الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الثورة السورية وقلق المصير

الثورة السورية وقلق المصير

03.05.2013
د. رياض نعسان أغا

الاتحاد
الجمعة 3/5/2013
يتذكر السوريون ما قرؤوا في كتب التاريخ عن الغزو المغولي والصليبي وعن الانتداب الفرنسي، فلا يجدون شبيهاً لما يعانون منه اليوم من أساليب القتل والإبادة الجماعية التي تستخدم فيها أسلحة لم تتوافر من قبل للغزاة، مثل "سكود" وبراميل المتفجرات وطائرات الميغ والسوخوي، وأشد من ذلك حالة الحقد والكراهية التي لم يصل إليها الغزاة الصليبيون ولا المغول، ولا الفرنسيون الذين بات السوريون يقارنون بين ثورة الأجداد ضدهم، وبين ثورتهم الراهنة لإصلاح النظام قبل المطالبة بإسقاطه، فيغبطون أجدادهم لأن الفرنسيين لم يفعلوا يوماً مجازر جماعية كالتي تحدث الآن، ولم يذبحوا أطفالاً ويحرقوا أحياء، وما يحدث من فظائع تقشعر لها الأبدان، هي عنف يستدعي عنفاً مضاداً يغرق البلاد في نهر دم، وتتسع ساحاته لتستقطب محاربين من كل حدب وصوب.
ولقد بدا التدخل الخارجي في المصير السوري مثيراً لمخاوف السوريين من أن تصير سوريا هدفاً لكل طامع بسلطة أو نفوذ، فالإيرانيون يحاربون الشعب السوري علانية، ويخوضون المعارك ضد شعبنا كأنه قد ثار عليهم شخصياً، و"حزب الله" الشيعي نسي عداءه لإسرائيل، وصار الشعب السوري ذو الغالبية السنية عدوه الأوحد، ومقاتلو "حزب الله" يقاتلون بضراوة لم يقدموا مثلها في معاركهم ضد إسرائيل، ففي سوريا تمكنوا من احتلال العديد من القرى، ومن قتل الآلاف من السوريين، وأكثر ضحاياهم من النساء والأطفال الآمنين في حملة الإبادة والترويع والتهجير التي يريد الحزب من خلالها تغيير الطبيعة السكانية لتحقيق أهداف يطمح لتحقيقها عبر تغيير خريطة سوريا ولبنان والعراق. وأما التدخل الروسي فهو يبدو بالوكالة عن إسرائيل، وبالتفاهم مع دول كبرى باتت تبحث عن ذرائع لتبرير خذلانها للشعب السوري، وتلكئها في دعمه إنسانياً، وهذا ما جعل السوريين يشعرون بأن ثورتهم يتيمة، وأنهم بلا سند وبلا معين غير الله، وقد وجدت روسيا في الثورة السورية فرصة سانحة كي تعود إلى المسرح الدولي الذي لعبت فيه لعقود خلت دور الكومبارس، وها هي ذي تبحث عن دور بطولة عالمي على حساب دم الشعب السوري، وقد بلغ التدخل حد تصريح خطير أعلن فيه لافروف أن روسيا لن تسمح للسنة أن يصلوا إلى السلطة في سوريا!
ثم يأتي التدخل العراقي الذي بات نذير مستقبل دموي لأهل السنة في العراق أيضاً، فالتصريحات الأخيرة عن تجهيز جيوش شيعية عراقية تستعد لغزو أهل السنة في سوريا يضع أهل السنة في العراق في موقف حرج، يشابه الموقف الذي يعانيه أهل السنة في لبنان حين وجدوا أنفسهم مضطرين لدق جرس الخطر، بعد أن نأوا بأنفسهم عما يجري في سوريا، ولكنهم وقد رأوا "حزب الله" يخوض حرباً شيعية ضد السنة تحديداً في سوريا باتوا مضطرين لفعل شيء حتى وإن كان دعوات إعلامية للقتال. والسوريون عامة عبروا عن شكرهم لكل من يساندهم لإيقاف شلال الدم، وأعلنوا أنهم لا يريدون رجالاً يدافعون عنهم، وإنما هم يريدون دعماً لوجستياً فقط لمواجهة الوضع الإنساني المرير الذي بات فاجعة كبرى أمام أعين العالم كله. ولابد من أن تحرض هذه التدخلات الأجنبية الكثيفة ضد الشعب السوري