الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الثورة الشامية إذ تنتصر للجغرافيا

الثورة الشامية إذ تنتصر للجغرافيا

03.07.2017
د. أحمد موفق زيدان


العرب
الاحد 2/7/2017
إلى قبل اندلاع ثورة الشام العظيمة، كانت كل الأقلام ومراكز الدراسات والأبحاث تتحدث عن نهاية عصر الجغرافيا والحدود، وانفتاح الأسواق العالمية وسط اندياح عولمة كل شيء من الاقتصاد إلى السياسة إلى الاجتماع والتقاليد والغذاء وكل شيء، وكتب بعضهم مستعجلاً نهاية التاريخ، وتسابق جيلنا وجيل من بعدنا للالتحاق بكليات العولمة والحاسوب والسياسة والعلاقات الدولية ووو، أملاً في أن يحجز له مقعداً في عالم العولمة الجديد الذي كان أشبه بالعالم الافتراضي، بعد أن اكتشف كثيرون حقيقته وكنهه، لكن لا أعتقد أن أحداً يومها فكّر مجرد تفكير في أن يلتحق بكلية الجغرافيا.
وحين أقلب نظري بين قادة إسلاميين وغير إسلاميين ممن تخرجوا من كلية الجغرافيا، لا أذكر أحداً منهم إلا زعيم الجماعة الإسلامية السابق والراحل قاضي حسين أحمد، وكم كانت فجأتي حين علمت بذلك.
اليوم ومع الأحداث الشامية وتكالب الغرب والشرق على كيلومترات مربعة محدودة في حلب وشمالها وصحراء تدمر، أو الجزيرة السورية وفي الغوطة ودرعا وغيرها، ندرك تماماً أهمية الجغرافيا.
فما يجري في التنف اليوم ربما يؤشر -كما تتحدث بعض دوائر الاستخبارات والبحث لحرب عالمية ثالثة- في ظل قطع الطريق الاستراتيجي لإيران من الموصل وتلعفر باتجاه مناطق الأكراد فحلب فالمتوسط، وذلك بعد الزواج الكاثوليكي بين الأميركيين وغلاة الكرد، ونشر قواعد أميركية في طريق التمدد الإيراني، الأمر الذي ألجأهم للتوجه إلى طريق آخر ممتد من البوكمال باتجاه صحراء التنف فحمص فالساحل السوري، ولكن نشر قاعدة أميركية - بريطانية في التنف حال دون ذلك.
الأمر الذي يبدد كل أعداد القتلى والجرحى والخسائر الإيرانية في الشام، التي أرادتها ممراً بينها في طهران والعراق إلى لبنان فالمتوسط.
لعل من محاسن الصدف أن أقرأ هذه الأيام كتاب انتقام الجغرافيا للكاتب الرائع روبرت كابلان، الذي ركز فيه على أهمية الشام والعراق في الحروب التاريخية، والتي أدت إلى قيام حضارات وإمبراطوريات، ليتعزز لدي قناعة بأن الجغرافيا اليوم هي من سيحدد مصير وتوجه الدول بل وتوجه العالم كله.
فهنا في الشام كانت الوصية النبوية الأولى لأصحابه بالتوجه إليها، فكان أن عقد الراية لأسامة بن زيد حب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومن قبل قال -عليه الصلاة والسلام-: "بينما أنا نائم وإذا بعمود الكتاب قد انتزع من تحت وسادتي، فأتبعته بصري فإذا هو بالشام، ألا وإن الإيمان حين تقع الفتن في الشام" أو كما قال -عليه السلام-، وهو دليل على توجيه أصحابه إلى الشام، وهي الدورة الحضارية التي فهمها من بعده صحابته، ثم فهمها الصلاحيون "صلاح الدين الأيوبي" والزنكيون والمماليك والعثمانيون من بعد.
لقد حرص الاستعمار بكافة أشكاله وألوانه -على مدى عقود بعد سقوط الخلافة العثمانية- على زرع كيانات أقلوية حاكمة مجرمة، لفصل تركيا عن العالم العربي، وجعل من سوريا سلطة أقلوية عازلة فاصلة على غرار جيش لحد، وهو ما حصل لهم على مدى عقود، ولذا فهم يسعون لتدمير كل شيء يحول دون وصل العالم العربي بتركيا، ما دامت بوابة الطرفين دمشق بعبقرية جغرافيتها المعروفة، وبتاريخها الأصيل، وبعراقة حكمها لأضخم إمبراطورية في التاريخ وهي الإمبراطورية الأموية.
يفاجئ البعض منها السفير الأميركي السابق في دمشق روبرت فورد ولم يفاجئنا بالقول، إن التمدد الإيراني في الصحراء السورية وتدمر أصبح واقعاً لا يمكن التصدي له.
ويبشرنا بنهاية أليمة للوجود الأميركي في الصحراء، شبيهة بنهاية قواتهم في بيروت عام 1983، يوم انسحبوا بعد تفجيرات المارينز على يد حزب الله، ويبشرنا أيضاً أن الوقت تأخر كثيراً على الأميركيين للتصدي للتمدد الإيراني، ويسعى إلى الاعتذار بطريقة صبيانية أنه لم يكن يتوقع تدخلاً إيرانياً ولا من حزب الله لدعم قوات بشار ضد الثورة السورية، في الوقت الذي كان يتابع هو وإدارته دبيب فرد واحد ينتمي لتنظيم الدولة أو للأحزاب الإسلامية حتى المعتدلة منها، ويريد أن يقنعنا بأنه لم يكن لديه معلومات عن هذا الحزب المرتبط بإيران وغيره.
الجغرافيا هي عقدة العقد، وهي التي تستطيع من خلالها فهم التاريخ والسياسة، ومن خلالها تصل الحدود وتنقل الأفكار والبضائع والدمار والخراب، تماماً كما تنقل الإعمار والتنمية، ولكن شتان بين هذا وذاك، لكن من يقوم على وصل الجغرافيا اليوم من الغزاة والمحتلين شعارهم مغولي تتري.;