقة بين الأطراف الثلاثة، لتُبين بشكلٍ واضح حجم الأزمة المتعلقة بفهم الإسلام وتنزيله على الواقع في أحداث الثورة السورية. لأن واقع هذه الأطراف يُظهر للأسف أن نتائج ممارساتها تصب في التأزيم وزيادة الإشكاليات أكثر بكثير من مساهمتها في إيجاد الحلول.
لسنا هنا في مجال التهجم واتهام النيات، والتعاملُ مع هذا التحليل من ذلك المدخل لن يكون إلا تجلياً آخر من تجليات الأزمة. لكن الحركة في أي مسار من مسارات الثورة السورية باسم الإسلام يفرض على أصحابه مسؤوليةً كُبرى. ولما كانت جدية الموقف لاتسمح بالنصيحة في السر، فإننا نؤكد علناً على ضرورة الاختيار بين تحمل تلك المسؤولية أو العمل بطريقةٍ أخرى لاتظلم أصالة الإسلام وقيمه الحضارية الكبرى.