كثيراً من الناس الذين هرع بعضهم لنصرة هذا الشعب، واستغل بعضهم حالة الفوضى والدمار فأعلن عن أفكار لا شأن للثورة بها، ولا هي من أهدافها، فالثورة لم تقم من أجل إقامة دولة دينية، ولا من أجل إعلان خلافة إسلامية، ولا شأن للسوريين بتنظيمات "القاعدة" وسواها، ولم ينسَ أحد أن الثورة بدأت بهتافات تطالب بإقالة رئيس فرع أمن، ثم صعدت للمطالبة بإقالة محافظ، ثم تطورت إلى المطالبة بإصلاح النظام، وحين جاء الرد دموياً طالب المتظاهرون بإسقاط النظام، وأعلنوا أنهم يبدؤون ثورة الحرية والكرامة، ويطالبون بدولة مدنية ديمقراطية، وهذا ما يتفق عليه السوريون جميعاً، وأما الصبغة الدينية للثورة فهي أمر طبيعي لأن المتظاهرين لا يجدون مكاناً للتجمع غير المسجد يوم الجمعة، وهم يتوقعون الاستشهاد برصاص القناصة و"الشبيحة"، وإزاء توقع الموت يرجع الناس إلى الله فيستعينون به، وهم بالطبع مسلمون، ولم يكن التكبير بدعة في حياتهم، فهم يقولون الله أكبر في كل حال وتصدح المآذن مرات كل يوم بهذا النداء الذي ظن بعض المحللين أنه يشير إلى رغبة المتظاهرين بإقامة دولة دينية على غرار دولة إيران، وهم ينسون أو يتجاهلون أن أهل السنة لا يؤمنون بولاية فقيه، وأنهم بناة الدولة المدنية الأولى في التاريخ الإسلامي، وهي دولة بني أمية التي كانت مدنية بكل معايير الدول، وهي منسجمة مع وثيقة المدينة المنورة التي أسست للبنية المدنية الشاملة لكل الأعراق والأديان في الدولة الإسلامية الأولى التي أسسها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يحكم الخلفاء الراشدون بعده بنظرية الحق الإلهي، وإنما سمى أبوبكر نفسه خليفة رسول الله، ولا يغيب عن أحد أن التاريخ الإسلامي قدم لنا كل أشكال الحكم، من الخلافة إلى الإمارة إلى السلطنة إلى الإمام العادل وإلى الحاكم المستبد، وحكم المجالس ثم إلى الجمهوريات، ولا يوجد شكل مقدس بين هذه الأشكال، وللمجتمع أن يختار ما تراه الأكثرية مع الحفاظ على حقوق الأقليات وضمان خصوصياتها في كل الحقوق والواجبات الوطنية ومشاركتها في كل الأمور التي تعني الوطن.
ولقد جاءت تمثيلية "البيعة للظواهري" لتشويه صورة الثورة السورية، ولإرباك الدعم الدولي لها، مثلما كانت محاولات تحويل مسارها إلى حرب طائفية أو أهلية، وهذا ما حرص الثوار على تجنبه، وهم مصممون على شعارهم "الشعب السوري واحد" وعلى مبدأ المواطنة التي هي وحدها الأساس في العقد الاجتماعي، كما جاء إصرار النظام على تدويل القضية السورية عبر الاستعانة بالأجنبي متمثلاً بإيران وروسيا و"حزب الله" وعراق المالكي، دافعاً لتبرير تدخل آخرين، على رغم أن داعمي الثورة السورية يبحثون عن حلول سياسية، ويقدم بعضهم الدعم الإنساني الذي لا ينساه السوريون في شتاتهم ومخيمات لجوئهم، وأهم الداعمين إنسانياً، الإمارات وقطر والسعودية وتركيا، وبعض الدول الغربية، وهي دول تعمل في إطار ما اتفقت عليه دول أصدقاء سوريا وما وافقت عليه هيئة الأمم، ولم تقطع كل هذه الدول علاقاتها مع النظام السوري لأنها لا تزال تأمل بحلول سياسية، ولكن الشعب الذي ينتظر حلولاً بات يشعر بقلق نحو المصير الذي قد تقود إليه الأحداث والتدخلات الدولية، وبات يخشى إن حدث تدخل دولي عسكري أن يتم تدمير ما تبقى من سوريا. لا سمح الله.