الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الثورة السورية في مواجهة حملات التوهين والتشكيك والتضليل

الثورة السورية في مواجهة حملات التوهين والتشكيك والتضليل

08.05.2013
علي الرشيد

الشرق القطرية
الاربعاء 8/5/2013
كثيرون من أبواق النظام السوري أو من يدّعون الحرص على سوريا دأبوا على المساواة بين الجلاد والضحية، وتحميل الطرفين مسؤولية ما آلت الأمور فيها من خراب ودمار وتدخلات، ليصلوا في نهاية المطاف إلى نتيجة مؤداها ضرورة أن يجلس الطرفان إلى مائدة حوار يتفاهمون عليها، للتوصل إلى حل سياسي، مع رفضهم لاستثناء أو استبعاد الأسد من أي حل من هذا النوع.
هذا التحليل فيه تجنٍ واضح على الثورة السورية وثوارها، ومغالطة كبيرة بحقهما، فقد كان واضحا أن شعار الأسد منذ البداية: "أنا أو الطوفان"، وقد عبّر عنه للمبعوث التركي منذ وقت مبكر من عمر الثورة بأنه مستعد وقادر على إحراق المنطقة إن تعرّض حكمه للإسقاط، وتحدث مفتي بلاده أحمد حسون عن توعّد الولايات المتحدة وأوروبا بعمليات انتحارية انطلاقاً من أراضيهما إن هي قصفت سوريا أو لبنان، ورفع شبيحته بكل بجاحة شعار " الأسد أو نحرق البلد "، فيما ربط ابن خاله منذ بواكير أيام الثورة بين أمن بلاده وأمن الكيان الصهيوني، وهي مقايضة معروفة، قديمة جديدة.
لقد بات واضحا أن سوريا "إنسانا وبنية تحتية وبيئة" تتعرض لأكبر إبادة وأعظم محرقة وأضخم تدمير، بعد ما يزيد من عامين على عمر الثورة، ويتحمل نظام الحكم فيها وآلته العسكرية ومنظومته الأمنية المسؤولية كاملة عما آلت إليه الأمور فيها، لأنه لم يأل جهدا في فعل كل شيء، دون خطوط حمراء بالمرة.
الكل يتذكر أن الثورة بدأت سلمية وبقيت كذلك لمدة ستة أشهر، ونادت بادئ ذي بدء بإصلاح النظام وليس بإسقاطه، ولكن النظام بدلا من ذلك تعامل معها فورا بالقوة والعنف وقوة السلاح والاستعلاء، في محاولة لكسر إرادة المتظاهرين، ظنا منه أنه يستطيع وأد الثورة في مهدها، كما فعل في ثمانينيات القرن الماضي، ثم حاول عبر مخطط مدروس إجبار الثورة على سلوك مسارات أخرى، وتشويه صورتها من خلال ماكينته الدعائية هو ومن يدور في فلكه، ومنع الإعلام الحر من الوصول لمواقع الأحداث من أجل تقصي الحقائق ونقلها.
ما آلت إليه الأوضاع في سوريا من إهلاك للحرث والنسل، وتوسيع رقعتها إلى دول الجوار، ومحاولة الزج بها في أتون اقتتال أهلي.. يتحمل وزره النظام وحلفاؤه، في محاولات مستميتة منهم لمنع سقوطه، أو الإطالة في عمره على الأقل، كما يتحمله المجتمع الدولي الذي صمت عن جرائمه ولم يأخذ على يده حتى الآن.
أول ما قام به النظام استخدام السلاح في مواجهة المتظاهرين، وأشد أنواع التعذيب وأكثرها فتكاً بحق المعتقلين، فضلا عن الاختطاف والاغتصاب بحق النشطاء وذويهم، وهو أدى إلى نجاحه في اضطرار البعض لاسيَّما الجنود المنشقين عن الجيش النظامي إلى حمل السلاح للدفاع عن الأنفس والأعراض، وبالتالي عسكرة الثورة وبروز ما يعرف بالجيش الحرّ، وإن كان التظاهر والحراك الثوري السلمي لم يتوقف ولو ليوم واحد حتى الآن.
ومع ازدياد وتيرة قمع وتصفيات النظام للنشطاء وللمدنيين، والمجازر المروعة على يد النظام الأسدي، واستعانته بالمستشارين العسكريين والأمنيين والمقاتلين من الحرس الجمهوري وغيرهم، وطول أمد الثورة، وجدت عناصر من المجموعات الجهادية فرصة لها للقتال ضد النظام إلى جوار مقاتلين سوريين أداء لواجب إسلامي تؤمن به، ليقوم إعلام النظام وأبواقه في اختزال الثورة بهذه الجماعات، رغم قلة عددها، وتخويف الغرب والعالم من هذه الجماعات باعتبارها من تنظيم القاعدة، والدعوة لحشد الجهود من قبله لمحاربة الإرهاب وإخراج العصابات المسلحة المرتزقة ـ على حد تعبيره ـ من أراضيه.
لكن أكثر ما أدى إلى زيادة الخسائر البشرية وتزايد أعداد النازحين واللاجئين، هو استخدام كافة صنوف الأسلحة ضد المدنيين، وبث الذعر والخوف في صفوفهم، بما فيها قذائف الطائرات من البراميل وغيرها وراجمات الصواريخ، وغازات الأعصاب والكيماوي، لتصل أعداد النازحين واللاجئين إلى حوالي ستة ملايين شخص على الأقل.
ويشارك إلى جانب النظام قوات من حزب الله ومقاتلون علويون من لواء اسكندرون، ومقاتلون من جماعات شيعية عراقية متطرفة، ويرتبكون أفظع المجازر وحملات التطهير الطائفي في القصير وريف بانياس، مما يؤدي إلى زيادة وتيرة التهجير.
وتضرب إسرائيل الأراضي السورية لمنع وصول صورايخ متطورة لحزب الله، أو منشآت كيماوية أو أسلحة نوعية، خشية وقوعها في يد من يسمونها بالجماعات المتطرفة، فيفتح ذلك الاحتمالات على اتساع رقعة الحرب خارج الحدود وخلط الأوراق بترتيبات مسبقة أو غير مسبقة، رغم أنها في الحقيقة تغطية على عمليات الإبادة الجماعية للنظام في بانياس.
خلاصة هذا الأمر بكل المخاطر المحدقة بتشعباته، مؤداها أهمية عدم ضياع البوصلة الأساسية للثورة، من الثوار والنشطاء، رغم تأثرهم بها شئنا أم أبينا، بحيث لا تثنيهم عن مواصلة نضالهم، حتى الانتصار على الطاغية، وألا توهن من عزائمهم، بدعوى تحميلهم، وإن بصورة من الصور، مسؤولية تدهور الأوضاع في البلاد، بما في ذلك عدم توفر أبسط مقومات الحياة، أو تثبطهم باعتبار أنهم مسؤولون عن استمرار النظام في التدمير والمجازر التي قد يطول أمدها، أو لأنها قد تفتح الباب على مزيد من التدخلات وخلط الأوراق. لأنهم ببساطة غير مسؤولين عن إجرام عدوهم أولا، وباعتبار أنهم يخوضون غمار ثورة كبيرة نيابة عن الأمة ثانيا، ولكونهم لا يواجهون نظام الأسد فقط، وإنما يواجهون المخطط الإيراني والروسي البغيضين ثالثا، ومن شأن نجاح ثورتهم بإذن الله إحداث تأثيرات لا تقتصر على سوريا فحسب، بل تمتد إلى الإقليم والوطن العربي والإسلامي الكبيرين.